الوقت- أعلنت سلطنة عُمان يوم الأحد الماضي عن إعادة فتح سفارتها في العاصمة العراقية بغداد بعد إغلاق دام نحو 29 عاماً، وأفادت وكالة الأنباء العمانية، أن السلطنة قررت إعادة فتح سفارتها في بغداد لاستئناف عملها الدبلوماسي، وأشارت إلى أن القرار يأتي انطلاقاً من الروابط الأخوية، والعلاقات التاريخية التي تربط البلدين الشقيقين، وفي سياق متصل ذكرت الخارجية العرقية في بيان نشر على صفحتها في فيسبوك أن وزير الخارجية "محمد علي الحكيم" تسلم رسالة من نظيره العماني "يوسف بن علوي" أعرب فيها عزم سلطنة عمان إعادة افتتاح سفارتها، واستئناف عمل بعثتها الدبلوماسية لدى بغداد، وتابع البيان أن العراق يرى في هذه الخطوة أنها تُعّبر عن حرص الأشقاء في عُمان على تعميق العلاقات الأخوية بين البلدين، والرغبة الجادة في تبادل التمثيل الدبلوماسي بما يحقق المصالح المشتركة، ويقوي أطر التواصل، والتعاون الثنائي. وهنا يتبادر السؤال إلى أذهاننا حول كيف سيكون النهج العماني الجديد تجاه العراق، ولماذا قررت السلطنة القيام بهذا التغيير في هذا الوقت؟
تاريخ العلاقات العمانية العراقية
تميّزت العلاقات العراقية العمانية بالقوة والاستمرارية وعلى مدى قرون تمتع البلدان بعلاقات اجتماعية واقتصادية وفكرية واسعة ولقد شكّلت منطقة الخليج الفارسي الجسر الحضاري بين مختلف دول الإقليم والعالم وفي أوج ازدهار الحضارة الإسلامية كانت العلاقات بين بغداد وعمان علاقات خاصة لم تنفصم في يوم من الأيام، ولم يعكّر صفوها أي مشكلات، ولقد كشفت دراسات عن أن قِدم العلاقات بين العراق وعُمان ترجع إلى حقب تاريخية قديمة، مثلما كشف ذلك الجغرافي الأقدم سترابون بين عامي 58ـ 23 قبل الميلاد، وهذا له صلة باستمرار الاشعاع الحضاري للبلدين، حتى ظهر دور البصرة التاريخي.
إن العلاقة مع عُمان لم تكن عبر الأشخاص الذين اختاروا البصرة مقاماً فقط، وكان منهم الساسة والأدباء واللغويون، إنما كانت أيضاً على المستوى الفكري أيضاً، فمذهب الإباضية، وهو كان وما يزال مذهب العديد من العُمانيين كان له دور إيجابي في بناء علاقات طيبة بين البلدين.
واليوم تعود العلاقات الأخوية الودية بين البلدين الشقيقين التي تتعدى العلاقات الدبلوماسية الرسمية إلى عمق العلاقات الحضارية والفكرية بين الشعبين الشقيقين اللذين تجمعهما صفات مشتركة من القوة والمتعة والاعتزاز بالنفس والكبرياء إضافة إلى العلاقات الفكرية التي شهدت الكثير من الإبداع في حركة أدبية وفكرية واسعة كانت البصرة في العراق أهم معاقلها المتميّزة.
نهج عمان بعد تغيير الحكومة في العراق
بعد الإطاحة بنظام "السابق" عام 2003، أعلنت السلطات العمانية عن دعمها للحكومة الجديدة في العراق. وعلى الرغم من قيامها باتباع نهج دول مجلس التعاون الخليجي، وقطع علاقاتها مع العراق قبل عدة عقود، إلا أنها بعد عام 2003 عقب تغيير الحكومة في العراق، عارضت بشدة قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية العراق وهنا يمكن القول بأن هناك سببان وراء عدم وجود سفارة عمانية في العراق منذ عام 2003:
1- غياب حالة الأمن والاستقرار في العراق خلال السنوات الماضية، وفي هذا الصدد كانت عمان قلقة إلى حدّ ما في اتباع سياسة مستقرة مع العراق بسبب تنقّل السلطة بين الأحزاب والقوى السياسية في العراق، وبالتالي فلقد قدّمت السلطنة الكثير من الدعم لعملية المجلس الانتقالي في العراق، وفي هذا السياق لم تقم السلطنة بدعم فصيل واحد أو حزب معين في العراق وإنما أكدت خلال الفترة السابقة على تشكيل عراق موحّد تحكمه الديمقراطية.
2. السبب الثاني يتمثل في اتباع السياسات السعودية، على الرغم من أن عُمان تتبع سياسة معتدلة، إلا أنها في بعض الأحيان كانت تنحاز إلى جانب السعودية من أجل خلق حالة من التوازن في المنطقة، وبالنظر إلى أن الأوضاع في العراق تأزّمت بشكل مخيف منذ عام 2003، لم تكن هناك فرصة أمام مسقط لبناء علاقات طيبة مع بغداد، ومع وعد بإعادة فتح السفارة السعودية في العراق في عام 2015، قامت عمان بإنهاء حالة التبيعة للسعودية ولهذا بعد أن اطمأنت السلطنة بأنه لا يوجد عليها ضغوط لإعادة علاقاتها مع العراق، أعلنت خلال الأيام القليلة الماضية عن نيتها إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع بغداد.
مستقبل العلاقات العمانية العراقية
عُمان هي سابع دولة منتجة للنفط في الشرق الأوسط وتعتبر أكثر دولة تحتاج إلى الاستقرار في منطقة الخليج الفارسي، لذلك فإن إقامة علاقة إيجابية مع جميع دول المنطقة أمر استراتيجي بالنسبة لهذه السلطنة.
وحول هذا السياق، أفادت العديد من المصادر الإخبارية بأن عمان عززت من علاقاتها السياسية مع العراق قبل الإعلان عن نيتها إعادة فتح سفارتها في بغداد، وخلال فترة حكومة "نوري المالكي"، استضافت السلطنة العديد من المسؤولين والبرلمانيين العراقيين.
لقد بدأت العلاقات التجارية بين البلدين في التوسع من عام 2012، عندما بلغت الصادرات العمانية إلى العراق في عام 2017، 160 مليون دولار، بما في ذلك الكهرباء والمواد الغذائية والمنتجات الصيدلانية.
ونظراً لامتلاكها مذهباً دينياً منفصلاً عن البلدان الأخرى، فإن عُمان لا تسعى للمشاركة في النزاعات الأيديولوجية التي تشهدها المنطقة، ولهذا فإنها لن تأخذ في الاعتبار الميول الإيديولوجية للسعودية في علاقاتها المستقبلية مع العراق.
والأولوية العمانية الأولى في هذا الصدد هي إرساء الأمن الإقليمي في المنطقة. لذلك، فإن الوضع الحالي في العراق والمنطقة مناسب للجانب العماني للعب دور إيجابي في تخفيف حدّة التوترات التي تشهدها المنطقة، ومن المتوقع أن تعزز عمان علاقاتها الدبلوماسية والتجارية والثقافية مع العراق في المستقبل القريب.