الوقت – يشكل دعاة خروج بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي قسما كبيرا من مختلف شرائح المجتمع البريطاني لاسباب تتعلق بالنسيج الثقافي للبريطانيين الذين يعتبرون دوما انفسهم أعلى شأنا من باقي القوميات الاوروبية وهذا هو احد اسباب المواقف البريطانية الغريبة في داخل الاتحاد الاوروبي طوال العقود الاربعة الماضية وعدم مماشاة البريطانيين مع السياسات الاقتصادية والتوجهات السياسية الاوروبية بحثا عن امتيازات خاصة.
ان الشرخ السياسي والثقافي بين بريطانيا وباقي القوميات الاوروبية كان مطروحا دوما حيث يصف البعض بريطانيا بانها حصان طروادة امريكي في اوروبا فالمعروف ان الامريكيين لم يرغبوا ابدا برؤية اتحاد اوروبي يتحول الى منافس سياسي واقتصادي وامني لامريكا بل يريدون فقط اقتصادا قويا في اوروبا الى جانب التبعية السياسية والامنية لامريكا ولذلك نجد ان بريطانيا كانت احد المعرقلين الرئيسيين للترتيبات الامنية الاوروبية المستقلة بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي ولم يقبلوا بالعملة الاوروبية الموحدة وحصلوا على امتيازات اقتصادية تبعدهم من السيطرة والاشراف الاوروبي عليهم.
وقد حدثت امور في الاتحاد الاوروبي مثل الازمة اللاقتصادية والبطالة وموجة نزوح اللاجئين خلال السنوات الـ 5 الاخيرة جعلت قضية انفصال بريطانيا في الواجهة، فصعود نجم حزب الاستقلال البريطاني المعادي للمهاجرين كان من اهم عوامل اعلان ديفيد كاميرون اجراء استفتاء حول موضوع خروج بريطانيا والمعروف ان هذا الحزب يمتلك 20 مقعدا تابعا لبريطانيا في البرلمان الاوروبي.
ان تعزيز المكانة الاجتماعية لحزب الاستقلال القومي المعادي للمهاجرين تسبب باقتراب كاميرون من التيار اليميني في حزب المحافظين ليصادر شعارات حزب الاستقلال حول البقاء او عدم البقاء في اوروبا من اجل تعزيز مكانة حزب المحافظين في المجتمع البريطاني.
وقد نجح كاميرون في هذه الاستراتيجية الى حد ما لأن حزبه حاز على معظم مقاعد مجلس العموم من دون ان يحتاج الى الائتلاف مع الحزب الليبرالي الديمقراطي وقد قام بتشكيل الحكومة لوحده، وقد سعى كاميرون الى انتزاع امتيازات من الاتحاد الاوروبي بشرط دعم بقاء بريطانيا في الاتحاد وكان كاميرون من دعاة اصلاح قوانين الهجرة في اوروبا ليتم السماح لبريطانيا بحرمان المواطنين الاوروبيين الذين يدخلون الى بريطانيا من حقوق اجتماعية لحين البت في قضية لجوئهم.
ورغم عدم تحقيق كاميرون لكافة مطالبه لكن المستشارة الالمانية انجيلا ميركل وباقي المسؤولين الاوروبيين المؤيدين لبقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي وافقوا على اعطاء بعض الامتيازات لبريطانيا وبعد اخذ هذه الامتيازات سعى ديفيد كاميرون تعزيز حملة مؤيدي بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي وحصل شرخ كبير بين تيار اليمين وتيار اليسار المحافظ ، ورغم حدوث شرخ في داخل حزب المحافظين بسبب استراتيجية كاميرون الدعائية لكن هذه الاستراتيجية اضعفت حزب العمال ايضا لأن حزب العمال والحزب الليبرالي الديمقراطي كانا يرفعان لواء بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي.
ان انضمام كاميرون لحملة بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي غير تحالفات الاحزاب حيال موضوع بقاء او خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، وهناك الان قسم كبير من المجتمع البريطاني موزع على حملتي البقاء او الخروج، فمعظم اصحاب الشركات الاقتصادية والمالية البريطانية الكبرى يعارضون خروج هذا البلد من الاتحاد الاوروبي ويعتبرونه مكلفا جدا ومضرا بالاقتصاد البريطاني وفي المقابل يدعم قسم من اصحاب الشركات الصغيرة والطبقة الوسطى في المجتمع البريطاني فكرة الخروج من الاتحاد الاوروبي والان تشهد بريطانيا تنافسا قويا بين الجهتين، اما الاستطلاعات التي تجري باشكال مختلفة تظهر نتائج متفاوتة عن هذين التيارين فآخر استطلاع هاتفي لصحيفة الغارديان يقول ان 47 بالمئة من الشعب البريطاني يريدون البقاء في الاتحاد الاوروبي وان 43 بالمئة منهم يعارضون البقاء لكن استطلاع آخر يظهر ان معظم البريطانيين يريدون خروج بلادهم من الاتحاد الاوروبي وهذا يثبت ان هناك ما بين 10 الى 15 بالمئة من البريطانيين الذين مازالوا مترددين حيال البقاء او عدمه في الاتحاد الاوروبي وان اصوات هؤلاء هي التي ترجح الكفة في الاستفتاء المتوقع اجرائه في بريطانيا.
