الوقت- الحديث عن إمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة في الاراضي الفلسطينية المحتلة خصوصاً في الضفة الغربية لا يكاد ينقطع هذه الأيام بسبب تنامي خطر الاستيطان، وتزايد الانتهاكات الإسرائيلية، وفشل مفاوضات التسوية بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال ووصول الوضع إلى حد الغليان بفضل انتشار فكر المقاومة وإجماع الفلسطينيين على ضرورة التخلص من الآثار المدمرة للاحتلال التي تضاعفت خلال السنوات الاخيرة.
ورغم سعي سلطات الاحتلال لإخفاء فزعها من أمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الا إن الأمر وصل الى حد لايمكن كتمانه خصوصاً بعد أن تبين للفلسطينيين أن مفاوضات التسوية ليست سوى خديعة لكسب الوقت لارتكاب المزيد من الجرائم ضدهم وتوسيع نطاق الاستيطان، مشددين على انه لا يمكن الوصول إلى حل من خلال هذه المفاوضات لأنها لايمكن أن تعيد لهم حقوقهم المغتصبة في الارض والوطن.
وما يحدث اليوم في الضفة مؤشر واضح على إمكانية اندلاع الانتفاضة الثالثة ومن غير الممكن اخماد موجة الغضب العارمة التي تشهدها مدن وقرى هذه المنطقة رغم الاسالیب القمعية التي يتبعها كيان الاحتلال لقمع هذه الانتفاضة. فالشعب الفلسطيني ومنذ إحتلال ارضه لم يتوقف يوما عن الجهاد لأنه يدرك ان تحرير ارضه لايمكن تحقيقه دون بذل الغالي والنفيس.
ومع تصاعد وتيرة العدوان الاسرائيلي على الضفة والذي شمل قتل وتصفية القادة الفلسطينيين وحملات الاعتقال والاقتحام الاستفزازي؛ تغيرت هبّة الشارع الفلسطيني وفقا لتغير اساليب المقاومة وانتقلت الى مرحلة المواجهة المباشرة، ولم تعد تكتفِ بالتظاهرات والهتافات للتأكيد على ان العمليات القمعية التي يمارسها الاحتلال لن تثني المقاومة عن القيام بدورها في الدفاع عن الحقوق ومن بينها حق العودة الذي هو فرع لأصل تحرير الأرض.
ولم تعد العنصرية الاسرائيلية ضد الفلسطينيين تقتصر على جانب واحد فقط، بل تعدته لتشمل كل تفاصيل حياتهم وهذا الامر ظهر جلياً من خلال الهدم الواسع للمنازل ومصادرة الأراضي الزراعية والسيطرة على الموارد المائية لتوسيع رقعة الاستيطان بحجج وذرائع واهية.
وقد ادرك الشعب الفلسطيني تماما بانه امام عدو عنصري اجرامي لا يمكن له ان يتعايش معه ولا يمكن ان تكون قضيته متروكة لمزاج الاحتلال وعليه ان يقدم التضحيات ليبقى مشروع المقاومة فاعلا ومؤثراً حتى اجبار المحتل على الرحيل، خاصة بعد ما عرضت الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة فکرة تسلیح الضفة لاشراکها فی الکفاح المسلح ضد العدو الاسرائيلي.
فمشهد الانتفاضة الفلسطينية تم استعادته في الضفة الغربية تضامنا مع قطاع غزة، وتبرز بين الحين والآخر عمليات طعن ودهس الجنود الاسرائيليين والمستوطنين وكثّف الشبان الفلسطينين من إلقاء الزجاجات الحارقة على أهداف الاحتلال الى درجة اجبرت الكنيست الاسرائيلي على اقرار مشروع قانون يقضي بتشديد العقوبات على من يلقي الحجارة والمواد الحارقة على الاهداف الاسرائيلية.
ويعتقد المحللون أن الانتفاضة الثالثة يمكن أن تنفجر في الضفة الغربية في أي لحظة، وهي التي اجبرت الغرب على تغير لهجته تجاه الشعب الفلسطيني وبدأ الحديث عن حل للدولتين بعد ان كان يتجاهل حقوق هذا الشعب من الاساس.
وتؤكد جميع الشواهد والقرائن على ان الطريق لتحرير فلسطين منحصر في توحيد الصف واعتماد المقاومة بإعتبارها السلاح الأمضى لإرعاب "إسرائيل" وإيقافها عند حدها خصوصا بعد أن بانَ ضعف هذا الكيان وتراجعه أمام المقاومين الذين بات بإمكانهم تهديد وجوده بشكل مستمر.
ويؤكد الكثير من المراقبين ان انتفاضة الضفة ستكون مزلزلة لإسرائيل اكثر من اي منطقة فلسطينية اخری كونها على تماس مباشر مع المستوطنين رغم التنسيق الامني بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال لإحتواء هذه الانتفاضة.
وقد ادركت اسرائيل مبكراً خطورة انتفاضة الضفة لذلك قامت بإتخاذ تدابير خاصة للسيطرة عليها والاشراف على تحركات المقاومة للحيلولة دون قيامها باي عملية جهادية ودون وصول السلاح لها، كما قامت في السابق ببناء جدار الفصل العنصري الذي يهدف في الاساس الى تجريد الضفة من المقاومة.
وتجدر الاشارة الى ان الضفة لعبت دورا مهما فی ممارسة الضغط علی العدو الاسرائيلي خلال عدوانه الاخیر علی غزه، من خلال المظاهرات والاحتجاجات التی عمت الکثیر من مدن الضفة خاصة رام الله والخلیل وأريحا والتي واجهتها سلطات الاحتلال بالرصاص الحي.
فالضفة الغربية جزء لا يتجزأ من الجسد الفلسطيني، وتمثل مقاومتها عمقاً استراتيجيا لزعزعة " الامن " الاسرائيلي وكل هذه الامور حفزت تل ابيب على اتخاذ اجراءات لقمع المقاومة هناك. وثمة ما يشبه الإجماع الفلسطيني على انسداد أفق التفاوض بعد عشرين سنة من المماطلة الإقليمية والدولية المحيطة بالقضية الفلسطينية.
ويعتقد المراقبون ان محاولة إحلال المفاوضات دون ضمانات دولية بدل إنهاء الاحتلال يراد منه ابقاء القضية الفلسطينية في دوامة السجالات السياسية والفيتو الامريكي الذي لا يتعامل إلاّ بلغة المصالح التی تضر بالجانب الفلسطیني، وتعرض مستقبله للخطر والضیاع.
وبالرغم من زج الكثير من الفلسطينيين المقاومين فی سجون الاحتلال يعتقد المحللون أن الضة الغربیة غدت برمیل بارود قابل للانفجار فی أي لحظة وهو ما حذر منه جهاز الامن الاسرائيلي " الشاباك " وذكرته مراراً صحيفة "معاريف" ، مشيرة الى أن ظروف الضفة الآن تشبه إلى حد كبير تلك التي سبقت انتفاضة الأقصى عام 2000 .
وفي الختام يمكننا القول أن اسرائيل أمام أزمة خطيرة ستكون لها نتائج استراتيجية لصالح الشعب الفلسطيني الذي اثبت وحدته وتصميمه علی مواصلة المقاومة حتی تطهیر ارضه من دنس الاحتلال سواء کان فی الضفة وغزه أو في باقي الاراضی المحتلة.
