الوقت- منذ اندلاع الصراع المسلح في السودان في نيسان/أبريل 2023 بين القوات النظامية وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، دخلت البلاد دوامة عنف غير مسبوقة، وبينما تسبّبت المعارك في تفاقم الانتهاكات الإنسانية، برزت تحليلات تتحدث عن دور غير مباشر للكيان الصهيوني في تغذية النزاع أو التأثير في مساره، عبر شبكات تعاون أمنية وعلاقات سياسية تمتد إلى ما بعد حدود السودان.
الوقائع على الأرض: تصاعد العنف وتشابك العلاقات الخارجية
قوات الدعم السريع التي بدأت كميليشيات في دارفورتطورت إلى قوة شبه-نظامية ذات نفوذ كبير خارج سيطرة الدولة، ومع اندلاع الصراع بينها وبين الجيش السوداني، تصاعدت وتيرة العنف، وخصوصًا في الفاشر، حيث تحدّثت تقارير مستقلة عن مذبحة جماعية تُعدّ من أسوأ الجرائم في النزاع، وبينما تتواصل الانتهاكات، أشار تقرير إلى أن هذه القوات باتت تستخدم خطابًا يبرر استهداف المدنيين بزعم أنهم «عناصر مسلحة»، في تكرار لنمط تبريري مشابه لذلك الذي يستخدمه الكيان الصهيوني في عدوانه على غزة.
على مستوى العلاقات الدولية، فتح توقيع السودان لاتفاق التطبيع الباب أمام تعاون غير معلن بين جهات سودانية وأجهزة أمنية صهيونية، ورغم غياب الوثائق الرسمية، راجت ادعاءات حول تقديم دعم استخباري أو تكنولوجي لأطراف في الصراع، ما دفع محللين إلى اعتبار الكيان الصهيوني طرفًا غير مباشر في الأزمة.
ماذا يريد الكيان الصهيوني من السودان؟
تحليل الدوافع يكشف أن للسودان أهمية استراتيجية كبرى؛ فموقعه المطل على البحر الأحمر يمنح من يتحكم به قدرة على مراقبة خطوط التجارة العالمية ونشاط القوى المتنافسة في القرن الإفريقي، من هذا المنظور، قد يرى الكيان الصهيوني في استمرار الاضطراب داخل السودان فرصة لإضعاف أي دولة يمكن أن تصبح لاعبًا إقليميًا مؤثرًا أو مقرّبًا من خصومه.
كما أن تقديم دعم محدود أو غير معلن لأحد أطراف النزاع—في حال صحّت هذه الادعاءات—يسمح للكيان الصهيوني بتوسيع نفوذه الأمني في المنطقة دون الانخراط المباشر في الصراع، وتشير بعض التقارير إلى تشابه لافت في الأساليب الميدانية والتبريرات الإعلامية المستخدمة من قبل قوات الدعم السريع، الأمر الذي يعزز فرضية التأثر بالنموذج الصهيوني أو الاستفادة منه.
السودان كساحة لتقاطع النفوذ الدولي
المشهد في السودان معقد ولا يمكن اختزاله في دور خارجي واحد، فإلى جانب الكيان الصهيوني، هناك أطراف إقليمية مثل الإمارات وتركيا ومصر، لكل منها مصالح في مسار النزاع، سواء عبر دعم مباشر أو غير مباشر، هذا التعقيد يجعل من الصعب تحديد جهة واحدة تتحمل مسؤولية دعم طرف بعينه، إلا أن تداخل هذه الأطراف يزيد من هشاشة الوضع الداخلي ويطيل أمد الحرب.
ورغم ذلك، فإن أي تدخل خارجي—مهما كان حجمه—يساهم في إضعاف قدرة الدولة السودانية على استعادة مؤسساتها، ويزيد من اعتماد الأطراف المتحاربة على مصادر الدعم الخارجية بدلاً من السعي إلى حل سياسي داخلي.
كارثة تتوسع مع كل يوم حرب
الانتهاكات التي حدثت، وخصوصًا في دارفور والفاشر، أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين وتشريد ملايين آخرين. ومع انهيار البنية التحتية للخدمات الأساسية، بات المدنيون الضحية الأولى لهذا الصراع، وإذا ثبت وجود دعم خارجي لأطراف ترتكب هذه الانتهاكات، فإن المسؤولية الأخلاقية والقانونية تمتد إلى ما وراء الحدود، وتستوجب تحقيقًا دوليًا شفافًا.
الاستلهام — أو حتى التقليد — للنموذج الصهيوني في التعامل مع المدنيين لا يُعدّ مجرد «نهج عملياتي»، بل هو مؤشر على تبني سياسة ممنهجة توسّع نطاق الجرائم وتطيل عمر الأزمة، وتحوّل المدنيين إلى أهداف مباشرة في معادلة القوة.
السودان بحاجة لاستعادة قراره الوطني
في المحصلة، ما يجري في السودان اليوم ليس مجرد صراع داخلي بل فصل من لعبة إقليمية أكبر تتقاطع فيها المصالح والرهانات، ورغم أن دور الكيان الصهيوني—حسب التقارير—ليس الدور الرئيسي، إلا أن وجوده في المشهد يزيد من تعقيد الأزمة ويعمّق المعاناة الإنسانية.
في النهاية، إنّ أي دعم خارجي يُسهم في تسليح أو تمكين طرف منتهك لحقوق المدنيين يمثل خرقًا للسيادة السودانية وتعديًا على القانون الدولي، ولهذا فإن الأولوية يجب أن تكون في كشف شبكات الدعم والتدخل الخارجي، وإعادة بناء مؤسسات الدولة السودانية بما يضمن استقلال قرارها وقدرتها على حماية شعبها.
