الوقت - بعد سلسلة من الحوارات المتواصلة أخفق البرلمان اللبناني من جديد وللمرة 43 في إنتخاب رئيس جديد للبلاد، فيما أعلن رئيس المجلس نبيه بري إرجاء الجلسة إلى السابع من أيلول المقبل.
ولم يحضر إلى مبنى البرلمان يوم الأمس، سوى 20 نائباً من أصل 128 يشكلون عدد أعضاء المجلس النيابي، علماً إنّ منصب الرئاسة شاغر منذ أكثر من سنتين.
وكانت هذه الجلسات قد إلتأمت في 2 أغسطس/ آب الجاري في مقر البرلمان في "عين التينة" ببيروت بمشاركة رئيس الحكومة تمام سلام ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد والنائب علي فياض ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية ورئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال أرسلان ورئيس كتلة المستقبل النائب فواد السنيورة ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل والنواب هاغوب بقرادونيان وميشال المر ونجيب ميقاتي وفريد مكاري وأسعد حردان وبطرس حرب.
ولم تنجح هذه الجلسات في تحقيق أيّ تقدم يذكر فيما يتعلق بالإستحقاقات الدستورية والتوافق حول آليات للخروج من المأزق السياسي الحالي وإعادة إحياء مؤسسات الدولة المشلولة، عن طريق دراسة كافة الملفات المطروحة بشكل مترابط، أو ما أصطلح على تسميته "السلّة الشاملة" المتضمنة إنتخاب رئيس للجمهورية، والإتفاق على رئيس للحكومة، وإقرار قانون إنتخاب جديد، وحسم موضوع مجلس الشيوخ واللامركزية الإدارية وتطبيق إتفاق الطائف وإجراء إنتخابات نيابية مبكرة أو في موعدها وفق القانون النافذ في حال أخفقت محاولات الإتفاق على قانون جديد.
يذكر أن لبنان لايزال من دون رئيس جمهورية منذ إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 أيار (مايو) 2014، بسبب إرجاء الجلسات لعدم إكتمال النصاب القانوني لإجراء عملية الإنتخاب، كما إن القوى السياسية اللبنانية لم تتمكن بعد من الإتفاق على قانون جديد للإنتخابات النيابية، في ظل الخلافات بين القوى السياسية وتمسك كل منها بالقوانين التي تراها مناسبة.
وفي حال عدم حصول مرشح الرئاسة على ثلثي أصوات النواب، تجري عملية إقتراع جديدة يحتاج فيها إلى 65 صوتاً على الأقل للفوز بالمنصب.
وجاء غياب رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط منذ اليوم الثاني لجلسات الحوار، ثم عدم حضور المرشح الرئاسي سليمان فرنجية في اليوم الثالث، إلى جانب مقاطعة العماد ميشال عون الجلسات الحوارية منذ اليوم الأول، ليرسم مشهداً سلبياً واضح المعالم عن مدى الفشل الذي أحاط بهذه الجولة من المباحثات خاصة بعد المؤشرات الموحية بعدم جدوى الحوار في هذه المرحلة.
ولسنا هنا بصدد الخوض بأسباب فشل الحوار اللبناني، لكن يكفي الإشارة إلى الغياب اللافت للآليات التي تسبق عادة موعد إنعقاد الجلسات، وفي مقدمها تكليف لجنة تحضيرية مثلاً، يعمل أعضاؤها على إعداد أوراق عمل متناسقة ومتقاربة في المواقف بين مختلف الأطراف، وذلك من أجل تأمين الحد الأدنى من التقدّم في حال فشلت مساعي الساعات الأخيرة في تحقيق النجاح المطلوب. كما لا يستطيع أحد أن يتجاهل تأثير العوامل الخارجية على الوضع الداخلي الهش في لبنان والذي أدى أيضاً إلى تلكؤ هذا الحوار.
ولعل تسريب بعض محاضر الجلسات للنشر ساهم أكثر في فضح سطحية النقاشات التي شهدها الحوار، والتي لم ترق إلى مستوى الجدية اللازمة لبحث النقاط الخلافية، والتي بقيت عمليات حسمها تدور بين الأخذ والرد حتى اللحظات الأخيرة من النقاش.
والإستنتاج الأهم الذي يمكن الخروج به إستناداً إلى وقائع جلسات الحوار هو أن هذا الإجتماع لم يكن قادراً ولا مؤهلاً لإحداث إختراق في أزمة رئاسة الجمهورية لأسباب كثيرة تبدأ بالربط الداخلي القائم بين الملف الرئاسي والسلّة الكاملة وفي صلبها قانون الإنتخاب، وتنتهي بالربط الإقليمي القائم بين الملف اللبناني وأزمات المنطقة.
أمّا أبرز ما حصل خلال الحوار الوطني اللبناني فيمكن تلخيصه بما يلي:
1- جرت النقاشات في أجواء أكثر جدية من السابق، وساهم في ذلك الكلام التحذيري الذي أطلقه رئيس البرلمان نبيه بري في مستهل الجلسة، عندما أشار إلى الوضع الخطير في الداخل والخارج، وإلى فرصة قد تكون الأخيرة للتوافق، وإلى حتمية الإتفاق على حل شامل للأزمة من خلال سلّة متكاملة.
2- برز بوضوح خلاف الأولويات بين تيار المستقبل وحزب الله، فمثلاً كانت الأولوية لدى المستقبل هي إنتخاب الرئيس أولاً والإتفاق على هذا الموضوع قبل أيّ شيء آخر، فيما كانت الأولوية عند حزب الله في الإتفاق على سلة متكاملة يجري على أساسها إنتخاب الرئيس.
3- تحوّل النقاش بإتجاه قانون الإنتخاب وإحداث خرق في هذا المجال بإعتباره يمثل مفتاح الحل لباقي الملفات الخلافية بين الكتل السياسية.
4 – شهدت جلسات الحوار وللمرة الأولى توافقاً على البحث العملي في تطبيق بنود إتفاق الطائف لاسيّما إنتخاب مجلس الشيوخ وتطبيق اللامركزية مع إنتخاب مجلس نيابي على أساس وطني يراعي الإنصاف في توزيع عدد مقاعد البرلمان. ولعب الرئيس بري دوراً مهماً في فتح هذا المسار مستعيناً بتفسير دستوري يشير إلى ضرورة التلازم بين إنتخاب مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
خلاصة القول لم يكن الحوار الأخير بين الفرقاء اللبنانيين مثمراً لجهة النهايات المرسومة له؛ بل ضاعت عنه الأهداف الأساسية جراء الخوض في تفاصيل قضايا ثانوية، ما جعل الصورة أكثر وضوحاً بأنه ليس هناك من حلحلة قريبة للملف الرئاسي ومعظم الملفات الخلافية.