الوقت - لم ينسَ المغربيون قضية الدم الملوث بالإيدز، حتى اشتعلت قضية البسكويت الملوث بمواد مخدرة، لتفتح الباب واسعاً عن الهدف وراء دخول القطاع الصحي في هذه السجالات التي لا تنتهي، والتي هي موضع تساؤل جدي، إذ إنها في تماس مباشر مع حياة الناس، وأمنهم الصحي.
وحصلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على ملف قضية “الدم الملوث” في منتصف شهر حزيران (يونيو) 2023، والتي تعود إلى منتصف عام 2019 ، وقدمت شكوى مفادها بأنه تم “نشر دم ملوث بالإيدز انطلاقا من مركز تحاقن الدم بالدار البيضاء في عام 2019″، زاعمة أن “وزير الصحة والحماية الاجتماعية كان على دراية بالموضوع وتم نقل الدم الملوث لسيدة دون علمها”.
وذكرت تقارير مغربية، أن أحد الأشخاص تبرع بدمه في عام 2019 في أحد المراكز الطبية بالدار البيضاء، وأظهرت التحاليل أنه مصاب بفيروس الإيدز، ولكن حدث خطأ ما، تسبب في توزيع الدم على بعض المصحات، وتم حقنه لشخصين، وفقًا للاتهامات الموجهة.
وأعرب هشام رحيل، رئيس ديوان وزير الصحة والحماية الاجتماعية عن استغرابه من هذا الادعاء، مشيراً إلى تناقضه، إذ إنه كلام خطير جدا وعلى الإنسان أن يتحمل مسؤولية ما يقوله.
وأكد رحيل أن هذا الخطأ لا يمكنه الوقوع أبدا، لأن الآلة التي تصنع الدم ليست إنسانا، وهذه الآلة التي ترصد إصابة الدم بمرض معين تقوم آليا بإتلاف الدم المصاب.
وطالب رحيل بمعرفة الذين أنجزوا هذا التقرير، لافتاً إلى أنه خطاب فتنة، وطمأن المغاربة بأن كل من يتبرع بدمه أو يستلم دماء متبرع بها فهي آمنة وسليمة ولا تحتوي على أي إصابة لأن الآلة التي تصنع الدم تقوم آليا بتدمير الدم الملوث ولا تخرجه في الأصل.
وقد أثارت قضية الدم الملوث الكثير من الجدل والاستنكار في المجتمع المغربي إذ تسود موجة قلق واسعة أرعبت الكثيرين وترددت أصداؤها عند جمهور عريض من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما رفضته مديرة المركز الجهوي لتحاقن الدم بجهة الدار البيضاء وعدته ضرباً في سمعة الوطن"، واصفة إياه بـ «الفتنة» المرفوضة.
من الدم الملوث بالإيدز إلى البسكويت الملوث بالمواد المخدرة
وفي خضم الجدل المحتدم بشأن الدم الملوث بالإيدز تتكشف قضية البسكويت الملوث التي فجرتها النائبة البرلمانية حنان أتركين، عضو فريق حزب الأصالة والمعاصرة، إذ دعت وزير الفلاحة إلى سحب “بسكويت” بحجة أنه “ملوث بمادة مخدرة خطيرة”.
فقد حذرت الوكالة الإسبانية لسلامة الغذاء والتغذية من وجود مخدر خطير في بسكويت، يتم تسويقه أيضا في عدد من الأسواق الممتازة في المغرب، إذ قامت السلطات الصحية الإسبانية بسحب البسكويت من السوق وحذرت كل أوروبا، ونصحت المواطنين الذين يحتفظون بنفس البسكويت برقائق الشوكولاتة الخالية من الغلوتين من ماركة .Gerblé في المنزل بعدم تناولها.
وبينت الوكالة الإسبانية أن البسكويت المذكور يحتوي على مخدر البوروندانغا، المعروف أيضًا باسم سكوبولامين، والذي يُعتبر مادة خطيرة تُستخدم في جرائم الاغتصاب وتسبب آثارًا قوية على الجسم والعقل.
وعلى الرغم من أن كاتالونيا في إسبانيا اكتشفت التلوث أولاً، إلا أن السلطات الصحية المغربية لم تتدخل بعد لإخضاع المنتج المذكور للتحليلات اللازمة، للوقوف على مدى مطابقته للمعايير الصحية، وصلاحيته للاستهلاك.
وعلى الرغم من أن للسكوبولامين استخدامات طبية، إلا أن استخدامه في البسكويت يشكل تهديدًا خطيرًا على سلامة المستهلكين.
وقالت أتركين، في سؤال كتابي موجه إلى الوزير المعني، إن العديد من الأسواق الممتازة في المغرب “ما زالت تعرض في رفوفها بسكويت ثبت تضمنه لمخدر خطير (البوروندانغا) من طرف الوكالة الإسبانية لسلامة الغذاء والتغذية، وهو الأمر الذي زاد الهواجس لدى أوساط الرأي العام المحلي في المغرب، ما استدعى تفاعلا سريعا من الجهات المختصة، ولا سيما بعدما صارت هذه القضايا حديث الصحف والمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي.
وأضافت أتركين: إن السلطات الإسبانية عمدت إلى سحب البسكويت من أسواقها وتحذير الدول الأوروبية من الاستمرار في تسويقه، بالنظر إلى خطورته على صحة الإنسان، فيما لم تتدخل بعد السلطات الصحية في المغرب لإخضاع المنتج المذكور للتحليلات اللازمة، مشيرة إلى أنها لاحظت أن ذلك البسكويت ما زال يباع في العديد من الأسواق الممتازة، ولم يجر لحد الآن تقديم المبررات المستند إليها لاستمرار تسويقه وبيعه، على الرغم من الإجراءات المتخذة بخصوصه في دول أجنبية.
وأوضح المكتب الوطني للسلامة الصحية في رد أولي أنه لم يجرِ استيراد أو تسويق أي دفعة من بسكويت “Gerblé” الملوث، وأن رقائق الشوكولاتة الخالية من الغلوتين من البسكويت التي نبهت السلطات الفرنسية إلى احتوائها على “قلويدات التروبان”، لا توجد في الأسواق المغربية.
وأضاف المكتب إن هناك إجراءات صارمة فيما يتعلق بمراقبة المنتجات الغذائية المستوردة، “وفي حالة ملاحظة عدم المطابقة، يتم إرجاع المنتجات المعنية إلى بلد المنشأ ولا يُسمح بطرحها في السوق الوطنية، مشيرا إلى أنه قام بتعزيز الضوابط المفروضة على استيراد البسكويت المعني لمنع إدخاله إلى الأراضي المغربية.
وقدّمت البرلمانية أتركين تساؤلاً للوزير المختص عن الإجراءات المتخذة من أجل سحب هذا البسكويت الملوث من الأسواق الممتازة المغربية، وتقديم المبررات المستندة إلى خبرة طبية علمية، في حال استمرار بيع هذا المنتج بالأسواق الممتازة المغربية، انطلاقاً من الحفاظ على سلامة المواطنين وعلى الصحة العامة.
وقد حذرت الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك بالمغرب من استهلاك بسكويت تابع للعلامة التجارية الفرنسية "جريبل"، استنادا لما أفادت به الوكالة الإسبانية للأمن الغذائي حول توزيعه في مختلف الأسواق الأوروبية، مشيرة إلى احتمال دخوله للأسواق المغربية.
وأكد المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بالمغرب في بلاغ له، أنه "لم يتم استيراد أو تسويق أي حصة من بسكويت كوكيز بقطع الشوكولاتة الخالي من الغلوتين للعلامة التجارية الفرنسية جريبل في السوق المغربي، مشيراً إلى الحصص المعنية بإشعار السلطات الفرنسية والإسبانية، ومؤكدا أنه تم تعزيز المراقبة عند الاستيراد لتفادي دخولها إلى المغرب، كما شدد على أنه لا يسمح بالدخول إلى التراب الوطني إلا للمنتجات الغذائية المطابقة لمعايير السلامة الصحية".
بعد إثارة مواضيع تهديد الأمن الصحي للمغاربة، بات الجمهور أكثر تخوفاً، والسلطات أكثر حذراً، فهل ستتوقف الشبهات والاتهامات عند هذا الحد؟ أم ستحمل الأيام القادمة أخطاراً جديدة كان على الجهات الصحية أن تكون أكثر حذراً في التعامل معها؟
