الوقت- في الـ 7 من أكتوبر 2023، شنّت حركة حماس هجوماً غير متوقع من قطاع غزة تجاه داخل الأراضي التي تحتلها "إسرائيل"، وأسفر عن خلخلة أمنية بالغة في مناطق مستوطنة قرب الحدود، وقد كشفت تحقيقات لاحقة في جيش الاحتلال عن سلسلة من الثغرات الأمنية والاستخباراتية التي مهدت لهذا الاختراق، أحد المصادر التلفزيونية العبرية أفاد بأن نحو أسبوعين قبل تلك العملية، وصلت قوات من غزة إلى الجدار الحدودي، وقامت بتفجير نحو 30 قفلاً في مداخل الحاجز الحدودي، ما يؤكد أن الاختراق لم يكن وليد اللحظة، بل سبقته إشارات وتحضيرات معلَومة.
أوضحت حماس أن العملية، التي أطلقت عليها اسم «طوفان الأقصى»، جاءت انتقاماً لاعتداءات قوات الاحتلال والمستوطنين على الفلسطينيين وخصوصاً على الممتلكات والمقدّسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى، ووفقاً للمصادر، أسرت المقاومة الفلسطينية في أطار تلك العملية ما يقارب 239 مستوطناً إسرائيلياً.
ومن جهة الاحتلال، اعترف بعض المسؤولين بأنهم أخفقوا في التصدي لذلك الهجوم، واستقالت شخصيات مثل أهارون هليفا (رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية) ويورام حامو (مسؤول سياسة الأمن والتخطيط الاستراتيجي في مجلس الأمن الداخلي) بسبب هذا الفشل.
لكنّ الكشف الخاص بالأبحاث والتحقيقات في جيش الاحتلال أظهر أن الفشل لم يكن لصيغة واحدة بل كان نتيجة سلسلة من العوامل المتراكمة: تقدير خاطئ للتهديد، تجاهل إشارات تحذيرية واضحة، الاعتماد المُفرط على الحواجز الدفاعية، والانفصال بين القيادة العليا والميدان، فوفق تقرير منشور، «فشلت إسرائيل في تنفيذ مهامها لحماية نفسها»، وأُشير إلى أن الهجوم وقع في ثلاث موجات، تجاوز العدد الكلي للمختفين والمهاجمين 5 000 شخص من غزة.
إن الفشل الأمني والاستخباراتي لدى الاحتلال بلغ ذروته عندما تبين أن الأجهزة الأمنية كانت تحت سيطرة افتراضات خاطئة، بأن حماس لا تسعى إلى تصعيد واسع النطاق بل تكتفي بشنّ هجمات محدودة، وهو افتراض تبيّن بعد الهجوم أنه كان بعيداً من الواقع، كما أن جهاز الأمن الداخلي «الشاباك» أشار في تقريره إلى أن ضعف الشبكة الاستخبارية داخل غزة، والاعتماد على بيانات استخبارات فنية بدلاً من توظيف كثيف للمصادر البشرية، ساهما في عدم ترجمة المعلومات إلى تحذيرات عملية.
كما أن السياسات المتبعة من الحكومة الإسرائيلية تجاه غزة، والتي اعتُبرت من قبل الشاباك بأنها سياسة «هدوء» – أي الإحجام عن التصعيد – مكنت حماس من تعزيز قدراتها العسكرية دون اعتراض فعّال، ومن بين تلك السياسات السماح بمرور أموال من قطر إلى غزة، ما عزّز البنية التحتية العسكرية للحركة دون أن يُواجه هذا بجدّية.
على صعيد الميدان، وجدت التحقيقات أن مستوطنة بئيري (في مجاورت قطاع غزة) شكلت محور هجوم مكثف، إذ أُعلن أن الجيش لم يكن جاهزاً لحمايتها، وأن الانفجارات والتوغلات جرت في ساعات مبكرة من صباح الهجوم، بينما قوات الاحتلال كانت في حالة ارتباك، وحتى بعد بضع ساعات، لم تُستعدّ القوات بصورة تُمكّنها من استعادة السيطرة بسرعة، ما أعطى لمهاجمي حماس زمناً حاسماً لتوسيع عملية الاختراق.
وعلى المستوى السياسي، تُحمّل أصابع الاتهام زعيم الحكومة بنيامين نتنياهو إلى حدّ كبير، ليس فقط بسبب فشل استباقي، بل أيضاً بسبب ما يُعدّ تأخيراً في اتخاذ القرار لمعالجة تداعيات الهجوم، واستخدام الحرب المستمرّة في غزة لخدمة بقائه السياسي على حساب إنجازات أمنية أو صفقة تبادل أسرى.
من جهة أخرى، في تحليل أعمّ، فإن ما جرى يُعدّ ليس مجرد فشل تكتيكي أو اقتحاماً مفاجئاًً، إنما يشير إلى أزمة ثقة واستراتيجية في المنظومة الأمنية والسياسية للاحتلال، إن الأمن الفعلي لا يُبنى فقط على أسوار وحواجز ذكية، بل يتطلّب تقديراً دقيقاً للتهديدات، والاستعداد العملي السريع، وتناسقاً بين الاستخبارات والقيادة والميدان، في هذا الجانب، يبدو أن الاحتلال أخفق في تنفيذ هذا المعيار، فكانت النتيجة كارثية.
إن مهمة اليوم ليست في إلقاء اللوم فقط، بل في ما سيتعلّمه الاحتلال من هذا الحدث، فإما أن تتحول هذه الاعترافات إلى إصلاحات أمنية حقيقية، أو أن يستمر الوضع كما هو، مع إمكانية تكرار الاختراقات أو ظهور هجمات مماثلة، وفي النهاية، فإن تحويل الفشل إلى فرصة للتغيير يتطلّب شيئين: أولاً، مراجعة شاملة لسياسات التعامل مع قطاع غزة وأولويات الأمن، وثانياً، مساءلة واضحة للقيادة السياسية والعسكرية التي سمحت بأن تتراكم الأخطاء حتى وصلت إلى هذا الانهيار.
باختصار، ما كشفته التحقيقات يعكس هشاشة منظومة احتلال تتباهى بتقدّمها التقني، لكنها لم تستعدّ للمفاجأة الكبرى التي أعدّتها حماس بصبر والتخطيط. والدرس الأبرز: ليس في التقنية وحدها ما يصنع الأمن، بل في العقلية التي تحكم منظومة الأمن من أعلى إلى أسفل.
