الوقت- تعتبر المستشفيات في شمال قطاع غزة، وعلى رأسها مستشفى كمال عدوان، شاهدًا على كارثة إنسانية غير مسبوقة، هذه المنشآت الطبية التي كان من المفترض أن تكون ملاذًا آمنًا للمرضى والمصابين، باتت الآن عاجزة تمامًا عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات الطبية.
من جانبه أوضح الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان، أن المستشفى يعاني من نقص شديد في جميع الموارد الطبية، بما في ذلك الأدوية الأساسية وأدوات الجراحة، وقال: "منذ بداية الحرب، تعرض المستشفى لاستهداف مباشر من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منه ونفاد الإمدادات الطبية، والمرضى يعانون بشكل يفوق الوصف، والأطباء يعملون في ظروف مستحيلة".
ومن بين الحالات المأساوية التي يشهدها المستشفى، حالة شاب يبلغ من العمر 30 عامًا تعرض لإصابات بالغة في ساقيه بسبب القصف، يقول الشاب: "نُقلت إلى المستشفى على عربة يدوية لأن سيارات الإسعاف غير قادرة على الوصول إلينا، أنا بحاجة إلى جراحة عاجلة لتركيب صفائح معدنية في ساقي، لكن الأطباء أخبروني أن المستشفى يفتقر إلى الأدوات اللازمة، الألم لا يُحتمل، ولا توجد أدوية مسكنة".
جرائم الاحتلال في بيت لاهيا: إبادة جماعية بحق المدنيين
في بيت لاهيا، أحد أكثر المناطق تضررًا في شمال القطاع، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة جديدة عندما استهدف منزلًا يضم عشرات المدنيين الذين لجؤوا إليه هربًا من القصف، ووفقًا للتقارير الطبية، أدى هذا القصف إلى استشهاد 50 شخصًا، بينهم نساء وأطفال، وإصابة العشرات بجروح خطيرة.
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني: "تلقينا نداءات استغاثة من داخل المنزل المستهدف، لكننا لم نتمكن من الوصول إليه بسبب القصف المتواصل، الأشخاص الذين كانوا في المنزل لجؤوا إليه معتقدين أنه سيكون مكانًا آمنًا، لكنه تحول إلى مقبرة جماعية".
كما يمثل الحصار المفروض على شمال غزة حربًا غير معلنة تستهدف كل مقومات الحياة، منذ أكثر من خمسين يومًا، يعيش السكان في ظروف إنسانية كارثية حيث انقطعت إمدادات الغذاء والماء والكهرباء تمامًا.
وفي هذا السياق يقول أحد سكان بيت لاهيا: "القصف لا يتوقف، والطعام والماء نفد من منازلنا منذ أيام، الأطفال يصرخون من الجوع، ولا نجد شيئًا نقدمه لهم، حتى المياه التي نشربها ملوثة، لكننا مضطرون لاستخدامها للبقاء على قيد الحياة".
وأضاف: "عندما يُقصف أحد المنازل، نحاول مساعدة الجرحى باستخدام وسائل بدائية مثل عربات اليد، ولكن غالبًا ما يستهدف الاحتلال كل من يحاول إنقاذ الآخرين، فقبل أيام قليلة، استشهد ستة من جيراني بينما كانوا يحاولون نقل جريح إلى المستشفى".
كما تعاني فرق الإنقاذ والدفاع المدني من ظروف عمل مستحيلة، فالمعدات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض غير متوافرة، والوقود اللازم لتشغيل الآليات نفد منذ أسابيع، يقول أحد عناصر الدفاع المدني: "نسمع صرخات استغاثة من تحت الأنقاض، لكننا عاجزون عن الوصول إلى المحاصرين بسبب نقص المعدات والقصف المستمر، وفي كثير من الأحيان، يتوقف صراخ المحاصرين بعد ساعات قليلة، ما يعني أنهم فارقوا الحياة".
الحصار "أداة حرب"
لا يقتصر العدوان الإسرائيلي على القصف، بل يشمل أيضًا استخدام الحصار كأداة لقتل المدنيين بشكل بطيء، حيث تمنع قوات الاحتلال دخول أي مساعدات إنسانية إلى شمال القطاع، بما في ذلك الغذاء والدواء والوقود.
وصرّحت منظمة الصحة العالمية بأن الوضع الصحي في غزة على وشك الانهيار الكامل، مشيرة إلى أن المستشفيات تعمل بطاقة تفوق قدرتها بكثير، بينما يعاني القطاع الصحي من نقص حاد في الأدوية والمعدات، وأضافت: "إذا استمر هذا الوضع، فإننا سنشهد كارثة صحية غير مسبوقة".
ووفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، تجاوز عدد الشهداء منذ بداية العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 43 ألف شهيد، فيما أصيب أكثر من 103 آلاف شخص بجروح متفاوتة، ومن بين الضحايا، آلاف النساء والأطفال الذين سقطوا في منازلهم أو أثناء محاولتهم الفرار.
المطالبات الدولية بوقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية
أمام هذا الواقع المأساوي، تتزايد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات إلى شمال غزة، الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان حذرت من أن الوضع في غزة يمثل "جريمة حرب" ودعت المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة: "استمرار الحصار والقصف يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ويجب على جميع الأطراف احترام حقوق المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية".
ولكن رغم هذه المناشدات، لا تزال الاستجابة الدولية والعربية أقل بكثير من المستوى المطلوب، بعض الدول قدمت مساعدات رمزية، لكن الحصار يمنع وصولها إلى شمال غزة.
وقال محلل سياسي: "المجتمع الدولي يتعامل مع الأزمة في غزة بازدواجية، بينما يتم التنديد بالجرائم، لا توجد خطوات فعلية لوقف العدوان أو محاسبة مرتكبي هذه الجرائم."
رغم كل ما يعانيه سكان شمال غزة من قصف وتجويع وحصار، لا يزالون صامدين في وجه الاحتلال، هذا الصمود الأسطوري يعكس إرادة شعب يرفض الاستسلام ويطالب بحقوقه المشروعة.
لكن يبقى السؤال المطروح: إلى متى سيستمر هذا الصمت الدولي؟ وهل سنشهد العالم يومًا يتحرك لإنهاء هذه المعاناة وإعادة الأمل إلى غزة؟