الوقت - مع تبلور أجواء خفض التوتر في المنطقة، جاءت إحدى أولى ثمار ذلك في تعزيز السلام والاستقرار في غرب آسيا فيما يتعلق بالأزمة في سوريا.
بعد وقت قصير من الاتفاق بين السعودية وإيران في آذار(مارس) من العام الماضي، استعادت دمشق مقعدها في جامعة الدول العربية، والذي كان في أيدي المعارضة لعدة سنوات.
طبعاً، هذا الانتصار الكبير للحكومة السورية كان له وجه آخر أيضًا، وهو توجيه ضربة قوية لمجموعات المعارضة وما تبقى من جبهات داخلية وخارجية للمعارضة السورية في المجال السياسي، وقد تسبب في أنه بعد الهزيمة في مجال البنية والقوة العسكرية للخصوم في الميدان، في مجال الدبلوماسية أيضًا تلفظ هذه المجموعات أنفاسها الأخيرة.
لكن على جبهة المعارضة، تبذل جهود أيضًا لمنع انقلاب المعادلة على حساب جبهة الإرهابيين، ولهذا الغرض تمت خلال الأيام الماضية تحركات لإعطاء تنفس اصطناعي لمن يسمون معارضين معتدلين من أجل استمرار حياتهم، وبدعم خارجي عادت بعض الشخصيات البارزة السابقة في المعارضة إلى الظهور على شكل تنظيم جديد يسمى "المجلس العسكري"، لبدء العمل في الفترة الجديدة التي تشهد تطورات سياسية متسارعة في سوريا.
من هو مناف طلاس؟
يترأس هذا التنظيم الجديد مناف طلاس، نجل مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري الأسبق، وأحد أقرب الشخصيات العسكرية للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.
وصل مناف مثل والده إلى رتب عسكرية عالية في الحكومة السورية، وكان قائد اللواء 104 في الجيش المتمركز في دوما والحرس الرئاسي. لكن مع بداية الأزمة الداخلية، بعد فترة من الوقت في تموز/يوليو 2012، انضم إلى جبهة المعارضة وأصبح عمليًا أبرز مسؤول عسكري منفصل عن حكومة دمشق. ولهذا السبب، بات محط الاهتمام والدعم على الفور من قبل وسائل الإعلام والحكومات التي أججت الأزمة في سوريا لقيادة المعارضة.
ومع ذلك، تم تهميش مناف من ميدان المنافسة الشديدة لجماعات المعارضة المسلحة في وقت أبكر بكثير مما توقعه، وأصبح عملياً شخصيةً منسيةً، وفي هذه السنوات كان مشغولاً بالمرح في الدول الأوروبية، وخاصةً فرنسا.
والآن وبعد غياب طويل عن المشهد السياسي، عاد مناف بمشروع يسمى "حركة التحرير الوطني"، يدعو إلى توحيد جميع القوى العسكرية الوطنية السورية وقوى المعارضة المدنية تحت قيادة واحدة.
طبيعة المجلس العسكري للمعارضة
بالتأكيد، مثل كل التيارات الإرهابية والسياسية المعارضة لدمشق، فإن الدعم الخارجي جزء لا يتجزأ من ظهور التنظيم الجديد الذي أعلن عنه العميد مناف طلاس.
وفي هذا الصدد، زعم موقع الخليج أونلاين، نقلاً عن مصدر مطلع على الترتيبات المتعلقة بالمجلس العسكري، أنه قبل الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا، تم وضع الأساس لاتفاق على إنشاء ودعم هذا التنظيم بين الرياض وباريس.
يذكر في بيان قصر الإليزيه حول الموضوعات العامة للمحادثات بين ابن سلمان وماكرون، دون ذكر التفاصيل، أنه تمت مناقشة "الأزمة في سوريا". كما نقلت صحيفة القدس العربي عن مصدر في قيادات المجلس العسكري، أن اجتماعات هذا المجلس بحضور وفد أمريكي كانت على مستوى "رفيع".
تعتبر الولايات المتحدة من أهم الفاعلين المعارضين لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ومن ناحية أخرى تتجاهل أي طلب دولي لإنهاء احتلال شمال هذا البلد، والاعتراف بالسيادة الإقليمية للحكومة السورية.
وقد اتهم الروس أمريكا مرارًا بالتخطيط لإحياء تنظيم داعش الإرهابي في سوريا لإعادة عدم الاستقرار إلى هذا البلد، وقد تكون المشاركة في مشروع تشكيل المجلس العسكري خطوةً أخرى في هذا الاتجاه.
بالتأكيد، بعد تعزيز الموقف السياسي للحكومة السورية بعد العودة إلى الجامعة العربية، ورغبة الدول العربية في استئناف وتعزيز التعاون مع دمشق، وبالنظر إلى القدرة العسكرية للخصوم في الميدان والتي تقترب من الصفر، يبدو عمل التنظيم العسكري الجديد لإعادة تنظيم المعارضة في جبهة واحدة واستقطاب القاعدة الشعبية صعباً للغاية ومستحيلاً، لدرجة أنه حتى شبكة الجزيرة القطرية، التي كانت الجهاز الإعلامي الرسمي للمعارضة والإرهابيين خلال الأزمة في سوريا، عنونت عودة مناف بافتتاحيتها بـ"عودة الابن الضال"، لإظهار عمق الإحباط من القدرة الضئيلة لهذه اللعبة السياسية الجديدة.
لكن مناف وأنصاره حاولوا البدء بقوة وصخب للتنظيم الجديد. ونقلاً عن القدس العربي، فقد بدأ هذا التنظيم الجديد عمله الأسبوع الماضي ببيان بالفيديو أدلى به 4 ملثمين مجهولي الهوية ودون تحديد رتبهم العسكرية(يزعم المجلس العسكري أنهم مؤلفون من عسكريين بارزين داخل سوريا وخارجها)، ونشر إعلانات ورقية في مختلف محافظات سوريا، مثل قلعة دمشق، ومسجد خالد بن الوليد في حمص والتي كانت من أشهر المناطق التي انطلقت فيها التظاهرات ضد النظام عام 2011، وقلب مدينة حلب ومنطقة درعا البلد مهد الاحتجاجات، ومدينة نصيب على الحدود مع الأردن، ومدينة يدودا بريف درعا الغربي، ومدينة سلمى في جبال اللاذقية.
وفي هذا البيان الموجه إلى الشعب السوري، تثار قضايا مثل نزوح ملايين السوريين، وظروف معيشية غير مواتية ومعقدة بفعل الأزمة الاقتصادية، ووجود انعدام الأمن في المدن، وتحركات الميليشيات المسلحة والتدخل الأجنبي وعيرها، وأخيراً يتم التأكيد على أن حل المأساة وإعادة إعمار سوريا "لا يمكن إلا بإزاحة رأس النظام القائم". وفي حديث آخر، قال مناف إن تحقيق ذلك يتطلب "مظاهرات وتضامن السوريين بكل الأعراق".
هذا الإجراء من قبل المجلس العسكري، هو الإعلان الثاني عن وجوده هذا العام. حيث إنه قبل أشهر تلا العقيد أحمد القنطري عضو المجلس العسكري بياناً يدين الحوار بين أعضاء الائتلاف الوطني السوري برئاسة سالم المصلط وممثلي الحكومة، والذي اعتبر في دوائر المعارضة انقلاب المجلس العسكري الجديد على المعارضة السورية الرسمية.
المجلس العسكري؛ الطفل الذي ولد ميتاً
لعل أكثر ما يثير السخرية في تصريحات المجلس العسكري في الأيام الماضية، هو ادعاء التنسيق مع قسم كبير من الجنود والضباط الساخطين في الجيش السوري، أكثر من ادعاء قيادة المعارضة والحصول على دعم شعبي.
وكان مصدر خبر صحيفة القدس العربي في هذا الصدد، هو عضو المجلس العسكري المسمى العقيد أحمد القنطري الذي ادعى أن هناك اتفاقًا بين ضباط محليين وأجانب وتنسيقاً رفيع المستوى بينهم.
وتأتي هذه المزاعم في حين أن المجلس العسكري ليس له قوة عسكرية على الأرض، وليس له عملياً أي قوة في المجال العسكري يمكن حتى أن تثير قلق دمشق بشأن تواصل ضباط الجيش مع هذا التنظيم.
وكتبت الجزيرة عن ذلك: "الحقيقة الواضحة جداً التي أمامنا هي أن هذا الاقتراح قد فشل مسبقًا، ولن تؤتي أهداف مؤسسي المجلس العسكري والداعمين من ورائهم ثمارها، لأن الوضع العسكري في سوريا معقد للغاية، وليس من السهل إيجاد اتفاق بين السوريين داخل وخارج البلاد".
