منذ فترة، كثر الحديث في الإعلام العربي عن حلف مشترك لمواجهة "الخطر الإيراني"، إلا أن تطورات المنطقة كرّت بسبحة الدعوات لحوار مباشر مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذلك بعد فترة وجيزة من ظهور جملة من الخلافات بين أعضاء التحالف العربي على اليمن، الذي غدّت مشاركة جلّ أعضائه صورية لا أكثر.
قطر الطامحة من جديد إلى دور ريادي في العالم العربي، بعد خلافها مع السعودية والعديد من دول مجلس التعاون، أعلنت على لسان أميرها تميم بن حمدآل ثاني في كلمته امام الجمعية العامة للامم المتحدة استعدادها لبلورة حوار بين ايران والدول العربية قائلا "إن الخلافات الراهنة بين إيران الدول الخليجية سياسية وليست مذهبية وأن قطر مستعدة لاستضافة حوار على أراضيها بين إيران والدول الخليجية"، واصفاً الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالجارة الهامة في المنطقة.
يأتي الغزل القطري بطهران بالتزامن مع الهجوم الشرس الذي شنّه الثالوث السعودي؛ السعودية والبحرين والإمارات، على إيران في الإسبوع الفائت ضمن مخطط سعودي لصرف الأنظارعن فاجعة منى التي راح ضحيتها أكثر من 4500 حاج بسبب الإدارة السعودية الفاشلة، إلا أن مواقف الدول الآخرى كالكويت وسلطنة عمان تؤكد وجود شرخ حقيقي في مجلس التعاون. بات العدوان على اليمن، والذي يتربع على سلّم الأولويات السعودية، يقتصر على مشاركة الإمارات في ظل غياب شبه تام لبقية الدول في مجلس التعاون.
بالنسبة للرغبة القطرية الحالية في إستضافة حوار إستراتيجي بعد أكثر من سنة على غيابها عن الساحة العربية إثر المصالحة الصورية مع الرياض وحلفائها، يسعى الأمير تميم لكسب مكانة دولية لقطر الصغيرة عبر تعزيز قدرات الدوحة على دور بين الوساطة القوى الاقليمية.
عند مطالعة الحقبة الماضية، نرى أنه رغم فشل قطر في تحقيق أهدافها في الأزمتين السورية والمصرية، إلا أنها نجحت من خلال وساطتها في كسب دور أكبر من حجمها، على سبيل المثال لعبت الدوحة دور الوساطة بين حركتي فتح وحماس في فلسطين بالاضافة الى إستضافتها لحوار بين كافة الأفرقاء اللبنانيين، واليوم تسعى للدور ذاته بين إيران وجيرانها العرب، وقد إستفادة هذه الإمارة النفطية من ايراداتها الكبيرة من الغاز والنفط لتظهر كلاعب فعال ونشط في المنطقة وتكرّس دور يتجاوز حجمها الديمغرافي والسياسي والعسكري، إلا أن هذا الدور لطالما تعارض مع الطموحات والأهداف السعودية.
لو أعدنا رسم خارطة جديدة لدول مجلس التعاون التي خسرت الدعم المصري يمكننا القول، أن عمان خارج المشهد منذ فترة وتربطها علاقات وثيقة مع طهران، وقد نجحت بالفعل في تكريس سياسة "الإستقلال السياسي" عن الرياض، في حين تحاول الكويت أن تبتعد عن الخلاف الإيراني السعودي عبر إتخاذ مواقف حيادية، وأما بالنسبة لقطر التي تسعى للإمساك بالعصى من الوسط، لن تتوان، في المرحلة اللاحقة، عن الإقتراب من إيران لكسب دور أكبر في إطار طموحها الذي يتعارض وطموحات "الشقيقة الكبرى". في المقابل تقبع البحرين، الحاضرة الغائبة، تحت العبائة السعودية، كذلك تتحالف الإمارات مع الرياض في اليمن، إلا أن هذا التحالف لن يدوم طويلاً، فمن ناحية هناك خلاف جذري بين أبو ظبي وجماعة الإخوان التي إقتربت من الرياض في الآونة الأخيرة، ومن ناحية آخرى، تسعى الإمارات لكسب دور عربي أكبر يخرجها من العبائة السعودية، ولهذا السبب دخل هذا البلد في تحالفات إقليمية ودولية وشارك في ليبيا واليمن، وسعى لإدارة الملف المصري.
بصرف النظر عن قدرة قطر على تطبيق المبادرة في ظل التوتر الموجود بين ايران والسعودية، وكذلك الخلافات الموجودة بين دول مجلس التعاون التي قد تحول دون تحقيق رغبة الأمير تميم، فضلاً عن حساسية الرياض الشديدة إزاء قطر ومبادراتها، يبدو أن هناك رغبة خليجية جديدة، بالإنسحاب من عبائة السعودية في ظل تحكم محمد بن سلمان في قرارت الرياض، وسعيه للإنفراد بقرارت دول مجلس التعاون. و بإختصار یمکن القول أن مشهد الإنقسام الخليجي السابق يتكرّر وأول الغيث القطر.