الوقت- مؤخراً، أعلن موقع "أكسيوس" الأمريكي أن الولايات المتحدة الأمريكية كثفت جهودها للحد من التوترات المتزايدة بين كيان الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله اللبناني ومنع الصراعات الحدودية، وأفاد الموقع بأن أي حادث حدودي صغير بين الكيان وحزب الله سوف يتصاعد بسرعة إلى صراع أكبر بكثير في لبنان، وربما تكون له عواقب إقليمية أوسع، حيث إن التوترات بين "إسرائيل" وحزب الله تتصاعد منذ أشهر بحجة الخيمة التي نصبها هذا الحزب شمال الخط الأزرق بين الأراضي المحتلة ولبنان،
وفي الوقت الحالي، يعترف ضباط "إسرائيل" بأن تل أبيب قد لا تكون قادرة على شن حرب قد تتطور إلى مواجهة متعددة الجبهات على الصعيدين العسكري والداخلي مع الفصائل الفلسطينية، بل توقعوا أن تتعرض لضربة هائلة يمكن أن تؤدي إلى خسائر كبيرة، وفي هذا السياق، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي مراقبة ورصد الأوضاع على الجبهة الشمالية بين فلسطين ولبنان، وتزيد احتمالات اندلاع المواجهة في الوقت الحالي.
مساعٍ أمريكيّة لطمأنة الكيان
في الوقت الذي تشير فيه التقارير المُكثّفة في وسائل الإعلام الإسرائيلية حول احتمال اندلاع مواجهة قريبة مع حزب الله، أكد الموقع الأمريكيّ نقلا عن مصادر أمريكية وصهيونية أن عاموس هوشستاين، كبير مستشاري الطاقة والبنية التحتية في إدارة جو بايدن، سيصل إلى بيروت للتحدث مع كبار المسؤولين اللبنانيين، وقال مصدر أمريكي مطلع على الأمر، إن عاموس هوشستين سيعمل على تهدئة التوترات الحدودية، وأفاد مسؤولون إسرائيليون أيضًا بأن بريت ماكغورك، كبير مستشاري بايدن لشؤون الشرق الأوسط، وباربرا ليف، الدبلوماسي البارز لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية، التقيا مع يوآف غالانت، وزير الحرب الإسرائيلي، في نيويورك يوم الثلاثاء الفائت، وبحثا التوترات على حدود فلسطين المحتلة وناقشا موضوع لبنان.
وكشف موقع أكسيوس أيضًا أن الولايات المتحدة تضغط على الحكومة والجيش اللبنانيين منذ أشهر لاتخاذ خطوات لتفكيك خيمة حزب الله، وتمت إزالة جزء منها منذ ذلك الحين؛ لكن التوترات لا تزال مرتفعة، حيث تبادل الجانبان التهديدات العلنية، وخاصة في الأسبوع الماضي، وإضافة إلى ذلك، قال غالانت إنه التقى بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في نيويورك يوم الاثنين وشدد على الحاجة الملحة لتدخل الأمم المتحدة للحد من التوترات من خلال تعزيز سلطة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل) وضمان إطلاق سراحهم، وزعم جالانت أن "إسرائيل" لن تتسامح مع التهديدات المتزايدة ضد أمن مواطنيها وستتخذ الإجراءات المناسبة للدفاع عنها.
وعلى النقيض من ذلك، السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله يوم الاثنين أكد أيضا أن أي عمل عسكري يقوم به الكيان الإسرائيلي في لبنان، بما في ذلك اغتيال مسؤولين لبنانيين أو فلسطينيين أو غيرهم، سيجبر هذا الحزب على الرد، ووفقًا لمصادر أمنية في تل أبيب، تُظهر التقديرات العسكرية في الكيان احتمال اندلاع تصاعد في الأوضاع مع المقاومة اللبنانية، وتصاعد التوتر في الشمال الفلسطيني مع احتمالية دخول مواجهة عسكرية جديدة، وعبّر العديد من الخبراء والمحللين المختصين في شؤون الدفاع في الكيان عن قلقهم العميق بشأن قوة الجيش البري الإسرائيلي، ولاحظوا أن آخر معركة شهدها الجيش الإسرائيلي كانت في حرب تشرين/أكتوبر عام 1973، وأشاروا إلى أن قادة العدو يتجنبون بشكل حذر الدخول في أي حرب جديدة بسبب الثمن الباهظ المرتبط باستخدام الجيش البري في العمليات التي يشنوها ضد الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وهذا يأتي في ظل النجاحات الكبيرة التي حققتها المقاومة اللبنانية، ممثلةً في حزب الله، في مواجهة "إسرائيل"، حيث نجحت في فرض معادلات جديدة وتغيير الموازين في ميدان القتال.
حربٌ ليست لمصلحة الإسرائيليين
تعتمد القوة العسكرية لحزب الله على أبعادها العقائدية والمادية، وقد أثرت هذه القوة بشكل كبير على المستوى المحلي وعلى مستوى الإقليم بأكمله، يتوجب الإشارة إلى أن النقاش حول قوة الوحدات البرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي أصبح محوريًا في الأوساط السياسية والعسكرية، وبعض الآراء تشير إلى أنه إذا كانت الانتقادات تصل إلى وحدات البرية في الجيش الإسرائيلي، فإن ذلك يعني أن الحديث عن قوة هذه الوحدات لا يمكن اعتباره دقيقًا.
ومن الجدير بالذكر أن "إسرائيل" تواجه تحديات حقيقية في مواجهة حزب الله على الجبهة الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة إلى التوترات المستمرة مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة، الذي يحاصرها منذ عقد ونصف، مع وجود تقارير إعلامية تشير إلى أن حسن نصر الله، ربما يكون سعيدًا بالتطورات الأخيرة في "إسرائيل"، ولقد أدى وضع مقاتلي حزب الله قرب الحدود إلى تغيير استراتيجية الأمور وإلى تولي قادة السلطات في الشمال الفلسطيني مسؤولية كبيرة، حيث يواجهون تحديات جديدة بالنظر إلى الوجود المستمر لمقاتلي حزب الله على مسافة قريبة من الحدود، وفي ضوء التطورات النوعية في قدرات حزب الله على الصعيد العسكري، فإن ترسانته قد ازدادت من حوالي 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل حرب عام 2006 إلى تقديرات تشير إلى وجود حوالي 150 ألف صاروخ وقذيفة حسب بعض التقديرات، بما في ذلك تقديرات مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، ويتفق الإعلام الإسرائيلي وبعض المسؤولين على هذه الأرقام.
وبجانب هذا التطور في الترسانة، فقد ازداد عدد مقاتلي حزب الله بشكل كبير، فمنذ حرب عام 2006، ارتفع عددهم من عدة آلاف إلى أكثر من عشرين ألفاً، وفقًا للتقديرات ذاتها، ويعترف بعض كبار قادة المؤسسة الأمنية في كيان الاحتلال الإسرائيلي بأن الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني ليست جاهزة وليست مستعدة لمواجهة عسكرية، ويعاني المجتمع الإسرائيلي من تحديات متعددة بما في ذلك عقدة عدم الانضباط وعدم القدرة على التصرف وفقًا لتوجيهات الجبهة الداخلية، ولاحظ أن "إسرائيل" أقرت في أكثر من مناسبة بأن ترسانة حزب الله أصبحت أقوى من ترسانة العديد من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) من حيث العدد والنوعية."
بالمقابل، تدرك تل أبيب تمامًا أن قوة المقاومة اللبنانية العسكرية تعتمد أساسًا على كمية ونوعية الصواريخ التي يمتلكها حزب الله، وعادةً ما يستخدم الحزب الصواريخ والقذائف كأسلحة هجومية في استراتيجيته، إضافة إلى وحدات المشاة الخفيفة والأسلحة المضادة للدبابات، لا يمكن نسيان الدور المهم للطائرات المسيرة في ترسانة حزب الله، وسبق أن أشار الإعلام الإسرائيلي إلى مدى تأثير حزب الله على تدريبات الجيش الإسرائيلي السابقة وكيف أن هذا الأمر لا يزال يشكل قلقًا كبيرًا بالنسبة للكيان الإسرائيلي، سواء من قادة الجيش أو المستوطنين، يُشير العديد من التقارير إلى أن حزب الله يمتلك كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للطائرات والقذائف المضادة للسفن، إضافة إلى آلاف القذائف المضادة للدبابات التي يجيدها أعضاؤه بمهارة، تشمل نقاط قوة حزب الله التكتيكية التغطية والإخفاء، والنيران المباشرة، وإعداد المواقع القتالية.
وتقديرات العدو تشير إلى وجود حوالي 45,000 صاروخ قصير المدى يمكنها التغطية على مسافة تصل إلى 40 كيلومترًا، إضافة إلى 80,000 صاروخ من الفئة المتوسطة والطويلة المدى، والذي يتميز بدقته، وهذه العناصر تجعل قوة حزب الله تعتبر تهديدًا جادًا في المنطقة، وإن التهديد الذي يتم التركيز عليه بشكل متزايد في الفترة الأخيرة هو تهديد الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة المهاجمة التي تعمل على انخفاض ارتفاعها.
ومع ذلك، هناك تحدٍ إقليمي لم تتم مناقشته بما يكفي، وهو تهديد الصواريخ الهايبر، التي تتجاوز سرعتها سرعة الصوت بعدة مرات، يتميز هذا النوع من الصواريخ بأن أهدافها ومساراتها غير متوقعة تمامًا، منذ إطلاقها حتى تحقيقها لأهدافها المقصودة. وبالتالي، فإن قدرات حزب الله العسكرية تفوق بكثير ما يُعرف به على الساحة الدولية، وهذه القدرات تزداد تطورًا باستمرار.
تل أبيب مجبرة على استراتيجيّة التهدئة
يجبر هذا الوضع العدو الصهيوني على الاستمرار في وضع خطط مستقبلية للتهدئة مع المقاومة اللبنانية، على الرغم من تردد المسؤولين العسكريين الإسرائيليين في إعداد وتجهيز المواطنين الإسرائيليين لحرب محتملة مع حزب الله، هناك سيناريو مرجعي يشير إلى وجود تهديد كبير من الصواريخ والإصابات الجسدية التي لم تشهدها "إسرائيل" منذ تأسيسها في نكبة فلسطين، وهذا الوضع يجعل من الضروري دائمًا الاستعداد لأي تطورات محتملة في المنطقة، حيث تعرّضت قوة الردع الإسرائيلية ضد حزب الله لأضرار كبيرة وفشلت بشكل ملحوظ، وذلك خصوصًا في ضوء الأزمة الداخلية التي عاشها الإسرائيليون.
وبالتأكيد، يُظهر تقرير الإعلام الإسرائيلي أن حزب الله حقق انتصارات على جميع الأصعدة، ما كشف عن ضعف الردع الإسرائيلي وأكّد أن حزب الله لا يخشى الرد العسكري الإسرائيلي. من ناحية أخرى، يُظهر التدخل الأمريكي في محادثات لإيجاد حلول مع حزب الله أن "إسرائيل" تواجه ضعفًا أكبر في الوقت الحالي.
وبناءً على ذلك، تتجنب القيادات الإسرائيلية الدخول في حروب محتملة مع لبنان، خوفًا من أن تتطور هذه الحروب إلى نزاعات واسعة النطاق قد تكون غير مفيدة بالنسبة لـ"إسرائيل".
وهذه المعركة لن تكون في مصلحة تل أبيب أبدًا، وسيكون لديهم صعوبة في التعامل معها بشكل فعّال، وتدرك قوات الأمن والجيش الإسرائيلي أن أي عملية عسكرية ضد حزب الله ستواجه ردًا قويًا من الحزب، حيث سيكون لديهم عملية تستهدف جبهة "إسرائيل" الداخلية، وخاصة بعدما حققت المقاومة اللبنانية "حزب الله" انتصارات كبيرة على الصهاينة، وفرضت تغييرات على المحاور القتالية معتمدة على القوة العسكرية بأبعادها العقائدية والمادية.
كما أنها أحدثت تأثيرًا كبيرًا على المستوى المحلي وتأثيرًا إقليميًا واسعًا، وفقًا لتحليلات المحللين، فإن "إسرائيل" ليست قادرة على حسم المعركة ضد حزب الله على الجبهة الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة، فالكيان الصهيوني يعيش في حالة من التراجع الكبير بما يتعلق بقوته وردعه، وصوت تهديده قد انخفض بشكل كبير عن مستواه السابق، وقد أصبحت لديهم مشكلة استراتيجية حيث تتآكل قدرتهم على التصدي للتحديات.
هذا يأتي على خلفية تزايد التوترات والانقسامات الداخلية في تل أبيب، ما يجعلهم في موقف ضعيف، والأعداء الإسرائيليون يدركون تمامًا هذه القضية.
