الوقت- في الأيام الأخيرة، أعلنت السلطات الطاجيكية عن اعتقال عدد کبير من المواطنين بسبب عضويتهم في جماعة الإخوان المسلمين. وفي هذا الصدد، قال المدعي العام الطاجيكي "يوسف رحمن أحمدزاد" إن عدد الأشخاص المعتقلين بسبب انضمامهم إلى جماعة الإخوان المسلمين هو "113" شخصاً.
بالنظر إلى أن جماعة الإخوان المسلمين ليس لها وجود قوي ومنظّم في طاجيكستان، فإن الاتهامات الأخيرة قد وجهت بأهداف متعددة.
الأحزاب الإسلامية في طاجيكستان
كان حزبا "الإحياء الإسلامي" أو .... و"النهضة الإسلامية" بمثابة أهم التيارات الإسلامية النشطة في طاجيكستان. حيث تنافس الحزبان في إطار الدستور لفترة قصيرة بعد الحروب الأهلية، لكنهما استبعدا عموماً من المشهد السياسي لطاجيكستان. وإلى جانب الهوية الإسلامية، لعبت القومية والشيوعية دوراً في مصير طاجيكستان بعد استقلالها.
أثار دعم موسكو لزعيم الحزب الشيوعي السابق "رحمن نبييف" في عام 1991، غضبًا واحتجاجات عامة. ولإرضاء القوميين والإسلاميين، اختارت حكومة نبييف عددًا من وزراءها من بين التيارين، ما أغضب الشيوعيين. وامتدت هذه الصراعات إلى فترة "إمام علي رحمن" أيضاً. ولحل المشكلة، قدَّم رحمن صورةً سلبيةً عن الإسلاميين وأعلن أنهم سبب انعدام الأمن.
مع ذلك، وبواسطة الجمهورية الإسلامية، تم توقيع "اتفاقية طهران" بين "عبد الله نوري" رئيس حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان، و"إمام علي رحمن"، والتي أصبحت أساس اتفاق موسكو المقبل.
توسيع نشاط الأحزاب الإسلامية في فترة ما بعد الحقبة السوفيتية، أدى إلى وصول بعض الشخصيات المعروفة إلی مناصب سياسية رفيعة المستوى. على سبيل المثال، أصبح "أكبر توره جان زاده" من قادة المعارضة الإسلامية والذي كان حاضراً أيضًا خلال الحروب الأهلية، نائباً لرئيس الوزراء بعد اتفاق السلام في عام 2008.
لكن رحمن هذه المرة انتهج سياسةً طويلة الأمد تتمثل في القضاء التدريجي على الأحزاب الإسلامية.
في عام 2006، أعلنت المحكمة العليا في طاجيكستان جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت ضئيلة النشاط في طاجيكستان، منظمةً إرهابيةً ومتطرفةً، وحظرت نشاطها. ووصف المدعي العام لطاجيكستان هدف المنظمة "الإطاحة بحكم الدولة بالقوة وإقامة الدولة الإسلامية". وأصبح هذا القانون أساساً للقضاء على التيارين الإسلاميين الرئيسيين في طاجيكستان، بتهمة اللقاء والتواصل مع قادة وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين.
في سبتمبر 2014، اتُّهم نائب وزير الدفاع "عبد الحليم نظرزاد" و13 عضواً في حزب الإحياء الإسلامي بمحاولة الانقلاب واعتقلوا، وتم حظر أنشطة الحزب في هذا العام.
كذلك، اتهمت المحكمة العليا الطاجيكية "النهضة الإسلامية" في عام 2015 بالأنشطة الإرهابية الإسلامية والمشاركة في الاضطرابات في مدينة "خاروغ" في محافظة "بدخشان"، وقامت بحلها.
بالنسبة إلى دوشنبه، هذا الحزب هو الغطاء الرئيس للإخوان المسلمين. ويتم دعم هذه الدعاية الحكومية من قبل وسائل الإعلام السعودية، وتتهم الحكومات الإقليمية مثل جمهورية إيران الإسلامية وتركيا بتقوية جماعة الإخوان المسلمين في طاجيكستان.
سياسة طاجيكستان المزدوجة
مع سبعة مليارات دولار من الناتج المحلي الإجمالي، طاجيكستان هي أفقر بلد بين الجمهوريات المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفياتي السابق. وقد وفَّر ترابط الفقر والهويات المتعددة الأرضية لاختيار الجماعات السلفية التكفيرية أعضائها من الشباب الطاجيكي.
على الرغم من أن غالبية الطاجيك ينتمون إلى المذهب الحنفي، إلا أن النفوذ السلفي في هذا البلد قد أدخل مشاكل طاجيكستان في مرحلة جديدة، بالإضافة إلى كونه غير متوافق مع الثقافة الحالية.
في نوفمبر الماضي، ذكرت وسائل الإعلام أن 20 من عناصر داعش هاجموا نقطة تفتيش حدودية لطاجيكستان تدعی "عشق أباد". وعلى الرغم من أن الهجوم بدا مشبوهًا ومصطنعاً، إلا أنه لا يزال من الممكن تسلل هذه المجموعات إلی طاجيكستان بسبب قربها من أفغانستان.
لقد اتبعت طاجيكستان سياسةً مزدوجةً تجاه الجماعات الإسلامية في السنوات الأخيرة. ووفقًا للوثائق التي سبق نشرها في ويكيليكس، قام الدبلوماسيون السعوديون بتنشيط الدعاية الدينية الوهابية في طاجيكستان في 2011-2012، لمواجهة تأثير ونفوذ الدول الأخرى.
تستخدم السعودية والإمارات الفقر الموجود في طاجيكستان ورغبة هذا البلد في التحول الاقتصادي كمنصة لنفوذهما الإيديولوجي. وقد استثمر السعوديون 160.2 مليون دولار في الاقتصاد الطاجيكي من 2007 إلی 2017.
كذلك، عُقد في العام الماضي المنتدى الاقتصادي المشترك بين البلدين في ولاية "سغد" في طاجيكستان. من ناحية أخرى، عُقدت الدورة الثالثة للجنة المشتركة للتعاون بين الإمارات وطاجيكستان في أبو ظبي في أواخر ديسمبر. وفي هذا الاجتماع، تأسس الصندوق المشترك للتعاون في مجالات الطاقة الكهرومائية والصناعة والتعدين والنقل والزراعة. کما اتخذت الإمارات أيضاً ترتيبات لتوظيف العمالة من طاجيكستان.
أضرار نهج طاجيكستان
بالنظر إلى قضايا دوشنبه المذكورة أعلاه، تعمل السعودية والإمارات علی تغيير المجموعات السياسية الدينية في طاجيكستان، من خلال الأدوات الاقتصادية. وبالنظر إلى خلفية التنافس السياسي بين إمام علي رحمن والجماعات الدينية التقليدية، فهو يعتقد أن السلفية المستوردة أقل خطورةً من الجماعات السابقة، لأنهم على الأقل لن يسعوا للحصول على مناصب سياسية.
لكن خطوة دوشنبه هذه يمكن أن تحوِّل طاجيكستان إلى مصير مماثل لأفغانستان، لأن التجربة قد أظهرت أن الجماعات السلفية تحاول دائمًا تشكيل الإمارة الإسلامية. من ناحية أخرى، أنشأت روسيا أكبر قاعدة عسكرية أجنبية لها في طاجيكستان، وتتمثل إحدى مهامها في منع الإرهاب من اختراق الحدود الروسية.
هذه الخطوة الطاجيكية سوف تضر بالعلاقات بين موسكو ودوشنبه. هذا في حين أن دولاً مثل إيران وموسكو قد لعبت دوراً رئيسياً في إنهاء الحرب الأهلية الطاجيكية.
من بين من اعتقلتهم طاجيكستان مؤخراً، أساتذة الجامعات ورجال الدين وأقارب شخصيات دينية بارزة مثل "توره جان زاده"، الذين يتهمهم مسؤولو الأمن الطاجيك بالتعاون مع الإخوان المسلمين.
وفي عام 2016 أيضاً، قُبض على خمسة من أئمة المساجد وخطباء مدينة "كاني بادام" بتهمة التعاون مع جماعة الإخوان المسلمين، وحُكم عليهم بالسجن ست سنوات.
كما أن الاعتقالات الأخيرة وصلة المعتقلين بجماعة الإخوان المسلمين، تتسبب في أضرار جسيمة لعلاقات طاجيكستان مع أنقرة أيضاً. حيث ازدادت العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين في السنوات الأخيرة، والتي طغی عليها التأثير السلبي لنفوذ السعودية والإمارات في طاجيكستان.
التحول غير المتكافئ لطاجيكستان نحو السعودية والإمارات سيؤدي إلى فوائد اقتصادية عابرة والإضرار بمصالح دوشنبه الاستراتيجية. السعودية والإمارات تسعيان إلى تغيير نسيج الجماعات الدينية الطاجيكية النشطة في منافسة مع تركيا وإيران.
لذلك، بالنظر إلى خلفية الصراع الداخلي والاعتقالات وعمليات القمع الأخيرة من جهة وانعدام الأمن بالقرب من حدود هذا البلد من جهة أخری، فإن النفوذ السلفي السعودي يمكن أن يكون بمثابة جسر أمام دخول المجموعات التكفيرية في شمال أفغانستان إلى طاجيكستان.
