الوقت- يبدو بأن التغير هو القانون الثابت فكل شيء يتغير ولم يكن ابن خلدون مجافيا للحقيقة عندما شبه عمر الدول بالإنسان من دور الضعف للقوة للمجد ثم التراجع والوهن وحتى لو جاء من يريد إعادة الدولة إلى مجدها سيفشل لأن حركة التاريخ أقوى من فعل القادة ، فالشيخوخة لا يمكن تجديدها لأن الزمن يكون قد فعل فعله وجاء دور آخر وزمن آخر ورجال آخرون وكما يرى أبيقور علينا أن نتقبل بكل الرضى سنن الكون ونواميسه.
فالتاريخ علمنا بأن الأمور متداولة عبر الأزمان والعصور ولم تدوم السيطرة لحضارة أو شعب دون غيره والأمثلة كثيرة من الصراع الروماني والفارسي قديما إلى الصراع الإنكليزي الفرنسي إلى سقوط امبرطوريات وقيام أخرى وكما قال الشاعر أبو البقاء الرندي: هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان. إذن التغير سمة الكون والتلاشي والانهيار جزء من حركة التاريخ الذي يقوم على الصراع والبقاء للأقوى كما يرى تشارلز دارون. يمكننا من هذا المنظور استشراف التغيرات التي تحصل في العالم والمؤشرات التي تقدم الدلائل بانتهاء وتلاشي الإمبراطورية الإمبريالية الأمريكية وقيام نظام متعدد الأقطاب وأبرز الغائبين عنه دولنا العربية مع أن التغير يبدأ من أرضها وعلى حسابها ومن هذه المؤشرات :
1- التراجع الأمريكي على مستوى العالم نتيجة عوامل تتعلق بالاقتصاد الأمريكي وبالتالي الفشل الأمريكي في قيادة العالم منذ عدة عقود خلت حيث انفردت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في محاولة فرض (النموذج الأمريكي) في ظل غياب الأقطاب العالمية الأخرى والتي ضعف تأثيرها في مجرى الأحداث العالمية نتيجة الهيمنة والسطوة الأمريكية خلال الفترة المذكورة.
2- اكتشاف النفط الصخري الذي قلل من اعتماد أمريكا على نفط الخليج بنسبة كبيرة.
3- فشل أمريكا الاستراتيجي رغم احتلال أفغانستان عقب هجمات أيلول2001 وبعد احتلال العراق 2003 والخروج المذل للقوات العسكرية سنة 2011 وترك العراق في مهب الريح بعد تأسيس لفرع القاعدة 2006 واحتلال داعش لثلث أراضي العراق 2014 وانتشار الفكر الإرهابي المتطرف المدرب في أقبية المخابرات الأمريكية بسجن غوانتنامو، حيث تم (غسيل الدماغ لمتطرفين ، وإطلاق سراحهم ليقاتلوا في العراق وسوريا باعتراف هيلاري كلنتون بمذكراتها.
4-ومن أبرز المؤشرات التي تدل على تراجع القطب الواحد الأمريكي هي الصعود الروسي والصيني وتراجع أوروبا، وبداية تفتت الاتحاد الأوروبي ، خاصة بعد وصول ترامب الذي وضع سياسة (أمريكا أولا) تاركا أوروبا تنزع شوكها بيدها، ووصول محتمل لليمين المتطرف للقارة (العجوز). إضافة لصعود قوى إقليمية مؤثرة تناصبها أمريكا العداء، كالجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي دخلت النادي النووي العالمي ، وأجبرت مجموعة 5+1بتوقيع الاتفاق النووي رغم محاولة العرقلة من أطراف لا ترغب برفع العقوبات عن إيران لكنها فشلت في ذلك.
العالم يتغير، وترسم خرائط جديدة وهناك إرهاصات تشي بتشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب ،ولن تبقى أمريكا قادرة على قيادة العالم وإنما جزء أساسي من أقطابه، مع أن البعض من الباحثين يتنبأ بسقوط أو تفكك أمريكا من الداخل (كمحاولة كاليفورنيا) الإنفصال وربما تتبعها بعض الولايات مثلsouth caroliana وولايات أخرى في جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية. وعلينا ألا نقلل من أهمية وصول ترامب ربما في وضع (مداميك) بداية انتهاء القطب الواحد، وقد تكون النتائج أكثر فداحة لما فعله غورباتشيوف في (البيروسترويكا) التي أدت لانهيار الاتحاد السوفييتي في أواخر الثمانينات. فهل سيشهد العالم خلال السنوات القريبة القادمة سقوط أمريكا من الداخل؟هذا ما ستحدده الأشهر والسنوات القادمة، وبالتالي فالعالم يتغير بسرعة ، فهل نحن العرب سنكون في القطار السريع أم سكة العبور؟
بقلم: المحلل السياسي السوري طالب زيفا
