الوقت- مياه سوريا الموحلة هذه الأيام أصبحت بمثابة فرصة للاحتلال الصهيوني، فبالتزامن مع الفوضى التي تشهدها سوريا بعد سقوط حكومة بشار الأسد، يقوم الصهاينة بتوسيع مناطقهم المحتلة، وخاصة في منطقة الجولان، ويبدو أن "إسرائيل" كان لديها حلم فوضوي بمنطقة الجولان المحتل.
وكانت مرتفعات الجولان جزءا من سوريا حتى عام 1967، عندما استولت "إسرائيل" على معظم الهضبة في ذلك العام في حرب الأيام الستة، ثم احتلتها وضمتها من جانب واحد في عام 1981، ولم تعترف معظم الدول بهذا الضم، وكانت الأمم المتحدة والعديد من الدول الأوروبية طالبت بانسحاب "إسرائيل" من الجولان المحتل حتى سقوط بشار الأسد.
والآن، وبعد سقوط حكومة بشار الأسد، قام الصهاينة بتوسيع منطقتهم المحتلة في الجولان، واحتلوا الآن ذلك الجزء من الجولان الذي كان تحت السيطرة السورية طوال السنوات الماضية.
وحتى سقوط حكومة الأسد، كانت قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (أوندوف) متمركزة على طول الجولان على شكل معسكر ونقاط مراقبة، وكانت مدعومة من المراقبين العسكريين التابعين لهيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة (UNTSO)وتوجد بين الجيشين الإسرائيلي والسوري "منطقة فصل" تبلغ مساحتها 400 كيلومتر مربع - يشار إليها غالباً باسم "المنطقة المدنية" - حيث يُحظر دخول القوات العسكرية من الجانبين بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
وبموجب اتفاق فصل القوات الموقع في الـ 31 من مايو / أيار 1974، تم إنشاء "خط ألفا" في غرب منطقة الفصل، والذي يجب أن تبقى خلفه القوات العسكرية الإسرائيلية، و"خط برافو" في الشرق، والذي يجب أن تبقى خلفه قوات الجيش السوري، كما أن هناك "منطقة محظورة" بعمق 25 كيلومتراً على جانبي "المنطقة الفاصلة"، حيث يواجه الطرفان قيوداً على نشر القوات وأنواع وكمية الأسلحة المسموح بها.
تغيير المعادلات
ويبدو أن الأمر الأول هو تغير المعادلات بعد سقوط حكومة بشار الأسد، ويبدو أن الصهاينة قد بدؤوا خططاً طموحة لتوسيع المناطق الخاضعة لاحتلالهم في المنطقة المحتلة من سوريا:
مضاعفة عدد سكان هضبة الجولان: تشير التقارير، بما في ذلك وكالة رويترز للأنباء، إلى أن الكيان الصهيوني وافق على مضاعفة عدد سكان هضبة الجولان، كما قال "بنيامين نتنياهو"، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، في بيان: "تعزيز الجولان يعزز إسرائيل، وهذه القضية ذات أهمية خاصة الآن، وأضاف "سنواصل الحفاظ على هذه (المنطقة) وازدهارها وبناء المستوطنات فيها".
وأعلن مكتب نتنياهو أيضا في بيان أن الحكومة صوتت بالإجماع لمصلحة ميزانية قدرها 40 مليون شيكل (11 مليون دولار) "لتشجيع النمو السكاني" في هضبة الجولان، وجاء في هذا البيان أن نتنياهو قدم هذه الخطة للحكومة "نظرا للحرب والجبهة الجديدة التي تواجهها إسرائيل في سوريا وبسبب الرغبة في مضاعفة عدد سكان الجولان".
وحسب أبراهام ليفين، المحلل في مركز ألما للأبحاث والتعليم، يعيش في هذه المرتفعات 31 ألف صهيوني، كما يتواجد هناك 24 ألف أقلية عربية درزية، معظمهم يعتبرون أنفسهم سوريين، وبعد أن ضمت "إسرائيل" الجولان إلى أراضيها، عُرضت على السكان الدروز في المنطقة الجنسية، لكن معظمهم رفضوها، محتفظين بهويتهم السورية، ويعمل العديد من سكان الجولان في الزراعة مثل كروم العنب والسياحة.
توسيع المناطق المحتلة في الجولان: من جهة أخرى، وفي أعقاب التقدم الجديد للكيان الصهيوني في سوريا، أعلنت وسائل إعلام هذا الكيان أن الجيش الإسرائيلي قد احتل أكثر من 370 كيلومتراً مربعاً من أراضي ذلك البلد، كما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات الكيان الصهيوني تتقدم نحو أطراف مدينة درعا القريبة من منطقة الجولان المحتل بتفجير حقل ألغام، وفي هذا الصدد، وافقت حكومة رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، على خطة تطوير المستوطنات الصهيونية في الجولان المحتل، مستغلة الأوضاع في سوريا.
لماذا عين تل أبيب الطامعة على الجولان؟
إذا أردنا أن نعطي أقصر إجابة عن سبب احتلال الكيان الصهيوني للجولان، فيمكن القول إن الخوف من التهديدات هو السبب الأكبر لاحتلال الصهاينة للجولان، وتعتبر سلطات تل أبيب منطقة الجولان بمثابة ممر لتهديد "إسرائيل" من الحدود السورية، وفي الوقت نفسه، ليس خوف "إسرائيل" من انعدام الأمن والهجوم من الجولان وحده هو الذي تسبب في احتلال هذه المنطقة، ولكن الجولان له أيضًا أهمية استراتيجية بالنسبة للصهاينة:
الاستيطان في الجولان مفتاح استمرار تكتيكات الاحتلال: أكد نتنياهو في كلماته الأخيرة على الاستيطان في الجولان، ومن الأفضل أن نعرف أن المستوطنات كانت دائماً مفتاح الاحتلال الصهيوني في مختلف المناطق. ومن وجهة نظر الصهاينة فإن بناء المستوطنات سيخلق حق الملكية للصهاينة، وهذا الأسلوب يمكن أن يوفر الأساس لضم المناطق المستوطنة بالكامل إلى المناطق المحتلة الأخرى.
وفي الجولان، يخطط نتنياهو لبناء مستوطنات صهيونية جديدة لتوفير الأرضية لضم هذه المناطق إلى مناطق محتلة أخرى، وفي هذا السياق، ورغم عدم موافقة الدول الأوروبية والأمم المتحدة على ضم "إسرائيل" للجولان، يبدو أن إدارة ترامب الأمريكية أعطت الضوء الأخضر لنتنياهو، وتشير بعض التكهنات إلى أن ترامب يسعى لإضفاء الطابع الرسمي على احتلال الجولان بواسطة "إسرائيل" لذلك، مع وصول ترامب، اكتسب الصهاينة المزيد من الشجاعة لاحتلال الجولان بالكامل.
إنشاء درع بشري: يجب أيضًا أن نأخذ في الاعتبار أن الكيان الصهيوني يحاول فعليًا خلق نوع من الإنسانية الخارقة في المناطق المحتلة من خلال بناء المستوطنات اليهودية وتوطين السكان المدنيين، حيث إن بناء المستوطنات الصهيونية بسبب استيطان السكان المدنيين سيقلل من احتمالية الهجمات الأجنبية على المناطق المحتلة بسبب وجود المدنيين، ونظراً لعدم قبول المجتمع الدولي والأمم المتحدة باحتلال الجولان من قبل الكيان الصهيوني، فإن الوضع في الجولان أكثر هشاشة بكثير من المناطق المحتلة الأخرى، وبالتالي سيكون من الأهم على الصهاينة أن يتدخلوا لخلق حالة إنسانية خارقة في الجولان من خلال الاستيطان.
تقاعس النظام الدولي: الاجتماع الدولي الأخير في العقبة بالأردن رافقه الإعلان عن طلب الدول المشاركة عدم احتلال الجولان وإعادة هذه المنطقة إلى سوريا، لكن بعد يومين من هذا الاجتماع انقلب الكيان الصهيوني وأعلن الموافقة على البناء الاستيطاني في الجولان. إن هذا الإجراء من تل أبيب يدل على عصيان هذا الكيان لكل مطالب وإجراءات النظام الدولي، ويبدو أن الآليات الدولية أيضا لا معنى لها بالنسبة للصهاينة، كما عصى الكيان الصهيوني مرارا وتكرارا قرارات وطلبات الأمم المتحدة، ومع ذلك، لا أحد بين القادة الغربيين والأمريكيين يعترض على هذا السلوك غير القانوني لتل أبيب.
