الوقت- عقب التقارير الإعلاميّة المكثفة التي نشرتها ومازالت تنشرها وسائل إعلام عديدة معادية لسوريا ومحور المقاومة منذ سنوات، والتي تتحدّث عن قيام موسكو بأعمال وإجراءات لإخراج المقاومة اللبنانيّة "حزب الله" التي أعلن أمينها العام، السيد حسن نصر الله، المشاركة رسميّاً في معركة القصير أوائل العام 2013، وإيران التي قدمت المشورة والمساعدة العسكريّة لسورية، وقد اعتمدت تلك التقارير على مزاعم تتحدث بأنّ "روسيا لا تريد شريكاً لها في سوريا وبالأخص إيران"، في الوقت الذي كانت فيه طهران وموسكو تملكان علاقات متزنة خلال سنوات الحرب السوريّة، وشهدت تعاوناً على أكثر من صعيد، بل تقاسماً للأدوار أحياناً، وعندما لا يُتفق على أمر ما، كانت القضية تُحل بتنظيم الاختلاف، وفق محللين.
لم تكن الزيارة التي قام بها وفد من "حزب الله"، برئاسة النائب اللبنانيّ وعضو شورى القرار في الحزب ورئيس كتلته النيابيّة محمد رعد، إلى العاصمة الروسيّة موسكو منتصف الشهر الفائت عاديّة أبداً، بل كانت مناسبة مهمة أوضحت خلالها القيادة الروسيّة موقفها من وجود الحزب في الجهوريّة العربيّة السوريّة، في الوقت الذي تبدي فيه موسكو إعجابها بعملانيّة حزب الله، وتُقدر بشكل كبير أداءه العسكريّ الذي يتمثل بحرفية مقاتليه، وانضباطهم، وقدرتهم الفائقة على تحقيق أهدافهم في المعارك.
وبما أنّ روسيا تعتبر نفسها معنيّة بكل ما يسهم في دعم سوريا، وخاصة من خلال التسويات الداخليّة مع المجموعات المسلحة في كثير من المناطق، خصوصاً في الجنوب السوريّ، إضافة إلى التفاهمات الكبرى مع تركيا الأردوغانيّة التي شّنت حرباً ضروساً على جارتها الجنوبيّة، وفي هذا الشأن كان حزب الله ملتزماً بكل ما يمكن القيام به لإنجاح هذه التسويات والتفاهمات.
واليوم ترى روسيا أنّ وجود قوات الحزب في سوريا أصبح ضروريّاً أكثر من أيّ وقت مضى، لأنّ أيّ فراغ يتركه حزب الله وإيران على التراب السوريّ سيملؤه الاحتلال الأمريكيّ، كما أنّ بعض مجموعات التسويات، ومنها تلك التي تستقوي بالتفاهم مع الروس، لا ترى رادعاً يحول دون تمددها سوى الحزب والإيرانيين، وفق تقارير.
وبالاستناد إلى ذلك، حرصت موسكو على إيصال رسالة صريحة لقيادة حزب الله، مفادها بأنّ وجودكم في سوريا ضروريّ في السياسة، كما في الحرب العسكريّة، حيث قال المسؤولون الروس "نعوّل على التعاون معكم مستقبلاً في المجالين"، ولا ينظر الروس إلى الحزب بصفته تنظيماً لبنانيّاً فقط، بل هو جهة لها حضورها وشعبيتها في كثير من دول الإقليم.
يشار إلى أنّه جرى التطرق إلى الأوضاع في اليمن والعراق وسوريا وفلسطين وغيرها، في اللقاءات مع المسؤولين الروس، وتحديداً وزير الخارجية سيرغي لافروف، ونائبه ميخائيل بوغدانوف ومسؤولون في مجلس النواب، وشدّد الطرفان على ضرورة تعزيز سبل التواصل بينهما، واعتماد قنوات اتصال مباشرة بين حزب الله وروسيا، مع درس احتماليّة إقامة مكتب تمثيل للحزب في العاصمة الروسية موسكو.
وما ينبغي ذكره أنّ زيارة الحزب إلى موسكو تمّت بناءً على دعوة روسيّة، بدت في جانب منها رسالة من روسيا إلى الولايات المتحدة مفادها بأنّ المحاولات القائمة للإيقاع بين روسيا من جهة وبين إيران أو حزب الله من جهة أخرى لن تنفع، وأنّ موسكو لن تكتفي بالتنسيق مع طهران، بل تريد أن تنسّق بشكل مباشر مع حزب اللبنانيّ، وسبق للروس أن أبلغوا كل الدول الغربيّة والعربيّة والإقليميّة والقوى التي يتواصلون معها بشأن لبنان، بأن حزب الله قوة رئيسة، ويمثل حالة حقيقية وكبيرة، وينبغي التعامل معه على هذا الأساس، ولا يمكن إنجاز أيّ تسوية دون التشاور والاتفاق معه.
إضافة إلى ذلك، كانت الرسالة الثانيّة من روسيا موجّهة إلى تل أبيب، رغم أنّها تسعى إلى التفاهم مع الجميع بشأن سوريا، وثمة تفاهم بينها وبين الكيان الصهيونيّ الباغي، لكن هذا التفاهم لا يعني أن تساعد موسكو تل أبيب في عدوانها المستمر على سوريا، على العكس من ذلك أدانت تلك الضربات، وخاصة تلك التي تأتي من الأجواء اللبنانيّة، وتؤكّد التزامها بمنع الطائرات الصهيونيّة من اختراق الأجواء السوريّة.
وبناءً على معلومات استخباريّة، تؤكّد موسكو أنّ الضربات الصهيونيّة على قوافل الأسلحة التي تُنقل إلى لبنان لم تحقق أهدافها، ولم تمنع حزب الله من إنجاز ما يريد إنجازه، ومن ناحية أخرى لا تمانع روسيا قيام معادلة ردع تؤديّ إلى منع العدو الصهيونيّ من الاعتداء على الأراضيّ السورية، وفي الأشهر المقبلة، ثمّة ثلاثيّة يسعى الروس إلى تأمين عوامل نجاحها في العاصمة السوريّة دمشق، وهي العملية السياسيّة المرتبطة بالانتخابات الرئاسيّة القريبة، وملف إعادة الإعمار، وعودة النازحين السوريين إلى بلادهم.
وعلى الساحة اللبنانيّة، يُصرّ الروس على عدم التدخّل بالصورة التي تقوم بها دول أخرى كما تقول صحيفة "الأخبار" اللبنانيّة، بحيث لا يتدخلون في تأليف الحكومة، ولا يشاركون في عملية التأليف، ولا يطالبون بحصص، صحيح أنّهم مهتمون بإعادة إعمار مرفأ بيروت، كاهتمامهم بمشاريع الطاقة، سواء تلك التي يشاركون فيها بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر، وخزانات الوقود في البداوي، أم تلك التي يطمحون إلى المشاركة فيها مستقبلاً، كإعادة بناء مصفاة التكرير في طرابلس وتشغيلها.
إلا أنّ الاهتمام الروسيّ بالغاز في البحر، في ظل الحديث عن تقديرات في بعض الأوساط المختصة في موسكو حول كميات هائلة من الغاز على السواحل السوريّ واللبنانيّة، وفي حال صحّت تلك التقديرات، فمن المُحتمل أن تنفّذ موسكو مشروعاً لإقامة أنابيب للغاز في شرق المتوسط، ينافس مشروع "منتدى غاز شرق المتوسط"، الذي تتشارك فيه مصر والكيان الصهيونيّ الغاشم وقبرص واليونان والأردن وفرنسا وإيطاليا، لنقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا، كذلك تسعى روسيا إلى إيجاد تسوية تحفظ ماء وجه السعودية، وفي نظر حزب الله، فإنّ مفتاح الحل وفق الصحيفة هو وقف العدوان ورفع الحصار في آن واحد، وجماعة "أنصار الله" في اليمن حريصة على عدم معاداة أحد، إلا من يبادر إلى قتالهم.ولكن مع وصول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين إلى السلطة عام 2000، ونجاحه في تغيير السياسة الخارجية الروسية وإعادة روسيا إلى الواجهة العالمية، ومع التقارب الإيراني الروسي الهادف لحفظ التوازن في منطقة وسط آسيا ولمنع انهيار منظمومة أمن بحر قزوين، إضافة إلى التقارب بشأن الوضع في الشرق الأوسط وغيرها من العلاقات الاقتصادية والعسكرية. انعكس كل ذلك بإيجابية على "حزب الله" وعلاقته بروسيا.
تفاهم مُبرر
تتحدث وسائل الإعلام الروسيّة الناطقة بالعربيّة أنّ التفاهم بين حزب الله وروسيا لم يأت من العدم، فالمنظمة العسكريّة التي قاتلت الكيان الصهيونيّ كانت تستخدم السلاح الروسيّ، وكذلك روسيا بالرغم من علاقتها الجيدة مع تل أبيب إلى أنها وضعت مصالحها في الواجهة من خلال عملية تسليح الحزب، بالإضافة إلى تجربة بعض الأسلحة الحديثة خلال حرب تموز ضد الكيان المجرم والتي نجحت بإيقاف الدبابات الصهيونيّة من خلال صواريخ "كورنيت" الروسية، كما قام خبراء عسكريون روس بزيارة الجنوب اللبنانيّ والتقوا عدداً من ضباط الحزب بعد حرب عام 2006 الأمر الذي قرب الطرفين أكثر من أي وقت مضى، هذا عدا عن اللقاءات السياسيّة والدبلوماسيّة المستمرة بين الطرفين.
ومع بدء الأزمة في سوريا ومشاركة الحزب في دعم سوريا، وانطلاق العمليات العسكريّة الروسيّة هناك، ازداد التنسيق والتعاون بين حزب الله وموسكو في سوريا ما جعل الكيان الصهيونيّ المعتدي في حيرة من أمره، ولا شك أنّ هذه العلاقة بين الطرفين كانت نتيجة تقاطعات سياسيّة واستراتيجيّة زمنيّة لكنها وضعت واشنطن وكيانها الإسرائيليّ في وضع صعب، وخاصة مع وصفهم "حزب الله" بـ "منظمة إرهابية" على عكس روسيا التي ترى أن الحزب منظمة تحارب "داعش" أكثر من أمريكا وتدافع عن أرضها من الحماقات الصهيونيّة، وفق توصيف الإعلام الروسيّ.
