لاحق شبح تموز2006 الكيان الصهيوني الى يومنا هذا، وحط أوزاره هذه المرة اقتصادياً على الساحة الاسرائيلية عبر بوابة الأمم المتحدة، فالقرارالجديد الذي يعتبراً انتصاراً كبيراً للمقاومة، وانجازاً مهماً ليس للبنان وحده بل ايضا لمفهوم العدالة الدولية، رسخ هزيمةً جديدة لهذا الكيان واقتصاده الذي يعيش في غرفة الانعاش منذ سنوات.
القرار الأممي الجديد الذي عارضته ست دول هي أستراليا، كندا، إسرائيل، جزر مارشال، ميكرونيزيا والولايات المتحدة الأميركية، في ظل امتناع ثلاث دول هي الكاميرون وبابوا غينيا الجديدة وتونغا، طالب الكيان الصهيوني بدفع تعويض عن الأضرار الناجمة عن تسرب نفطي، مما يعني اضافة هزيمة جديدة الى سجل هذا الكيان الذي يعيش عزلة دولية حالياً، وبالتالي لا بد من طرح الأسئلة التالية: ما هي أبعاد هذا القرار؟ وما هي نتائجه؟
القرار غير الملزم للجمعية العامة يعكس الخلاصات التي توصل إليها الأمين العام في تقريره رقم A/ 69/313 تاريخ14 آب/أغسطس 2014، الذي استند فيه إلى عمل منظمات ومؤسسات دولية مستقلة، بما فيها البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP ومنظمة الأغذية والزراعة FAO والاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، طالب الكيان الصهيوني بتقديم "تعويض سريع وكاف" إلى لبنان وغيرها من الدول التي تضررت بيئياً بسبب تسرب 15 ألف طن من النفط الذي "كان له انعكاسات خطيرة على مصادر الرزق والاقتصاد في لبنان" طبقا للأمم المتحدة.
لبنانياً، أبرزت اوساط وزارية اهمية الانجاز الديبلوماسي الذي حققه لبنان في الامم المتحدة من خلال تبني الجمعية العمومية للمنظمة الدولية باكثرية 170 دولة من أصل 179 قرارا اعتمدت فيه مبلغ 856٫4 مليون دولار اميركي يتوجب على اسرائيل دفعه تعويضا للاضرار التي لحقت بلبنان مباشرة بعد قصفها محطة الجية الكهربائية صيف 2006. القرار الجديد يفتح أمام اللبنانيين أفاقاً جديده تحفز على المضي في استكمال خريطة الطريق التنفيذية لملف التنقيب عن الغاز والنفط بإعتبار أن المناخ الدولي أثبت ملاءمته للمصالح اللبنانية ولم يبق على الجانب اللبناني إلا أن ينجز ما يتوجب عليه من إجراءات داخلية منعا لمضي "الكيان الصهيوني" في القرصنة الجارية لثروته النفطية.
القرار الأممي الذي انتظر تسع سنوات حط أوزاره سريعاً على الداخل اللبناني، فقد حرك ملف النفط والغازفي اجتماع الحكومة الأخير، حيث أكد وزير الطاقة والمياه ارتور نظريان أن "مجلس الوزراء سيقر المراسيم التطبيقية لهذا الملف ، وتكون هذه المسألة هدية الحكومة للشعب اللبناني في السنة المقبلة". قيمة القرار ليست بأرقامه المليونية، ولا بالزاميته أو عدمها رغم المئة وسبعين صوتا مع، والستة ضد، انما لكونه ورقة بيد لبنان يبني عليها في رد الاعتداء على حدوده البحرية من ناحية، وفرصة ثمينة للحصول على تعويضات إضافية عن الضرر اللاحق بقطاعات أخرى (مثل الصحة والنظم البيئية والتلوث المحتمل للمياه الجوفية بالإضافة إلى التنوع البحري)، التي لم تشملها القيمة المذكورة، ولكن تمت الإشارة إليها في تقارير المنظمات والمؤسسات الدولية المختلفة التي استند إليها الأمين العام في تقريره من ناحية أخرى.
اسرائيلياً، ساهمت الممارسات العدوانية اللامحدودة للكيان الصهيوني مؤخراً في رسم مسار جديد لعلاقات هذا الكيان الذي بات يعاني من عزلة دولية، ومهّدت الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين، وتهديد بعض دول القارة العجوز بفرض عقوبات اقتصادية على هذا الكيان، في استصدار القرار الأخير الذي أدانته وسائل اعلام الكيان ووصفته بالمنحاز ضدها.
قد يكون هذا القرار غير مرئي من الكيان الصهيوني، كغيره من القرارات الدولية، ويضاف إلى عشرات القرارات الشبيهة التي ظلت مركونة في أرشيف الأمم المتحدة، لكنه شكل صفعة قوية وهزيمة نكراء لاسرائيل وأمريكا التي تقف وراء جرائم هذا الكيان.
اذاً، مسمار جديد يدق في نعش الكيان الصهيوني ،و إنجاز عظيم يضاف إلى سجل نصر لبنان ومقاومته على العدو الاسرائيلي، فبعد الإنجاز بشقيه الميداني والسياسي خلال عدوان تموز 2006 ، نحن اليوم أمام نصر دبلوماسي يشكل إنصافا معنويا للبنان الذي يحتاج إلى مجلدات من قرارات الأمم المتحدة لاستيفاء بعض حقوقه.
