الوقت - بعد إعلان حكومة "ناريندرا مودي" اليمينية عن القرار المثير للجدل بإلغاء الحكم الذاتي لولاية جامو وكشمير، ثم إزالة البند الخاص من الدستور بمنح كشمير الحكم الذاتي في البرلمان الهندي، تصاعدت التوترات في شبه القارة الهندية مرةً أخرى. وبعد موافقة الحكومة الهندية والمجلس على ذلك، رفع الجيش الهندي حالة التأهب في صفوفه، وأرسل مزيداً من المعدات العسكرية إلى كشمير مع أكثر من 8000 جندي.
لكن هذه الخطوة قوبلت بردّ فعل من قبل الشعب والحكومة الباكستانيين، والاحتجاجات الشعبية في كشمير تستمر والحكومة الباكستانية مسيطرة على الوضع.
كما أعلنت حكومة إسلام آباد أنها ستعتبر منطقتي جامو وكشمير محتلتين من قبل الهند، ووصف وزير الخارجية الباكستاني هذه الخطوة بأنها تطهير عرقي ومقدمة لضمّ كشمير إلى الهند، محذّراً من أن هذا الأمر يمكن أن يهدد باندلاع حرب جديدة بين البلدين. استكشافاً للجوانب المختلفة للقضية، ناقش "الوقت" الخبير في قضايا شبه القارة الهندية "عباس فياض".
الوقت: ما هي أهداف الهند من إلغاء الحكم الذاتي لكشمير؟
عباس فياض: هذه القضية لها أبعاد مختلفة، في البعد الداخلي، كان حزب "بهاراتيا جاناتا" قد سعى منذ فترة طويلة للقيام بهذه الخطوة، ويعتبرها نجاحاً ملحوظاً لنفسه لاستمالة الهندوس.
وكانت وسائل الإعلام قد أفادت بأن الحزب القومي لبهاراتيا جاناتا، والذي استعاد السلطة مرةً أخرى، سعى منذ فترة طويلة إلى إنهاء الوضع الخاص في كشمير، وقد وجد الآن أن الوضع الحالي مناسب لذلك.
في البعد الخارجي أيضاً، يمكن للنظر في الظروف الزمنية التي اتخذت فيها الهند هذا الإجراء، أن يساعد في فهم أهدافها بشكل أفضل.
محادثات السلام بين أمريكا وحركة طالبان جارية بمساعدة وتعاون باكستان، وعلى الرغم من وجود بعض المشكلات، يصرّ الجانبان على إحراز تقدم جدي في هذه المحادثات، ولكنها لا تبعث برسالة إيجابية للهند.
من وجهة نظر الهند، فإن السلام الذي تكون باكستان طرفاً فيه ليس إنجازاً جيداً لمستقبل الهند في أفغانستان والمنطقة.
ويرى الهنود أن أمريكا ومن أجل تلبية حاجتها للوصول إلى السلام مع طالبان وبالتالي سحب قواتها من أفغانستان وخفض التكاليف الباهظة لوجودها العسكري في هذا البلد، تتاجر عملياً بأفغانستان مع باكستان، وقد تراجعت عن سياستها في السنوات القليلة الماضية التي جعلت الهند أول شريك إقليمي لها.
هذا الوضع لا يطاق بالنسبة للهند، وبالتالي عن طريق الضغط على باكستان من خلال تصرفاتها في كشمير، فإنها تعتزم أن توضّح لباكستان وأمريكا أن الهند لن تتسامح مع أي تغيير في الوضع السياسي لمصلحة باكستان.
من ناحية أخرى، من الممكن أيضاً أنه في وقت تنصبّ فيه كل الاهتمامات على الأزمة الأفغانية؛ تغتنم الهند الفرصة لإنهاء مهمتها التي لم تكملها خلال 70 عاماً الماضية في كشمير، وتقدم رسمياً على ضم هذه المنطقة المتنازع عليها والتي قالت الأمم المتحدة إن مصيرها يجب أن يحدده شعبها.
في هذه الحالة، سيتعيّن على باكستان إبداء ردّة فعل والانخراط في هذه الأزمة، الأمر الذي يمكن أن يبطّئ أو يوقف عملية السلام الأفغانية غير المواتية للهند بطريقتها الحالية، أو يفتح الطريق أمام الهند للتأثير على العملية.
هناك بالطبع وجهة نظر أخرى أيضاً، وهي أن أمريكا قد أعطت الهند ضوءاً أخضر لضم كشمير، مقابل صمتها حيال المحادثات مع طالبان وعدم تقويض عملية السلام الأمريكية، وأن هذا الأمر يمكن النظر فيه إذا وُجد المزيد مما يؤكده.
الوقت: ما التغيير الذي سيحدثه هذا الوضع في كشمير؟ وماذا سيفقد شعب كشمير من امتيازات؟
عباس فياض: لقد منحت المادة 370 من الدستور امتيازات خاصة لكشمير، إذ بموجبها كانت المنطقة تتمتع بسلطة تشريعية واستقلالية نسبية (باستثناء شؤون الدفاع والعلاقات الخارجية والسيطرة على أنظمة الاتصالات).
أيضاً ووفقاً للقوانين الحالية، لا يمكن لأي شخص آخر شراء الأراضي والممتلكات في هذه المنطقة باستثناء سكان كشمير. والآن مع إلغاء هذه الامتيازات، هناك خطر حدوث تغييرات سكانية واسعة النطاق يمكن على المدى الطويل أن تحوّل سكان كشمير الرئيسيين إلى مجموعة أقلية، ما يجعل مطالبتهم بالاستقلال غير مسموعة، الآن 82٪ من الكشميريين مسلمون والوضع الجديد يمكن أن يغيّر هذه الأرقام.
الوقت: ما هي أسباب مخاوف باكستان؟ وما الحلول التي ستعتمدها إسلام آباد؟
عباس فياض: باكستان التي تسيطر على جزء من كشمير وتصفه بأنه (كشمير الحرة تحت سيطرة باكستان)، تدعم دائماً سياسة تحديد مصير شعب كشمير بأنفسهم، والسبب واضح أيضاً، إذا أراد الكشميريون وهم مسلمون في الغالب الاختيار بين الهند وباكستان، فإنهم بالتأكيد سيفضلون باكستان.
بالطبع، قد يكون لدى الكشميريين خيار ثالث أيضاً، ألا وهو الاستقلال عن كل من الهند وباكستان، والذي كان خياراً في بداية الأزمة خلال العقود السابقة، لكن باكستان خلال هذه العقود السبعة، وخاصةً منذ الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، قد عزّزت بطريقة ما هذه الرغبة في الانضمام إلى إسلام أباد، عن طريق نقل الثقافة الجهادية إلى كشمير وإرسال الجهاديين من البنجاب أو البشتون الباكستانيين والأفغان إلى هذه المنطقة.
ولطالما سعت باكستان لتوسيع قضية كشمير وجرّ أطراف أخرى إليها مثل المنظمات الدولية والقوى الإسلامية الدولية، لكن الهند ترفض أي وساطة.
خطوة الهند الأخيرة من وجهة نظر باكستان هي تغيير لوجه المشكلة، بحيث تريد الهند أن تقول للعالم إنه لا توجد مشكلة في الهند اسمها كشمير، وبهذا سيتغيّر وجه المشكلة من تحديد مصير كل كشمير إلى ضم كشمير الخاضعة لسيطرة باكستان إلى الهند. وإذا نجحت الهند في اتخاذ الخطوة الأولى، فستتشجع على اتخاذ الخطوة التالية أيضاً، وهذا سيجعل باكستان تعلن رسمياً أنها ستستخدم كل الخيارات لمواجهة هذه السياسة الهندية.
وربما يكون أحد هذه الخيارات هو خطف محادثات السلام الأفغانية، حتى تضطر أمريكا إلى الامتثال لمطلب باكستان بزيادة الضغط على الهند وتغيير سلوكها.
الوقت: كيف تقيّمون تأثير إلغاء الحكم الذاتي على الأمن الإقليمي والعلاقات المستقبلية بين دلهي وإسلام أباد؟
عباس فياض: بالتأكيد سيزيد هذا الأمر من التوترات الإقليمية ويضع العلاقات بين دلهي وإسلام أباد على طريق التوتر المتزايد وحتى التأزم، وسيؤثر أيضاً على سياسة وعلاقات الدول الإقليمية وغير الإقليمية مع الهند وباكستان، كما ستتصاعد المنافسة الهندية الباكستانية لكسب دعم الدول الأخرى أيضاً.
والأهم من كل ذلك أنه في ظل هذه الأزمة، قد يبقى الشعب الكشميري محروماً من حقه في تقرير المصير، أو يمكن أن يصبح ضحيةً لعقد صفقات أكبر، وهذا الاحتمال يضع على عاتق الدول الإسلامية مسؤولية حل هذه المشكلة بطريقة تعود بالفائدة على المستفيد الرئيس أي الشعب الكشميري، وذلك من خلال دبلوماسية مدروسة.