الوقت- أفادت مصادر إعلامية بأن قوات الأمن البحرينية قامت بجمع عدد من الرموز والأعلام المتعلقة بالحداد خلال شهر محرم من الشوارع والساحات واستمرت في ممارسة سياسة التضييق على أتباع أهل البيت علیهم السلام ومنعهم من إقامة مراسم الحداد في ذكرى واقعة كربلاء.
وذكرت بعض المصادر أن تصرف السلطات البحرينية هذا ينسجم مع سلسلة الاضطهاد التي تمارس على الأغلبية الشيعية في هذا البلد.
من جهته أعلن تحالف 14 فبراير البحرين أن تدخل آل خليفة في مراسم عاشوراء الحسين علیه السلام وصل إلى مستوى لا يمكن أن يظل صامتًا عليه، حيث تجاوز جميع الحدود والخطوط الحمراء.
ودعا هذا التحالف إلى إقامة أكبر احتفال لإحياء ذكرى الحسين علیه السلام في عاشوراء هذا العام والمشاركة الفعالة في مواكب عاشوراء ووفود البحرين ومشاركة وتفعيل شعار عاشوراء البحريني (القول منا قولك) على المنابر وعلى لافتات عاشوراء في الشوارع وعلى أسطح المنازل.
مع بداية شهر محرم، شددت آل خليفة قيودها على الشيعة. وفقًا للمنطق القبلي للنظام السياسي في البحرين، وكذلك استنادًا إلى الحقائق والأرقام، تعرض المواطنون الشيعة، وهم أحد المكونات الرئيسية للمجتمع البحريني، للتمييز والحرمان الممنهجين من قبل آل خليفة.
في الواقع، فإن وضع التمييز في البحرين هو عكس البلدان الأخرى. عادة ما يتم تنفيذ السياسات والإجراءات المتعلقة بالتمييز والحرمان في جميع البلدان فيما يتعلق بالأقليات. لكن التمييز ضد الشيعة في البحرين يحدث في حين أن أكثر من 75٪ من سكان البلاد هم من الشيعة.
بينما كان الشيعة البحرينيون يستعدون لمراسم محرم وعاشوراء ويرفعون الأعلام السوداء على الطرق العامة كما كان الحال قبل مئات السنين، كشفت سلطات البلاد معارضتها لهذه الطقوس.
نظام آل خليفة من الأنظمة الأكثر قمعا في الشرق الأوسط
وصفت منظمة فريدوم هاوس الدولية مؤخرا في تقرير لها النظام الخليفي بأنه أحد أكثر الأنظمة قمعا في الشرق الأوسط، وأدرجت البحرين مجددا ضمن الدول “غير الحرة”، و اعتبرت المنظمة أن النظام الملكي الذي يقوده السنة، واحد من أكثر دول الشرق الأوسط قمعية، إذ ألغى بشكلٍ منهجي مجموعة واسعة من الحقوق السياسية والحريات المدنية، وفكك المعارضة السياسية، وقمع بشدة المعارضة المستمرة المتركزة بين السكان الشيعة، وخاصةً منذ أن سحق بعنفٍ حركة الاحتجاجٍ الشعبية المؤيدة للديمقراطية عام 2011”.
ويهيمن النظام الملكي في البحرين و الذي يقوده السنة على مؤسسات الدولة في ظل انتخابات غير تنافسية أو شاملة لمجلس النواب. وشهدت انتخابات مجلس النواب عام 2018 حظر مشاركة الجمعيات السياسية المعارضة، وعدم السماح لترشيح أي شخصٍ ينتمي إلى هذه الجمعيات، وسط انتخاباتٍ لم تتحقق فيها العدالة، كما تم تغييب المواطنين من أبناء الطائفة الشيعية، والذين يشكلون غالبية المواطنين، في حين يواجه الصحفيون عقبات قانونية أمام ممارسة عملهم حيث تستخدم الأجهزة الأمنية شبكة من المخبرين و تراقب الاتصالات الشخصية للنشطاء و المنتقدين و أعضاء المعارضة حيث تم اختراق الهواتف المحمولة لتسعة ناشطين سياسيين بحرينيين، باستخدام مجموعة برامج التجسس بيغاسوس عامي 2020 -2021.
من جانب آخر يواجه رجال الدين الشيعة وقادة المجتمع مضايقات مستمرة إضافة إلى الاستجواب والمحاكمة والسجن، كما تم هدم أو تخريب ما يقدر بخمسةٍ وأربعين موقعًا دينيًا شيعيًا عام 2011.
نهضة الشعب البحريني
خلال أكثر من 11 عامًا، حين اتّخذ المحتجون خطوات غير مسبوقة للتّحرك الجماهيري والمطالبة بالإصلاح والحقوق السياسية، أصبحت البحرين أكثر قمعًا مما كانت عليه - ولا تزال شريكًا وثيقًا للولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول غربية أخرى.
حقيقة الأمر هي أن حملة القمع في البحرين لم تبدأ في العام 2011، بل بدأت في أغسطس/آب 2010. في العام 2001، عندما قال (الأمير آنذاك) حمد بن عيسى آل خليفة إنه سوف يطرح ملكية دستورية، غيّر الدستور من جانب واحد ليجعل نفسه ملكًا، وليجعل البحرين مملكة ، ثم أنشأ برلمانًا ليس له سلطات تشريعية أو مساءلة، أو رقابة. في الواقع، أنشأ نظامًا أصبح فيه ديكتاتورًا أكثر من والده.
تستخدم الحكومة البحرينية الورقة الطائفية منذ وقت طويل جدًا، تمامًا كما تفعل الحكومة السّعودية وغيرها في العالم العربي. تستخدمها لخلق هوة بين المجتمعات، لجعلها أقل تسييسًا بطريقة ما، ولكن أيضًا لجعل تعبئة النّاس أكثر صعوبة، ولجعل الاحتجاجات والهتافات تتعلق بطوائف معينة، لا بحقوق الإنسان والكرامة.
عندما نشرت دول مجلس التعاون الخليج الفارسي قوة درع الجزيرة في البحرين في العام 2011، لم تقل إنّها تهدف لسحق الثورة، بل قالت إن الهدف منها "حماية" البحرين من "التّدخل الأجنبي". وهناك الكثير من الناس، بما في ذلك في الخليج، الّذين دعموا الاحتجاجات في عدد من الدّول في العالم العربي، لكن توقفوا عندما وصل الأمر إلى البحرين، لأن الحكومتين البحرينية والسعودية تلاعبتا بهذه الورقة الطائفية، واستخدمتا إيران كفزّاعة، لإبعادهم عن تقديم الدّعم لها.
القمع الطائفي في سجون آل خليفة
أصبح التغني و التفاخر بشعارات الحريات الدينية في البحرين كذبة مكشوفة للملأ وتدليسا لا مثيل له فالتضييق على شيعة البلاد ومنعهم من إحياء شعائر خلال موسم عاشوراء وتمزيق يافطات عاشوراء و التهديد و الوعيد لخطباء المنابر الحسينية ما هو إلا تكريس للهيمنة و التسلط و المعاناة التي تعيشها الطائفة الشيعية في البحرين. و مساعي النظام الخليفي البحريني لطمس معالم ذكرى عاشوراء و تقييد إحياء مراسمها يظهر جلياً في سجن جو المركزي حيث كشف معتقلون سياسيون في السجن عن قيام إدارة السجن بمنعهم بشكل رسمي من القيام بأي مراسم عاشورائية بحجة وجود مخالفات.
مع حلول شهر محرم الحرام، منعت السلطات البحرينية، إقامة مراسم الإحياء لذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، حيث اقتحمت قوات الأمن تجمع المعزّين المشاركين في مجالس العزاء والمواكب الحسينية و أقدمت على إزالة اللافتات الحسينية من بلدات بحرينية عدة من بينها المصلى والسهلة الجنوبية والبلاد القديم، وذلك في إطار استمرار سياسة منع المسلمين الشيعة من إحياء ذكرى عاشوراء وإجراءات استفزازية تثير الضمير الديني ومحاربة للمظاهر الحسينية.
تبقى الإشارة في الختام، إلى أنَّ السجناء السياسيين في سجون آل خليفة ينتمون إلى الطائفة الشيعية، وهو ما يكشف أزمة "ثقة" بين النظام وهؤلاء المواطنين الذين يشكلون حوالى 60% من السكان، رغم تأثيرات "التجنيس السياسي" الذي يستهدف التغيير الديموغرافي في التركيبة السكانية للبلاد. من هنا، ينبغي تفهّم مطالب أفراد هذا المكوّن الاجتماعي الواسع في البحرين، والنظر في المظالم التي يعانونها، والتي تتلخّص في الأساس في التجهيل السياسي وانعدام العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة.