الوقت- قام الجيش التركي في أواخر الشهر الماضي بنشر الكثير من قواته العسكرية بالقرب من المنطقة الحدودية الشمالية السورية (المناطق الحدودية مع المحافظات الشمالية في حلب والرقة والحسكة) وذلك للقيام بعمليات عسكرية ضد ما يسمى بالقوات الديمقراطية السورية (الميليشيات الكردية) وذلك من أجل العبور داخل الحدود الشمالية السورية القريبة من منفذ سيمالكا (عين الجدار) الواقع في الشمال الشرقي من محافظة الحسكة والوصول إلى معبر عين العرب (كوباني) في شمال شرق محافظة حلب والتوغل بعمق 30 كيلومتر داخل مناطق القوات الديمقراطية السورية الكردية.
وعلى الرغم من أن القوات العسكرية التركية كانت تنتظر أمراً من الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، لشن عملية عسكرية على تلك المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية في شمال سوريا، إلا أن الخلاف مع الأمريكيين أدى إلى تأجيل تلك الهجمات العسكرية. وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن الأمريكيون لا يريدون التخلي بشكلِ كلي عن تلك الميليشيات الكردية الحليفة لهم ولهذا فلقد عارضت واشنطن بعض تفاصيل خطة الحكومة التركية لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا. ولقد أرسل البيت الأبيض، الذي يحاول أيضًا إرضاء الحكومة التركية، وفداً عسكريًا إلى أنقرة لمواصلة التفاوض بشأن التنسيق والاتفاق النهائي لإنشاء ما يُسمى بمنطقة آمنة في شمال سوريا.
وحول هذا السياق، كشفت وزارة الدفاع التركية، في وقت سابق عن وصول وفد أمريكي إلى ولاية "شانلي أورفا" جنوبي تركيا، من أجل التحضيرات الأولية في إطار أنشطة مركز العمليات المشتركة المتعلق بالمنطقة الآمنة في سوريا. وأكدت الوزارة التركية على بدء العمل من أجل إنشاء مركز عمليات مشتركة بشأن المنطقة الآمنة المخطط إقامتها بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية شمالي سوريا ولكن حتى اللحظة لم تتضح بعد معالم الاتفاق وكذلك المنطقة الآمنة، كما لم يتفق الطرفان بعد على روزنامة معينة لإقامتها، ولا على عمقها داخل الأراضي السورية، ولا على القوات التي ستنتشر فيها. بيد أن الاتفاق عليها رغم ذلك جنب منطقة شرق الفرات هجوماً توعدت أنقرة مراراً بالقيام به. وتطالب تركيا بمنطقة تكون بعمق ثلاثين كيلومترا ابتداء من حدودها، وهو مطلب كرره وزير الدفاع التركي، ويشار إلى أنه لم يتضح بعد تاريخ إنشاء هذه المنطقة. يذكر أن القوات التركية كانت قد شنت هجوماً برياً عام 2016 أتاح لها السيطرة على أراض في شمال شرق سوريا، ثم عادت عام 2018 وشنت هجوماً ثانياً ضد المسلحين الأكراد سيطرت بموجبه على منطقة عفرين.
ووفقًا للمعلومات التي تم الحصول عليها، فإن الحكومة التركية تصر على أنها بعد السيطرة الكاملة على الحدود الشمالية السورية، ينبغي أن تدخل إلى عمق 30 كيلومتر داخل الاراضي والمناطق التي تسيطر عليها الجماعات الكردية، لكن الأمريكيين يعارضون ذلك. وحول هذا السياق، قال ممثلو الإدارة الأمريكية، الذين يحاولون إبرام اتفاق بين الميليشيات الكردية والحكومة التركية في شمال سوريا، إن المنطقة الآمنة قد لا تغطي جميع الحدود الشمالية السورية وعمق النفوذ سوف يكون بين 5 إلى 12 كيلومتر فقط.
يذكر أن المناطق التي استهدفتها الحكومة التركية لإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا تشمل مناطق "المالكية، والرميلان، والدرباسية، وتال بيدر، ورأس العين، والسلوك والتل الأبيض، والجبلية، والكوباني و ..." ولكن واشنطن تعارض ذلك الامر.
النطاق المقترح من تركيا لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا باللون الوردي
وتجدر الاشارة هنا إلى أن مقترح الولايات المتحدة بشأن إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا يشمل مناطق "المالكية، ورأس العين، وعلى بدران، وعامودا، والعزيزية، والقامشلي"، ومدن "الكوباني، والتل الابيض، والدرباسية، والقامشلي" التي لا تزال تحت سيطرة الجماعات الكردية.
وعلى الرغم من أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حول تشكيل منطقة آمنة حتى الآن، إلا أن الاخبار تشير إلى أن الطائرات العسكرية التركية بدون طيار قد طارت بالتنسيق مع الأمريكيين على الحدود الشمالية السورية، لرصد ومراقبة تحركات الميليشيات الكردية.
من جهته يقول الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بأن إنشاء منطقة آمنة، تمتد من شمال شرق محافظة الحسكة إلى الشمال الشرقي من محافظة حلب، ضروري للغاية من أجل مواجهة خطر المسلحين الأكراد على المناطق الجنوبية لتركيا، لكن هدفه الرئيسي والأخير هو السيطرة على جميع الحدود المشتركة مع سوريا حتى يتمكن في المستقبل القريب من الحفاظ على مكانة قوية تساعده خلال المفاوضات السياسية القادمة من الحصول على تنازلات. يذكر أن وزير الدفاع التركي قال للوفد الامريكي الذي زار تركيا مؤخراً، بأن تركيا مضطرة لاتخاذ التدابير ضد الهجمات المكثفة من الحدود السورية، وأن أولويتها تتمثل في حماية مواطنيها وحدودها. وشدد على أن تركيا لن تسمح بوجود المنظمات الإرهابية التي تبحث عن مأوى آمن بالقرب من حدودها.
النطاق الذي اقترحته الولايات المتحدة لإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا باللون الوردي
بشكل عام، تظهر التطورات السياسية والميدانية أن الأمريكيين تجاهلوا إلى حد كبير جهود الحكومة التركية لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، وأن هدفهم المتمثل في إرسال وفد عسكري إلى أنقرة هو من أجل إنشاء تحالف مؤقت لتكرار تجربة "منبج".
ووفقا للعديد من المصادر الاخبارية، فإن الحكومة التركية تدرك جيدًا أيضًا أن الأمريكيين يبحثون عن تأخير عملياتها العسكرية في شمال سوريا، الأمر الذي دفع وزير الخارجية التركي إلى الرد بسرعة وبنبرة غاضبة، ولكن ينبغي علينا الانتظار لبضعة أسابيع لمعرفة ما إذا كان بإمكان أنقرة تنفيذ تهديداتها أم لا.
