الوقت - حاولت المعارضة السورية المسلحة مرارا وتكرارا التوحد خلف قيادة موحدة وزعيم واحد تكون له كلمة الفصل في القرارات والمقترحات وآلية العمل ومستقبل هذه الفصائل المسلحة، ولكن منذ بداية الأزمة السورية وحتى اللحظة لم تستطع هذه المعارضة المسلحة التوحد تحت قبة وقيادة موحدة.
هذا الأمر أرهق المقاتلين في صفوف المعارضة وساهم في تشتتهم، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تعدى ذلك لدرجة أن بعض الفصائل قامت بتصفية بعضها البعض ودخلت في دوامة صراعات داخلية أدت بشكل أو بآخر إلى إضعاف المعارضة المسلحة أكثر وأكثر وإبعادها عن الحاضنة الشعبية التي أصبحت ترفض وجودها بينها كونها لم تجلب لهم سوى الدمار والخراب والقتل دون وجود أي هدف حقيقي أو تحقيق مكاسب فعلية على الأرض ونحن في منتصف السنة السابعة لبداية الحرب على سوريا.
توحيد المعارضة
في كل مرة تقترب فيها الجماعات المسلحة من الإنهيار تبدأ الدول الداعمة لها بملئ شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي بأخبار تتحدث عن عقد اجتماعات لتوحيد هذه الجماعات برعاية الأنظمة الداعمة لها ولكن منذ سبع سنوات وحتى الآن لم تتمكن هذه الدول من تحقيق أي تقدم في هذا المجال بل على العكس تماما زاد تشتت المعارضة وانحسر عملها وأكثر من ذلك حيث غادرت بعض الجماعات الأراضي السورية بطلب من داعميها كما فعل كل من "جيش أسود الشرقية" و"قوات أحمد العبدو"، المنتميان إلى "الجيش السوري الحر"، حيث طالبتهم غرفة العمليات الدولية في الأردن، المعروفة باسم "الموك" الإنسحاب من جبهات القتال في البادية السورية والتوقف عن قتال الجيش السوري في خطوة تأتي في سياق الترتيبات التي تشهدها الساحة السورية، منذ اللقاء الذي جمع بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، والذي قاد إلى الإعلان عن إتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري.
وفي جديد توحيد فصائل المعارضة المسلحة دعا المجلس الإسلامي يوم 30 الشهر الماضي فصائل المعارضة لـ"إنهاء حالة التشرذم". وبإشارة مباشرة أعلن المجلس تأييده إدارة الحكومة المؤقتة للعمل العسكري بقوله: "ليس في الساحة أنسب من وزارة دفاع تشكلها الحكومة المؤقتة وترعاها"، داعيا كافة الفصائل للاستجابة للدعوة، وهذه ليست الدعوة الأولى لتوحيد الفصائل المعارضة حيث سبق هذا الامر محاولات من قبل السعودية وتركيا وغيرهما من الدول لكنها باءت بالفشل جميعها.
ومن خلال قراءة بسيطة للاحداث نجد ان الدول الراعية للجماعات المسلحة وصلت الى قناعة مفادها "ان الجيش السوري لا يمكن هزيمته بهذه الطريقة" وبالتالي لابد من استغلال هذه الفصائل المسلحة بطرق أخرى بعيدا عن الحل العسكري، ومن هنا نستشف أنها لن تتوقّف عن دعمها والاستفادة منها سياسيّاً حتى بعد انتهاء الأزمة السوريّة، وخير دليل على ذلك أن تركيا الداعم الاساسي للكثير من الفصائل المسلحة ستنفذ الشهر الحالي بالتعاون مع كل من روسيا وإيران عملية عسكرية واسعة ضد المسلحين المتشددين في محافظة إدلب شمال سوريا، بحسب تقرير لمؤسسة الثقافة الاستراتيجية.
هذا المشروع الجديد يتماثل مع منظمة منافقي خلق الإيرانية التي دعمتها أمريكا على الأراضي العراقيّة وحاولت الاستفادة منها سياسياً وعسكرياً، إلا أن تورّط هذه المنظمة بدماء أكثر من 16000 مواطن إيراني حال دون ذلك، وهذا ما قد يحصل في سوريا.
عوائق تشكيل وزارة دفاع مشتركة
أولاً: وجود محاولات عدّة سابقة باءت بالفشل كما حدث في مؤتمر الرياض 1 و2 وغيرها من المحاولات الفاشلة لاسباب تتعلق بتعارض مصالح الدول الراعية كـ "تركيا وقطر" من ناحية والسعودية وأمريكا من ناحية اخرى.
ثانياً: تعارض وتناحر الجماعات المسلّحة على السلطة وهذا ما حصل في أغلب الجبهات السورية من ادلب وريفها مرورا بالجنوب السوري وصولا الى الرقة ودير الزور.
ثالثاً: عدم الفاعلية العسكريّة لأغلب الجماعات المسلّحة غير الإرهابيّة، وفق القاموس الأمريكي والدولي أي عدا داعش والنصرة وحلفائهما.
رابعاً: رغم أن تركيا لن تتخلّى عن فصائلها المسلّحة بسهولة، إلا أنّها أدركت ضرورة إبقاء سوريا موحّدة في ظل الخطر الكردي المتنامي، وسعيهم، بدعم أمريكي، لتقسيم البلاد.
خامساً: قد تسعى الولايات المتحدة لدمج هؤلاء في الجيش السوري في أي حلّ سياسي مقبل بغية تغيير عقيدة الجيش السوري الذي بات يشكّل خطراً كبيراً على الكيان الإسرائيلي بعد الخبرات النوعيّة التي اكتسبها، والالتحام مع المقاومين في جبهات القتال.
ختاما يمكننا أن نقول بأن هذه الخطوة ظاهرها عسكري، إلا أن باطنها سياسي بامتياز، فالمرحلة المقبلة مرحلة الصراع السياسي بعد فشل الرهان العسكري، خاصة بعد أن تمكن الجيش السوري من فرض كلمته وتحرير مساحات واسعة على كامل الاراضي السورية واحكام قبضته عليها وتمثل آخر انتصاراته بفك الحصار عن مدينة دير الزور والمفروض منذ 3 سنوات، هذه التطورات وغيرها تجهض اي محاولة لتوحيد الجماعات المسلحة تحت قبة جيش موحد او قيادة موحدة.