الوقت - في مقال له نشر في مجلة فورين بوليسي الامريكية تناول الكاتب ستيفن والت موضوع فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية قائلا ان تركيا ستخوض تجربة جديدة بعد هذه الانتخابات مضيفا بأن النمو الاقتصادي ورسم نموذج جديد عن حزب ديمقراطي اسلامي وتقليص صلاحيات الجيش يعتبر من الانجازات السياسية الكبيرة لحزب العدالة والتنمية.
ويتابع ستيفن والت قائلا: ان سياسة تصفير الخلافات مع الجيران التي ابتكرها احمد داود اوغلو قد زاد من جذابية حزب العدالة والتنمية واعتبر ابداعا یهدف الى الاستفادة القصوى من مكانة تركيا الاستراتيجية وبسط النفوذ التركي في المنطقة لكن مع مرور الزمن ظهر الوجه الآخر لاردوغان وحزبه وقد تسبب قمع وسائل الاعلام في تركيا الى تراجع هذا البلد من المرتبة 149 عالميا في حرية التعبير الى المرتبة 180 كما ادى عدم تحمل اردوغان للانتقادت الى تكرار ادعاءاته حول وجود مؤامرة خارجية.
ان جولة الانتخابات السابقة التي جرت في شهر يونيو والتي خسر فيها حزب العدالة والتنمية اغلبيته في البرلمان كان فرصة لارساء الديمقراطية الحديثة في تركيا فرغم احتمال تدهور الحالة الامنية مع تشكيل حكومة ائتلافية لكن تركيا كانت قريبة من بلورة تجربة ايجابية وقيمة في الحكم.
وقد ادى عدم تشكيل حكومة ائتلافية الى اجراء انتخابات مبكرة واستطاع اردوغان وحزبه الحصول على اكثرية مقاعد البرلمان وضمن اردوغان البقاء في كرسي الحكم لاربعة سنوات اضافية.
ان كافة الاشخاص يمكن ان يرتكبوا الاخطاء والسياسيين ليسوا استثناء لكن من خصائص الديمقراطية تصحيح اخطاء السياسيين بسبب وجود امكانية توجيه الانتقادات ومراجعة نقاط الضعف، اما في تركيا قد استأثر اردوغان وحزبه بالسلطة طوال العقد الماضي وحاربوا الانتقاد وتقديم المقترحات واستخدم اردوغان وحزبه هذا الاسلوب في الجولة الاخيرة من الانتخابات حيث قام بعض انصار هذا الحزب بمهاجمة بعض وسائل الاعلام كما القى الحزب مسؤولية العمليات الارهابية التي وقعت في انقرة على الاكراد وداعش وقام التلفزيون التركي بحملة دعائية واسعة لحزب العدالة والتنمية قبل ايام من الانتخابات ما دفع الخبراء والمراقبين الى القول بأن الانتخابات التركية لم تكن عادلة بتاتا رغم حريتها.
ان هذه النتيجة مقلقة لأن تركيا تواجه مشاكل وازمات لايوجد حل لها فاستراتيجية تصفير المشاكل مع الجيران قد فشلت واصبحت تركيا عدوة لحكومة الرئيس السوري بشار الاسد وباتت تعيش مشاكل مع الاكراد في الداخل والخارج كما هناك مشاكل بين تركيا وايران بسبب قضية دعم بشار الاسد وقد القت هذه المشاكل بظلالها على الاقتصاد التركي وتراجعت قيمة العملة التركية.
لقد اظهر حزب العدالة والتنمية نفسه كمصدر لارساء الاستقرار في تركيا طوال السنين الماضية ويمكن القول ان قلق المواطنين ازاء تدهور الحالة الامنية كان هو سبب اقبالهم على التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات لكن حل المشاكل الموجودة في تركيا سيكون اصعب اذا استمر قمع المنتقدين والمعارضين.
وهناك سيناريوين محتملين في تركيا بعد انتصار حزب العدالة والتنمية وتثبيت مكانة اردوغان، السيناريو الاول ايجابي ويقول بان حزب العدالة والتنمية سيقوم ببعض الاصلاحات الاساسية مثل دعم استقلال البنك المركزي وزيادة الصادرات ورفع مستوى الكوادر البشرية وسيبدي المرونة للتوصل الى اتفاق سلام مع الاكراد وهذا التفاؤل هو ما يفسر صعود مؤشر البورصة التركية بعد الانتخابات بنسبة 5 بالمئة.
اما السيناريو الثاني فهو سيناريو سلبي يقول ان اردوغان وحزبه سيعتبرون نجاحهم في الانتخابات مؤشرا على صوابية سياساتهم ونهجهم وعندئذ سيستمر اردوغان في مساعيه لتعديل الدستور وقمع الصحافة وممارسة الضغط على الاكاديميين الاتراك، ورغم عدم الرضا الاوروبي والامريكي عن هذا السيناريو لكن الدور الاستراتيجي لتركيا في المنطقة سيمنع اوروبا وامريكا من اتخاذ خطوات ضد اردوغان وحزبه.
ولايمكن التكهن حتى هذه اللحظة أي نهج سيختاره اردوغان وحزبه ورغم ذلك يمكن القول ان تركيا تعيش الان اوضاعا حساسة وان اي طريق تختاره سيكون له تأثير بالغ وتداعيات كبيرة.
