الوقت- بينما أدت الحرب في أوكرانيا إلى تكثيف المواجهة بين روسيا والغرب هذه الأيام وحتى أنها تذكرنا بحقبة الحرب الباردة في الماضي غير البعيد، فمن المتوقع أن يكون لهذا الوضع الحرج تأثيرات مختلفة على النظام الدولي. وفي الوقت نفسه، فإن تقاطع عودة التنافس بين الشرق والغرب مع عصر الديناميكيات الناشئة في منطقة غرب آسيا، باعتبارها واحدة من المناطق المتنافسة الحيوية للقوى العالمية على مدى القرن الماضي، قد كشف بشكل أكثر وضوحًا أثره في تسريع هذه التغييرات. أحد هذه التغييرات هو التغيير التدريجي في استراتيجية السياسة الخارجية لدول الخليج الفارسي على أساس التطورات في النظام الإقليمي والدولي، والتي على الرغم من تعريف المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتعاون في تحالفات مع الغرب، إلا أن نهج عدم الانحياز لوجهات النظر الغربية حول الأزمة في أوكرانيا اتخذت مسارا جديد مع بعض دول المنطقة. وعلى الرغم من إمكانية تتبع هذا التحول الاستراتيجي في سلوك الدول العربية المختلفة، إلا أن النهج المتناقض لدولة الإمارات العربية المتحدة تجاه القرارات المناهضة لروسيا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، هو مثال واضح على هذا النهج الجديد للتكيف مع الديناميكيات السياسية والانتقال إلى نظام دولي جديد. وعليه، تحاول دولة الإمارات تغيير سياساتها في ظل الظروف الجديدة، وتمهيد الطريق للحفاظ على مصالحها الأمنية والاقتصادية ومكانتها الإقليمية.
وحول هذا السياق، يقول الباحث والكاتب السياسي، "حميد الزعابي"، إن "نهج دولة الإمارات واضح في علاقاتها مع الصراعات الدولية"، موضحا أنه "في الأزمة الروسية الأوكرانية، الأولوية هي للإنسان ومن ثم الدبلوماسية". وشدد "الزعابي" على أن "أبوظبي تتخذ الدبلوماسية وعدم الانحياز في أي صراع دولي". وكانت الإمارات دعت، السبت الماضي، خلال اجتماع عقده مجلس الأمن، إلى خفض التصعيد بشكل فوري وإنهاء الأعمال العدائية في أوكرانيا، لافتة إلى أن تلك "التطورات الخطيرة" تقوض الأمن والسلم الإقليميين والدوليين.
وفي بيان لوزارة الخارجية الإماراتية، أعربت الدولة الخليجية التي تملك عضوية غير دائمة في مجلس الأمن عن "قلقها بشكل خاص تجاه التداعيات المترتبة على المدنيين المتواجدين في أوكرانيا، وعلى المنطقة والمجتمع الدولي بأسره". بينما ترى كارولين روز، كبيرة المحللين في معهد "نيو لاينز" للاستراتيجيات والسياسات بواشنطن، أن "الحياد النسبي بشأن الحرب في أوكرانيا يمثل مصلحة روسية".
وأضافت روز، في تصريحات لموقع "الحرة"، أنه "بالنسبة للروس، ونظرا لارتفاع مستوى التضامن الدولي مع الشعب الأوكراني، من الضروري بالنسبة لهم الاحتفاظ بالحلفاء حيثما أمكنهم ذلك".
السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة قبل عام 2011 وبعده
في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولإثبات الشراكة الاستراتيجية مع الغرب، شرعت الإمارات في استراتيجية "مكافحة الإرهاب" الأمريكية، وأصدرت على عجل بيانًا ضد التطرف والعنف، وقطعت العلاقات مع حكومة طالبان. وقد تفاقم هذا الاندماج في الاستراتيجية الأمريكية أثناء غزو واشنطن للعراق في عام 2003 والاحتلال العسكري والإطاحة بالنظام البعثي العراقي، حيث اعتبر مجلس التعاون الخليجي النظام البعثي ثقلًا موازنًا للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وكان يُنظر للاستراتيجية الأمريكية في احتلال العراق على أنها تتويج للتحالف مع الغرب. لكن نقطة البداية للتحول التدريجي في رؤية قادة الإمارات للاعتماد فقط على الولايات المتحدة والغرب بدأت خلال ظهور الحركات الثورية في العالم العربي المعروفة باسم "الربيع العربي" أو "الصحوة الإسلامية".
في الواقع، بينما تحجم واشنطن بشكل متزايد عن الانخراط عسكريًا في الأزمات الإقليمية وتسعى إلى تفويض مسؤولياتها الأمنية إلى الحلفاء الإقليميين، مثل إجبار الدول العربية على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. ولقد دفع التهديد بتقوية جماعة الإخوان المسلمين في الجغرافيا العربية في سنوات ما بعد 2011، أبو ظبي إلى إعادة تقييم سياستها الخارجية من خلال إعادة رسم خطة تحالفها. وخلال هذه الفترة، تبنت القيادة الإماراتي استراتيجية المشاركة العسكرية النشطة في حالات التنافس الإقليمي، وتطوير النفوذ في المنطقة، مثل المشاركة في التحالف العسكري لغزو اليمن أو التواجد العسكري في ليبيا. ولكن ربما كان الحدث الرئيسي الذي سرّع هذه العملية هو مراقبة الانسحاب العسكري الأمريكي المشين من أفغانستان، والذي ألقي بظلال من الشك على اعتماد دول الخليج العسكري والسياسي المستقبلي على واشنطن والغرب.
وعلى الرغم من انضمام الإمارات إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة من أجل سلامة وحماية الملاحة في عام 2019، فقد دخلت في تحالف استراتيجي مع الصين في ذلك العام ثم انتقلت نحو البراغماتية في العلاقات مع إيران باعتبارها أكبر شريك اقتصادي للبلاد في منطقة الخليج الفارسي. ولقد أظهر وقف تصعيد النظام السياسي السوري أيضًا أن أبو ظبي أعطت الأولوية لمصالحها الاقتصادية والجيوسياسية. كما تغلبت الإمارات على التوترات بينها وبين أنقرة، حيث تشهد العاصمتان اجتماعات متبادلة رفيعة المستوى، كان آخرها زيارة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إلى أبوظبي.
ومن خلال عكس سياستها الموالية للغرب، تتحرك الإمارات العربية المتحدة نحو التفاهم مع أصحاب المصلحة في الأزمتين السورية والليبية، مما يضمن تحقيق طموحاتها الاقتصادية.
وفي حالة إيران، ستحقق أبو ظبي مكاسب اقتصادية كبيرة إذا رفعت العقوبات عن إيران، حيث سيحول ذلك إيران إلى بوابة غربية إلى السوق العالمية. وتحسين العلاقات مع تركيا سيضمن أيضًا المصالح التجارية والاقتصادية الواسعة لأبو ظبي.
أزمة أوكرانيا وفجوة الأفق الاستراتيجي في السياسة الخارجية الإماراتية
كما أن هناك مقاربة لموازنة العلاقات بين الغرب والشرق، وهو ما انعكس في الحفاظ على الحياد في السياسة الخارجية لأهم الدول العربية، مثل السعودية والإمارات ومصر، تجاه الأزمة الأوكرانية.
ففي البداية، كانت روسيا والصين، على عكس الغرب، أقل انخراطًا في التدخل في الشؤون الداخلية لحلفائها، وخاصة فيما يتعلق بقضية حقوق الإنسان. وتعكس هذه القضية، التي شهدت زيادة في حصة روسيا من تجارة الأسلحة لغرب آسيا وشمال إفريقيا في السنوات الأخيرة، توجه الدول العربية إلى تعزيز العلاقات مع الشرق. ومن عام 2014 إلى 2018، زادت صادرات الأسلحة الروسية إلى غرب آسيا وشمال إفريقيا بنسبة 16٪ مقارنة بعام 2009 إلى 2013، وفي العام الماضي، بعد أن أوقفت الإمارات شراء الإمارات لطائرات F-35 المقاتلة من الولايات المتحدة، عرضت روسيا إنتاج مشترك مع دولة الإمارات العربية المتحدة لمقاتلة 57 الشبح من طراز Sukhoi. ولكن عند تقييم نتائج هذا النهج، لدول عربية مثل الإمارات، لا بد من القول إن تنفيذ هذه الاستراتيجية لم يخل من العيوب والتحديات، واستمرار الفجوات الأمنية وعدم توافق الدول العربية على القضايا الدولية وهذا الامر سيتسبب في خلق نوع من الارتباك الاستراتيجي في السياسة الخارجية وتنظيم العلاقات مع الغرب والشرق، وهو ما يمكن ملاحظته في الأداء المتناقض لدولة الإمارات العربية المتحدة بشأن القرارات الأخيرة المناهضة لروسيا في الولايات المتحدة والأمم ومجلس الأمن.
