الوقت- تداعيات الأزمة السياسية في العراق تتفاقم يوماً بعد يوم، فبعد اعتصام عدد من النواب في البرلمان العراقي و عزلهم لرئيسه و اتخاذهم خطوات اخرى و بعد دعوة رئيس مجلس الوزراء السيد "العبادي" لجلسة لبحث أسماء التشكيلة الوزارية و رفعه للجلسة بسبب عدم اكتمال النصاب الدستوري، قام متظاهرون من التيار الصدري بإقتحام المنطقة الخضراء و مجلس النواب ما أحدث بلبلة واسعة في البلاد، فكان لنا حوار مع الكاتب و المحلل السياسي العراقي الاستاذ "قاسم حنون" لبحث هذه التداعيات و أخر مستجدات الازمة.
في أول أسئلتنا سألنا الاستاذ قاسم عن الأسباب الحقيقية التي أدّت لتفاقم الأوضاع السياسية في العراق الى هذا الحد الذي نشهده اليوم؟
فأجاب الاستاذ قاسم: "أنا أعتقد أن الاوضاع لم تكن لتتفاقم بهذا الشكل لولا هذه الحركة غير المفهومة من أعضاء البرلمان، الحراك الذي ميّز الشارع العراقي منذ أواخر الصيف أي منذ 30 تموز الماضي كان يستهدف اموراً كمكافحة الفساد و ملاحقة الفاسدين و إقرار قوانين و تشريعات للنهوض بالواقع الخدماتي و المعيشي للناس و تفعيل دور المؤسسة التشريعية التي هي البرلمان، البرلمان بهذا التوصيف كما لو انه يلقي بالتهم التي تأتي إليه على الاخرين، كان بوسعه مراجعة أداءه في الفترة السابقة، و اقرار قوانين و اتباع آليات معينة لمكافحة الفساد، و لكن فجأة يطالب بإلغاء نظام المحاصصة الذي تشكل بموجبه لأكثر من 13 سنة."
و تابع قائلاً: "هذا الموضوع يمكن أن يثير تساؤل، فاليوم نحن أمام أزمة و دور معطل لمجلس النواب و نحن مقدمون على أفق غير واضح و كل الإحتمالات فيه مفتوحة، و أنا أعتقد أننا بحاجة إلى مراجعة جدّية لكل الإجراءات و الخطوات التي تكلّست خلال هذه الفترة، فنظام المحاصصة الذي يقوم اليوم هو نظام ابتدعته الكتل النافذة، فإلى أي مدى يمكن لنخبة او كتلة جديدة أو تشكيل جديد يرغب بتغيير هذا النظام أن يحدث فرقاً؟."
و استدرك قائلاً: "لا أعتقد أنه بتوازنات العملية السياسية القائمة من هو قادر على فرض شروطه بالوقت الحاضر، كل الكتل كانت تمارس نفوذها على هذا الأساس، و بَنتْ نفوذها على حساب مصالح الشعب و طموحات الناس و مع ذلك الآن نرى من يطالب بإلغاء نظام المحاصصة، و لنقل اننا نريد الغاء نظام المحاصصة، أين سيكون موقع هذه القوى؟"
الوقت: اليوم نرى هذه حركة مستغربة من التيار الصدري الذي طالما طالب بالإصلاح و مطالب شعبوية أخرى، فهل اقتحام البرلمان بهذه الطريقة و تحريك الشارع بهذه الطريقة و في هكذا وقت حسّاس من محاربة الارهاب يٌعد تصرفاً حكيماً؟
حنون: "لا، بالطبع ليس من الحكمة ما حصل، فهل من الحكمة أن تقتحم المنطقة الخضراء في ظروف امنية شديدة التعقيد؟، لا أعتقد بأن تفرض على مجلس الوزراء و الحكومة خيارات بهذا الشكل أمراً مقبولاً أو مطلوباً، لأنه اذا ما اردنا تشكيلة حكومية جديدة، لا يجب أن ندعو الناس للتجمع لإسقاط وزير معيّن و اقتحام وزارة أو اقتحام المنطقة الخضراء، هذا أمر لا يتفق مع المنطق و ضرورات إرساء الأمن و الإستقرار و مع خطاب جديد يهدف إلى النهوض بالوضع السياسي في العراق."
الوقت: برأيكم ما هي تداعيات الخطوة التي قام بها التيار الصدري اليوم في البرلمان؟ و هل من مستجدات؟
حنون: "في الواقع ليس لدي أي اطلاع على مستجدات الموضوع، و لكن أعتقد ان ما حصل يؤدي إلى الفوضى و العبث بمقدّرات البلد، و إلى نتائج قد تكون وخيمة."
الوقت: اذا ما كان هذا التصرف غير حكيم من التيار الصدري و نتائجه قد تكون وخيمة حسب وصفكم، لماذا أقدموا على هكذا خطوة غير مفهومة النتائج؟
حنون: "شخصياً انا لا أفهم أداء التيار الصدري خلال هذه الفترة، فهو خرج بمطالب كنّا نراهن على جدّيتها، مطالب بالدفاع عن مصالح الناس و مطالب بمحاسبة الفاسدين، لذلك هذه المطالب يمكن ان توضع امام الحكومة و تبقى قيد المتابعة و المراجعة و التحقيق، و لكن فجأة ينسحب من المنطقة الخضراء، ثم ينسحب من اعتصام مجلس النواب و من الحكومة، و يفرض على مجلس النواب خيارات جديدة بإقرار تشكيلة وزارية جديدة، ثم هذه الحركة الجديدة اليوم التي لا اجد لها تبريراً."
الوقت: برأيكم ما هي المخارج العقلانية للأزمة التي قد تخلص إلى حلول وسطية ترضي الجميع؟
الاستاذ قاسم: "المخرج العقلاني للأزمة هو بجلسة شاملة لمجلس النواب، و لا بأس أن يُعاد النظر في تشكيل هيئة رئاسة مجلس النواب، هذا امر منطقي و مطلوب، و حتى التشكيلة الحكومية المقترحة يمكن مراجعتها و تقديم أسماء جديدة، و حتى يمكن وضع رئيس مجلس الوزراء أمام مراجعة جديدة و يمكن ان يُكلف آخرين، هذا المسار الصحيح المعمول به، فتُسحب الثقة من الحكومة الحالية التي تقوم بتصريف الأعمال و يُدعى إلى تشكيلة وزارية جديدة، أو تسحب الثقة و يعاد تكليف شخص جديد يُتفق عليه لإعادة تشكيل تشكيلة وزارية جديدة، هذا هو السياق المطلوب أي السياق ضمن نُظم برلمانية معيّنة."
الوقت: هل برأيكم الرئيس العبادي قادر أن يكون رجل هكذا مرحلة إنتقالية للنهوض من هذه الأزمة؟
حنون: "أنا أعتقد أن العبادي أظهر ضعفاً واضحاً في التصدي لعملية الإصلاح و في مجابهة ملفات معقدة و في تنفيذ الكثير من الوعود التي بشّر بها منذ الصيف الماضي و حتى الآن، و لا أعتقد انه قادر على حسم الكثير من الامور، و لكن ربما تتوافق القوى الدولية و الاقليمية أنه من الأفضل أن نبقى على الوضع الراهن طالما نحن في وضع حرب مع الارهاب و داعش، و هذا الأمر يتطلب نوع من إبقاء الأمور على حالها."
الوقت: هل محاربة داعش و الإرهاب أحد المسببات التي تدفع إلى ترك الأوضاع الداخلية كما هي إلى حين الانتهاء من ازمة الارهاب؟
حنون: "ربما، و لكن لا أعتقد ذلك، ففي نظامٍ مثل نظامنا، على الجيش و الحشد الشعبي القيام بواجباتهم بغض النظر عن ما يجري في الحياة السياسية، رغم انها تمثل الخلفية لما يجري في الجبهة."
الوقت: و لكن بعض التقارير الأخيرة عن المعركة تظهر أن الأزمة السياسية أثّرت سلباً على سير المعارك العسكرية ضد الإرهاب، ما رأيكم؟
السيد قاسم: "بالتاكيد، تتراجع لأن ضغوط العملية السياسية و عدم الاستقرار يمكن أن يفرض خيارات أخرى، و يضعف إرادة صانع القرار، و يشغل القيادات ذهنياً عن المعركة مع الارهاب."
