الوقت- منذ فترة ونحن نجد أن بعض الانحرافات التي یروجها تیارمحدد ینتسب إلى الشیعة، أصبحت أساساً لنشر الخلاف، وباتت آراءه وسلوكه مدار حدیث عدد كبير من وسائل الإعلام الأجنبية .
وسائل الإعلام هذه ومن خلال عرض أنشطة ومواقف هذه الجماعات المحددة، تقدم صورة معکوسة من الشيعة إلی العالم، وتنشر الانقسام بين المسلمين يوماً بعد يوم وتشوّه المذهب الشیعي لدی أتباع الديانات الأخرى .
وتشکل إشاعة نزيف الدماء والتطبير وإهانة زوجات النبي(ص) وصحابته الکرام تحت ذريعة إقامة مراسیم العزاء للأئمة المعصومين (عليه السلام)، والتي واجهت معارضة الكثير من العلماء والمراجع ، تشکل جزءاً كبيراً من سلوك هذه الجماعة، وجميع هذه الصور والفيديوهات تلتقط من مجالس خاصة یقودها هذا التیار المنحرف. لکن عموم المسلمین في جميع أنحاء العالم یستنکرون هذه الأفعال ویشجبونها .
کما یرکّز هذا التیار الذي یحتمي بعباءة مرجعیة شخص محدد، علی المسائل الخلافیة التي تتجذر عموماً في القضایا السياسية والحزبية وتتعارض کلیاً مع العديد من العناصر الدينية. وتکفیر هذا التیار لمختلف التيارات الدينية واستخدام وسائل الإعلام، وإطلاق مواقف حادة وأصولیة متطرفة وغير عقلانية في أغلب الحالات، قد ألحق الکثیر من الأضرار علی المسلمين وخاصة الشيعة منهم .
ویعتبر خبراء الشأن الديني عموماً تحرکات هذا التيار المنحرف في أیام العزاء لسید الشهداء ، محاولة لإضعاف قدرة هذه المراسیم علی بث التوعیة والبصیرة . ثم یتساءل هؤلاء الخبراء کیف یمکن في ظروف تواجه فیها جمهورية إيران الإسلامية الحظر المصرفي الكامل، یملك تيار ما إمكانية التجارة الدولية والتبادل المالي مع بعض الاجتماعات الداخلية أو یدیر قنوات إعلامية وأقماراً صناعية ضخمة والتي تتطلب تمويلاً کبیراً لتوجیهها؟ !
ثم یستغربون وجود حسابات مصرفية في بریطانیا وإيداع أموال من بلدان المنطقة وبعض الدول الأوروبية التي لم تأل جهداً خلال كل هذه السنوات في تشويه صورة الإسلام والمذهب الشيعي، والیوم أصبحوا الرعاة والداعمین الرئيسيین لهذا التیار، ویعتبرون ذلك دلیلاً دامغاً علی انحراف هذا التیار وتوجیهه من ما وراء البحار .
فحري بنا أن لا ننسی أبداً تاريخ الحكومة البريطانية الطويل في إنشاء الفرق المنحرفة في الإسلام والمذهب الشيعي وتعزیزها .
وإن "ضرب وحدة المسلمين" أحد أكبر الأضرار التي ألحقها هذا التیار علی الإسلام إلی جانب تیارات تکفیریة أخری مثل داعش. وقد أدی سلوك هذا التیار المنحرف إلی نشوء خلافات كاذبة وغير منطقية بين مختلف الحركات الإسلامية، واستهدف أخوة المسلمین من خلال الترکیز علی الخلافات بین الشیعة والسنة .
حتی وصل الأمر بالمذاهب المختلفة إلی أن تعرضت إلی أبشع الجرائم علی ید التیارات المتطرفة في مختلف أنحاء العالم وباتت العائلات المسلمة تواجه أزمة خطيرة. ووجّه هذا التیار حتی الآن أنواع الازدراء والإساءة إلی كبار العلماء من السنة والشيعة مستخدماً کلمات بذیئة .
إن الحركات الراديكالية التي تتشكل تحت عنوان "التشیع البریطاني" هي أخطر بکثیر من الوهابيين والتيارات التکفیریة الأخرى التي نراها الیوم في العالم، ذلك أن هذه الحركات تختفي وراء الإمام الحسین(ع) وعاشوراء، وبهذه الطریقة تلحق أکبر الأضرار وأکثرها إیلاماً بالمذهب الشیعي الذي یمثل مدرسة حضاریة منطقیة وأبیة .
فالمذهب الشیعي لا یحتاج إلى بريطانيا، بل الذین لاذوا إلیها واحتموا في حضنها هم من یحتاجون إلیها ، ویجب أن نسأل ما هي الدوافع التي تجعل بریطانیا توفر لهم الملاذ الآمن؟ !
ويجب علينا أن لا نغفل أیضاً عن انتقاد الهيئات الدينية، ففي الفترات التي نسینا فیها هذا النقد برزت لنا ظواهر تفاعل معها المجتمع الدیني. لذا لا یجب اعتبار هذا النقد نبذاً للهیئات الدینیة والمواکب الحسینیة، لأن توجیه النقد لأمر ما لا یعني إطلاقاً إنکار أساسه وجذوره .
فالمذهب الشیعي مذهب حضاري وقوي إلی درجة لا تزعزعه الانتقادات ولا التشویهات مهام بلغت، والیوم علینا أن نقدم إلی العالم مراسیم عزاء منطقیة وحقیقیة .
هذه الهواجس موجودة عند قائد الثورة الإسلامیة الإيرانية ومراجع التقلید وکبار علماء الشیعة في جبل عامل والنجف الأشرف. فإذا عدنا إلی تصریحات قائد الثورة الإسلامیة الإيرانية على مدى السنوات الماضية ، لوجدنا علی سبیل المثال بأن سماحته قال في اجتماع مع رواديد وشعراء المنبر الحسيني: إن قلتم ألف مرة "يا حسين" فلا یضاف شيء إلى معرفة أحد، بدلاً من ذلك من الأفضل أن تختاروا آیة من القرآن الکریم أو حدیثاً شریفاً وتعلموه للناس، وهکذا کلما یخرجون من المجلس الدیني يضاف شيء جديد إلی معلوماتهم .
یجب أن نسعی إلی تقدیم صورة منطقیة من أهل البيت(ع) إلی العالم. وهذه المدرسة هي مدرسة مقدسة ولهذا نحن نرید أن نصونها ونحفظها ، ولا ینبغي أن یکون معنی النقد أن المنتقد یرید استهداف هذه المدرسة ، بل یجب تنقیة هذا المذهب من العناصر الإضافیة والخاطئة في سبیل عولمة المذهب الشیعي.
