الوقت- يبدو أن الأزمة التي تعصف بشبه الجزيرة الكورية، والتحدي العسكري الكوري الشمالي لأمريكا، وما آلت إليه الأمور اليوم من شبه تراجع أمريكي وتريث من أجل حل المشكلة عبر أساليب أقل خشونة، أجبرت الإدارة الأمريكية الجديدة على إعادة التفكير بإستراتيجية أوباما والتي أطلق عليها في حينها "الارتكاز الآسيوي" أو "الاستدارة العسكرية من الشرق الأوسط إلى آسيا الباسيفيك".
وفي هذا الإطار كتبت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية مقالا يحكي عن دعم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) مشروعا بقيمة 8 مليارات دولار لتعزيز التواجد العسكري الأمريكي في منطقة آسيا الباسيفيك.
وهدف البنتاغون من هذا المشروع هو تعزيز المقومات والبنى التحتية العسكرية، إضافة إلى زيادة المناورات وعديد القوات الأمريكية في تلك المنطقة المهمة من العالم وذلك من خلال برنامج خمسي.
يضيف التقرير: هذا الجهد الأمريكي إنما يريد توجيه رسالة قوية في سياق تعهدات واشنطن في مقابل التوتر المتزايد في شبه الجزيرة الكورية إضافة إلى الأخطار الأخرى التي قد تتهدد تلك المنطقة.
ويقول التقرير إن حكومة ترامب تسعى حاليا لتقييم الأوضاع وإعادة تأطير السياسات الأمريكية في آسيا، وذلك بعد مرحلة حكم الرئيس السابق أوباما والاستراتيجية الأمريكية التي عرفت في حينها بالاستدارة العسكرية نحو آسيا والتي وضعت على الهامش فيما بعد.
تضيف الصحيفة: بناء على تفعيل هذا الطرح يجب تقديم التطمينات للصين بأن أي مشروع لزيادة الحضور العسكري في تلك المنطقة ليس موجها بشكل مباشر باتجاه هذا البلد. يشار إلى أن الصين وإلى الآن وخلال مدة حكم ترامب، لم تبد أي ردة فعل رسمية حول النية الأمريكية بتقوية حضورها العسكري في المنطقة.
هذا المشروع القديم الذي أطلق عليه البعض إسم "خطة إعادة التوازن في آسيا الباسيفيك" وحسب الصحيفة كان أول من نظّر له السناتور جون ماكين من ولاية أريزونا وقد حصل على دعم مجموعة من أعضاء الكونغرس الأمريكي في حينها، كما أن وزير الدفاع الأمريكي الحالي جيمس ماتيس كان يقف وراءه ويدعمه في ذلك الحين.
تضيف الصحيفة: باراك أوباما وفي عام 2011 أعلن عن بداية الاستدارة العسكرية الأمريكية من الشرق الأوسط باتجاه آسيا الباسيفيك. ولكن وبسبب ازدياد التوتر وانتشار الحروب في الشرق الأوسط من ليبيا وصولا إلى سوريا فإن هذا المشروع لم يطبق بشكل فعلي.
ويعتبر خبراء أن هدف أمريكا من تعزيز حضورها العسكري في تلك المنطقة هو كبح القدرات الصينية العسكرية والاقتصادية إضافة إلى مواجهة التهديدات الكورية الشمالية بشكل أقوى.
وتعليقا على هذا المشروع القديم الجديد وللإضاءة عليه أكثر من الجيد تفنيد بعض الخطوات السياسية والاقتصادية الأخرى التي تأتي في نفس سياقه. فبداية هو مشروع ورغم أن طابعه وشكله عسكري إلا أن هدفه اقتصادي وسياسي. حيث يهدف إلى تشديد الخناق على الصين ودول المنطقة الصناعية، وفرض سيطرة أمريكية على منطقة يمر عبرها أكثر من نصف تجارة العالم.
وهي منطقة تعتبر الحديقة الخلفية للاقتصاد الأمريكي ولعدة أسباب، أهمها أن نسبة كبيرة من الشركات الصناعية الأمريكية ومن أجل الاستفادة من اليد العاملة الرخيصة وتوفر المواد الأولية نقلت منشآتها إلى تلك المنطقة من العالم. كما أن البضائع القادمة من تلك المنطقة وخاصة من الصين اجتاحت الأسواق الأمريكية بشكل غير مسبوق.
واتفاقية التجارة الحرة عبر ضفتي المحيط الهادئ التي أتت ضمن جهود أمريكية وتضم أمريكا وكندا والمكسيك وشيلي والبيرو وأستراليا ونيوزيلاندا واليابان وماليزيا وبروناي وسنغافورة وفيتنام هي خطوة أمريكية أخرى في نفس الاتجاه.
أما عن أسباب الاستدارة من الشرق الأوسط فتعود بشكل أساسي لأسباب اقتصادية أيضا. حيث أن الخبراء الاقتصاديين وبالخصوص خبراء النفط باتوا يعتقدون أن الاقتصاد النفطي في مرحلة أفول، ولأسباب عدة منها أن الطاقة البديلة بدأت تأخذ حيزا مهما من مصادر الطاقة العالمية من جهة. كما أن أمريكا باتت من أهم المنتجين للنفط عالميا من خلال استخراج النفط الأحفوري التي تستخرجه.
طبعا ما يعزز هذه النظرية هو قيمة النفط اليوم، حيث أن منظمة أوبك ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها لم تتمكن إلى اليوم من إعادة تثبيت سعر برميل النفط عند نقطة معينة.
هذا دون أن ننسى أن مصادر الطاقة النفطية في الشرق الأوسط بشكل أو بآخر هي تحت السيطرة من قبل حلفاء أمريكا في المنطقة. لذلك فإن استراتيجية أمريكا ليست فقط الاستدارة نحو آسيا وترك الشرق الأوسط وشأنه بل إشعاله في صراعات وحروب دموية رأس حربتها الإرهاب التكفيري الذي يتآكل بلادنا اليوم.
