الوقت - توترت الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية إثر هجوم قوات الاحتلال الصهيوني على المسجد الأقصى المبارك خلال الأيام الماضية ، ما أدى إلى تصاعد وتيرة العنف.
صعد الصهاينة ، الذين كثفوا هجماتهم الوحشية وحملاتهم الأمنية على سكان الضفة الغربية للتعويض عن إخفاقاتهم الأخيرة في مواجهة موجة العمليات الاستشهادية الفلسطينية في عمق الأراضي المحتلة، وجرحوا واعتقلوا المئات من الفلسطينيين يوم الجمعة وحده، في حين أفادت مؤسسة الحلال الفلسطينية بإصابة 344 شخصًا في اشتباكات الجمعة بالمسجد الأقصى، بینما أفادت لجنة حماية الأسرى الفلسطينيين باعتقال 470 فلسطينيًا خلال مواجهات أمس (الجمعة) في المسجد الأقصى. أثناء ذلك، كانت إحدى المناطق الرئيسية لهجوم الجيش الصهيوني في الأيام الأخيرة هي مدينة جنين بالضفة الغربية ومخيمها للاجئين، والتي لها تاريخ طويل ورائع من المقاومة والانتفاضات الشعبية ضد عدوان الكيان.
مدينة جنين ومخيمها.. قاعدة مقاومة جديدة بعد غزة
بالنسبة للأجهزة الأمنية التابعة للكيان الصهيوني ، كانت جنين حتى سنوات قليلة مضت رمزا للاستقرار الفلسطيني. مدينة أغلبية سكانها الساحقة تدعم حركة فتح، وينتقل العمال الذين يعيشون فيها من وإلى مدن في الأراضي المحتلة، ولا يوجد سوى جيش صغير مسؤول عن الأمن، لكن هذه كانت صورة مزيفة لمدينة لها تاريخ طويل من الانتفاضات والمقاومة، وتحت ظاهر المدينة هذا، كان الواقع يتغير بطريقة مختلفة. بالنسبة للفلسطينيين، تعتبر جنين، وخاصة مخيم اللاجئين القريب منها، رمزًا لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي. حتى في الأوقات التي كانت فيها المدينة مستقرة حسب الوصف الاسرائيلي، كانت هناك هجمات ليلية وسرية مستمرة من قبل المليشيات الصهيونية المحتلة وعملاء أمن في السلطة الفلسطينية لاعتقال المجاهدين الفلسطينيين. وحسب منظمة B'Tselem، استشهد على يد قوات أمن الكيان في الفترة ما بين عملية الرصاص المنصهر ونهاية شباط (مارس) 2022 ، 45 فلسطينيا من منطقة جنين. كذلك منذ آذار (مارس) الماضي حتى (نيسان 2022)، قُتل ثمانية فلسطينيين في منطقة جنين خلال عملية للاستطلاع على قوات الاحتلال وتعقبها بعد موجة من العمليات الاستشهادية الفلسطينية.
ويبلغ عدد سكان مدينة جنين نحو 256 ألف نسمة في الشمال الغربي ومركزها جنين. وتبلغ مساحتها 583 كيلومترًا مربعًا وتشكل 9.7٪ من إجمالي مساحة الضفة الغربية، ما يجعلها ثالث أكبر مدينة فلسطينية في الضفة الغربية بعد الخليل ونابلس. مثل باقي المدن الفلسطينية، صادرت إسرائيل مساحات واسعة من جنين وقراها واقتصرت على نحو 30 قرية صغيرة، لكن على الرغم من أن الصهاينة حاولوا دائمًا احتلال المزيد من الأراضي في هذه المحافظة، وحتى أنه تم بناء أكثر من 10 مستوطنات على أراضيها، إلا أن هذا المخطط فشل بسبب المقاومة الشديدة من سكان جنين. لذلك، جنين هي المحافظة الوحيدة في الضفة الغربية الخالية من المستوطنات.
ما يهم هنا مو موقع جنين، حيث إنها تقع في الوسط بالنسبة للمدن الفلسطينية، لأنه يقع على بعد 25 كم جنوب الناصره، و 50 كم جنوب شرق حيفا، و 43 كم شمال نابلس. قضية أخرى مهمة هي مخيم اللاجئين في هذه المدينة. يقع المخيم غرب وسط المدينة ويقطنه 16000 لاجئ. جنين وقراها من المدن الفلسطينية كانت تزعج إسرائيل أكثر من أي منطقة أخرى في الضفة الغربية. وكان الجيش الصهيوني قد هاجم المخيم في نيسان 2002، ما أدى إلى تشكيل انتفاضة في كل المناطق الفلسطينية.
تأسس المخيم عام 1953 في بلدية جنين، وهو الآن يشغل مساحة تقل عن كيلومتر واحد من الأرض. سكان المخيم في الأصل من منطقة الكرمل في حيفا وجبال الكرمل. يعمل العديد من سكان المخيم في الزراعة في المنطقة المحيطة بجنين. مثل المخيمات الأخرى في الضفة الغربية، أقيم مخيم جنين على أرض استأجرتها الأونروا من الحكومة الأردنية.أ
صبح المخيم تحت سيطرة السلطة الفلسطينية في منتصف التسعينيات، لكنه تعرض لهجوم شديد من قبل المحتلين الصهاينة خلال الانتفاضة الثانية. ودخل الجيش الإسرائيلي المدينة والمخيم في أبريل / نيسان 2002، وأعلنهما منطقة عسكرية وفرض حظر التجول. واستمرت الاشتباكات داخل المخيم لمدة 10 أيام، منع خلالها الجيش الصهيوني السيارات الإسعاف والطواقم الطبية والمساعدات الإنسانية والكاميرات الإعلامية من دخول المخيم حتى لا تنكشف حقائق جرائمهم هناك. وخلفت الاشتباكات ما لا يقل عن 52 قتيلا فلسطينيا ومئات الجرحى وقتل 23 جنديا إسرائيليا.
تم تدمير ما يقرب من 150 مبنى والعديد من المباني الأخرى غير صالحة للاستعمال، ما ترك نحو 435 أسرة بلا مأوى. وبعد عام 2002، تعمد الصهاينة منع إعادة بناء المخيم للضغط على سكان المخيم لمغادرة المنطقة. ووفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ، يعاني نحو ربع سكان المخيم من البطالة، كما أن مرافق الرعاية الاجتماعية في المخيم أصغر بكثير مما هي عليه في أجزاء أخرى من المدينة. كانت استراتيجية الأجهزة الأمنية للكيان على مر السنين هي فرض عقوبات اقتصادية على المدينة، ودفع الأجهزة الأمنية الفلسطينية للتحرك في جنين ضد التوجه المتنامي للمجاهدين المحسوبين على المقاومة.
نشوء جيل المقاومة في جنين والضفة الغربية
أثار وجود عدد من المجاهدين في الموجة الأخيرة من العمليات الاستشهادية في الأراضي المحتلة بين أهالي جنين ومخيم اللاجئين في المدينة ناقوس الخطر لأجهزة استخبارات وأمن الكيان ، وهو ما خالف تقديراتهم الساذجة عن مدينة جنين. بدلاً من ذلك، وسط إزالة العواقب المدمرة لمقاربة السلطة الفلسطينية وتوجهاتها التفاوضية والمساومة على مصالح الفلسطينية مع الاحتلال الاسرائيلي، والانتصارات الدراماتيكية لمقاومة غزة، نشأ جيل جديد من الشباب الفلسطيني على عقيدة المقاومة. بل يمكن القول إن لديهم روحًا أقوى سعيا لإضعاف إسرائيل من روح جيل المجاهدين الذي سبقهم. في سبتمبر 2021 ، أرجع أسامة الحروب زعيم حركة الجهاد الإسلامي في مخيم جنين تزايد المقاومة المسلحة إلى "جيل من الشباب تدربوا على مقاومة الاحتلال وتجاوزوا مخاوفه وهم أطفال نتيجة حرب 2002". وحسب الحروب، فإن "المعركة خلقت جيلا في المخيم نشأ على عقيدة المقاومة، والمقاومون هم أبناء الشهداء وعائلاتهم.
هناك أسباب عديدة لتحويل مدينة جنين وخاصة مخيمها إلى مركز للمقاومة المسلحة ضد المحتلين الصهاينة في الضفة الغربية. في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، أقيمت في جنين بإشراف حماس جنازة مجيدة للشهداء. رداً على ذلك ، أقال زعيم فتح محمود عباس مسؤولين كباراً في منطقة جنين واستبدلهم بأولئك الذين اعتقد أنهم أكثر ولاءً للسلطة الفلسطينية. ولكن بعد أسابيع قليلة فقط من إحراز أهدافه، أصيب بخيبة أمل من تعييناته. وما لا شك فيه أن مخيم جنين أصبح الآن قاعدة للجهاد الإسلامي وحماس اللتين تخططان لعمليات استشهادية في الأراضي المحتلة. وصل الوضع الأمني الخطير للصهاينة في مدينة جنين إلى حد أنه في نهاية الأسبوع أمر منسق أنشطة الحكومة الصهيونية في هذه المناطق بمنع دخول المواطنين من عرب إسرائيل إلى هذه المدينة.
شوارع جنين وحتى العقلية الجماعية للضفة الغربية والفلسطينيين الذين يعيشون في عمق الأراضي المحتلة أصبحت تتماشى مع فلسفة حركات المقاومة، ويريدون اتباع طريق النضال والمقاومة ضد المحتلين، وهم ينظرون إلى طريق التسوية وتطبيع العلاقات على أنه تدمير لفرص ومصالح وتطلعات الشعب الفلسطيني.
في الواقع، من المتوقع أن يؤدي الوضع في جنين (الرد المسلح على قوات الاحتلال) مع تفجر الوضع في المنطقة، والضغوط الاقتصادية للكيان على الضفة الغربية ، وسياسات التهويد في القدس استمرار الاستيطان غير الشرعي للكيان الصهيوني إلى أن يمتد التوتر إلى باقي محافظات الضفة الغربية. كما حدث في مواجهات حي الشيخ جراح التي تلتها اندلاع حرب سيف القدس، لذا فإن العمليات العسكرية للكيان الآن في الضفة الغربية لن تؤدي إلا إلى تقوية موقف حماس والجهاد الإسلامي في المنطقة.
