الوقت - في تصريحات تنمّ عن خطورة بالغة، أدلى الجنرال كينيث ماكينزي - الذي تبوأ منصب قائد القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، في الفترة الممتدة من عام 2019 إلى 2022، والمتهم الرئيسي في عملية اغتيال الشهيد سليماني - بمعلومات ذات أهمية قصوى في حوار أجراه مع الموقع الإلكتروني لمركز الدراسات الاستراتيجية "نيولاينز"، وفيما يلي جوهر ما جاء في إفاداته المثيرة للجدل:
إن ما أنجزته إيران على مدار العقد والنصف المنصرم، هو بناء قوة صاروخية باليستية ذات قدرات هائلة، هذه المنظومة الصاروخية الباليستية تتميز بقدرتها على اختراق الغلاف الجوي والعودة منه، لتصيب أهدافها بدقة متناهية.
إن ترسانة إيران الحربية تشتمل على صواريخ باليستية تكتيكية ذات إمكانيات ميدانية فائقة، وأقصد بذلك قدرتها على إطلاقها من عمق الأراضي الإيرانية، حيث يمكن لبعضها بلوغ تل أبيب، في حين تستطيع أخرى استهداف قلب المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، والمملكة الأردنية الهاشمية، فضلاً عن طائفة واسعة من الأهداف الاستراتيجية الأخرى في المنطقة.
وأردف قائلاً: علاوةً على ذلك، تمتلك إيران مجموعةً متنوعةً من الصواريخ قصيرة المدى، يُقدر تعدادها بالآلاف، والتي تتميز بقدرتها على استهداف نقاط محددة بدقة متناهية، كما أنها أحرزت تقدماً ملحوظاً ومثيراً للإعجاب، في تطوير منظومتها من صواريخ الكروز الأرضية.
تتميز صواريخ الكروز الأرضية الإيرانية بقدرتها الفائقة على التحليق على مقربة شديدة من سطح الأرض، متتبعةً بدقة متناهية تضاريسها المعقدة، حتى تبلغ غايتها المنشودة بكفاءة عالية، وتمتاز هذه المنظومة الصاروخية بمداها البالغ الاتساع، حتى أنها قد تطال، في ظروف معينة، الأراضي الإسرائيلية بكل يُسر وسهولة.
أما الشق الأخير من الترسانة الإيرانية المتطورة، فيتجلى في الطائرات المسيرة (الدرونز)، التي تُعدّ تتويجاً لمنظومة الدفاع الجوي الإيرانية الشاملة، وكما هو جلي للعيان، فقد برعت إيران في تطوير هذه التقنيات المتقدمة، وقامت بتصديرها إلى روسيا الاتحادية، حيث شهد العالم بأسره نتائج استخدامها المؤثر في ساحة المعارك الأوكرانية.
وعليه، فإنه عند تناول مسألة التهديد الإيراني الراهن، يتحتم على المحللين والاستراتيجيين إيلاء هذه المنظومات المتطورة عنايةً فائقةً، باعتبارها جوهر التحدي الاستراتيجي وأشدّ مكوناته خطورةً.
کما تمتلك إيران شبكةً واسعةً من الجماعات الوكيلة المنتشرة في أرجاء المنطقة، والتي تتمتع بالقدرة على شن عمليات ضد دول مختلفة، بل تنفيذ مهام خارج نطاق الشرق الأوسط في بعض الأحيان.
بيد أنه إذا ما استُطلع رأيي، فإن القدرات الجوهرية لإيران تتمثل في ثالوث قوتها الضاربة: الصواريخ الباليستية، وصواريخ الكروز الأرضية، والطائرات المسيّرة، وإن أي مواجهة محتملة مع إيران ستكون بمثابة حرب نيران بامتياز؛ صراعٌ تتجلى سماته البارزة في تبادل الضربات الصاروخية والقدرة على التصدي لها.
ولقد شهدنا في شهر نيسان/أبريل، كيف اتخذ المخططون الاستراتيجيون في الحرس الثوري بطهران، قراراً بتوجيه ضربة ذات شأن ضد "إسرائيل"، ونعني بـ"ذات شأن" أنهم أطلقوا ما يتراوح من 100 إلى 150 صاروخاً باليستياً.
إن النمط الهجومي الإيراني يتسم بالتعقيد والدقة، حيث يبدأ بإطلاق الطائرات المسيّرة وصواريخ كروز، كمقدمة للهجوم الرئيسي بالصواريخ الباليستية، والهدف العملياتي من هذا التكتيك، هو إرباك أنظمة الرادار المرتبطة بمنظومات الدفاع الجوي للخصم.
لقد شكّل الهجوم الإيراني على "إسرائيل" في شهر نيسان/أبريل، منعطفاً تاريخياً في الاستراتيجية العسكرية الإيرانية، إذ إنها المرة الأولى التي تنفّذ فيها طهران عمليةً بهذا الحجم والتعقيد، بيد أن ثمة عنصراً جوهرياً غاب عن المشهد، والذي من شأنه - حال مشاركته - أن يزيد من صعوبة الموقف على "إسرائيل" بشكل كبير، وهذا العنصر الغائب هو حزب الله اللبناني.
انخرط حزب الله منذ أشهر في اشتباكات انتقامية على الحدود الشمالية لـ "إسرائيل"، غير أن الحزب لم يستخدم بعد أقوى ترسانته الصاروخية، ولم ينخرط في المعركة بكامل قدراته، وأعني بذلك أنه إذا ما قرّر الحزب استخدام مئات الصواريخ دفعةً واحدةً، فإن بإمكانه إرهاق منظومات الدفاع الإسرائيلية بشكل كبير.
وفي تقديري، إذا ما قررت إيران شن هجوم جديد، فإنها ستعمد إلى فتح جبهات قتال جديدة ضد "إسرائيل"، إن احتمالية شن هجوم إيراني مجدد تبقى قائمةً، ولكن هذه المرة، من المرجح أن يترافق الهجوم الإيراني مع هجوم متزامن أو شبه متزامن من قبل حزب الله.
إن هجوماً بهذا الحجم والنطاق، من شأنه أن يُلقي بظلاله الثقيلة على "إسرائيل"، متجاوزاً في تأثيره وتداعياته ما شهدناه إبان هجوم الثالث عشر من أبريل، حيث تنكب إيران بكل ما أوتيت من عزم على تطوير قدراتها وتعزيز إمكاناتها، بينما تتمتع "إسرائيل" بميزة استراتيجية في هذه المواجهة، نظراً للبعد الجغرافي النسبي الذي يفصل بين ساحتي المعركة.
غير أن العامل الحاسم في هذه المعادلة المعقدة، سيتمثل في مدى نجاحهم في استمالة حسن نصر الله وإقناعه بتسخير الإمكانات الهائلة الموضوعة تحت تصرفه.
يتبوأ حزب الله اللبناني مكانةً کبيرةً كأعظم قوة عسكرية غير حكومية على الصعيد العالمي، إذ يمتلك في جعبته ترسانةً ضخمةً من الصواريخ عالية الدقة، وغيرها من الأسلحة المتطورة القادرة على توجيه ضربات موجعة لـ "إسرائيل".
وعليه، فإن انخراط حزب الله في غمار هذا الصراع، من شأنه أن يُحدث تحولاً جذرياً في موازين القوى، ويُعيد تشكيل المشهد الاستراتيجي برمته في المنطقة.
وفي الختام، نلقي الضوء على الحوثيين (أنصار الله)، فما لا مراء فيه أن هذه الجماعة قد ألقت بكل ثقلها في ميدان المعركة، إذ تحارب اليوم، في خضم هذه الظروف المتقلبة، بكل الحماسة والاندفاع، بيد أن قدرتها على إلحاق أذىً جسيم بـ "إسرائيل" تظل محدودة النطاق.
فرغم نجاحها المحدود في توجيه ضربة إلى تل أبيب مؤخراً، إلا أنه من غير المرجح أن تشكل تهديداً وجودياً لـ "إسرائيل"، لکن ما يقع ضمن نطاق إمكاناتها، هو الاستمرار في إحكام قبضتها على مضيق باب المندب، ما سيلقي بظلاله الثقيلة على حركة الملاحة الدولية، ويضع الولايات المتحدة في موقف بالغ الحرج، ومن المتوقع أن يستمر هذا النهج في المستقبل المنظور.
وفي سياق متصل، لا يُستبعد أن تنخرط بعض الفصائل في سوريا والعراق في أتون هذا الصراع، كما أن حركة حماس، على الأرجح، لن تقف مكتوفة الأيدي، وإذا ما اندلعت شرارة هذا الهجوم، فمن المحتمل أن نشهد تحركات في الضفة الغربية أيضاً.
إن قناعتي الراسخة تشير إلى حتمية وقوع هذا الهجوم؛ والسؤال المحوري يدور حول توقيته، لکن المتغير الأكثر أهميةً وحسماً في هذه المعادلة المعقدة، يكمن في الموقف الذي سيتخذه حزب الله.
