الوقت_ مؤخراً، أشار مركز أبحاث الأمن الداخلي التابع للكيان الصهيوني إلى أن تل أبيب خوفا من المواجهة مع حزب الله، ألقت باللوم على الفصائل الفلسطينية في الهجوم الصاروخي من جنوب لبنان، مؤكداً أن الردع الإسرائيلي ضد حزب الله قد فشل، في الوقت الذي تحول فيه حزب الله اللبنانيّ إلى قوّة تملك من الجهوزية والحنكة السياسية، والقدرات العسكرية ما لم تمتلكه بعض الدول، وتأكيد العديد من الخبراء والمُختصين والمُحللين للشؤون العسكريّة في "إسرائيل" عن خشيتهم العارمة من أيّ حرب جديدة خشية الثمن الباهِظ، والدليل اعترف خبراء وباحثون إسرائيليون في دراسة بحثية نشرها مركز دراسات الأمن الداخلي للعدو الصهيوني التابع لجامعة تل أبيب، بأن "إسرائيل" فقدت قوتها الرادعة ضد حزب الله وأن القرار على صناع القرار في تل أبيب تبني استراتيجية مناسبة لاستعادة الردع الإسرائيلي قبل فوات الأوان.
انتصار على كل المستويات
يعتقد الخبراء الذين عملوا على هذه الدراسة أن العملية التي جرت في 14 آذار (مارس) الماضي في منطقة مجدو بالقرب من مدينة جنين تؤكد بوضوح أن قوة الردع الإسرائيلية ضد حزب الله تضررت وفشلت بشكل كبير، وخاصة في ظل الأزمة الداخلية التي وقع فيها الإسرائيليون، رغم أن حزب الله لم يعلن صراحة مسؤوليته عن عملية مجدو، ومدى تأثير الحزب في الهجوم الصاروخي الأخير من جنوب لبنان على المستوطنات الإسرائيلية غير معروف، لكن التقديرات تشير إلى أن الصواريخ التي أطلقت من جنوب لبنان كانت تحت إشراف وسيطرة حزب الله.
واستكمالا لتقرير مركز أبحاث الأمن الداخلي لكيان الاحتلال، ذكر خبراء صهاينة حقيقة أن "إسرائيل" تلقي باللوم على الفصائل الفلسطينية في الهجوم الصاروخي من جنوب لبنان، والتي عملت في الواقع لصالح حزب الله وجعلت هذا الحزب ينتصر على جميع المستويات، بطريقة كشفت تآكل الردع الإسرائيلي وأثبتت أن حزب الله لا يخشى الرد العسكري الإسرائيلي، ومن ناحية أخرى إن عدم اتهام حزب الله بتنفيذ الهجوم الصاروخي المذكور أعلاه يدل على أن "إسرائيل" كانت تبحث عن طريقة لتبرير عدم الرد على هذا الطرف.
وفي الوقت الذي تحدث المركز الصهيوني أنه في الفترة الأخيرة ازداد الشعور بالقوة لدى السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، يواجه هذا الموضوع "إسرائيل" بتحديات معقدة، وخاصة من ناحية كيف يمكن لإسرائيل أن تحافظ على ردعها ضد حزب الله وحماس دون أن يؤدي ذلك إلى صراع عسكري كبير؟، وعلى الرغم من ضرورة قيام "إسرائيل" بعمليات عسكرية للرد على حزب الله من أجل استعادة ردعه حسب التقرير، فإن ذلك سيكون له العديد من التبعات الاستراتيجية التي يجب على الإسرائيليين الانتباه لها، لذا فإن أي عملية عسكرية ضد حزب الله سيكون رد الحزب قاسيا وسينفذ حزب الله عملية ستوجه ضربة كبيرة لجبهة "إسرائيل" الداخلية.
وبما أنّ المقاومة اللبنانيّة المتمثلة في "حزب الله" حققت انتصارات كبيرة على "إسرائيل" وفرضت معادلاتها وغيّرت المحاور القتالية، بالاستناد إلى القوة العسكريّة بأبعادها العقائدية والماديّة، وأحدثت وقعها وصخبها على المستوى المحليّ وعلى امتداد المنطقة، فإن "إسرائيل" ليست قادرةً على حسم المعركة لا ضدّ حزب الله على الجبهة الشماليّة للأراضي الفلسطينة المحتلة، ولا ضدّ حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزّة المحاصر منذ عقد ونصف العقد، وذلك بالاستناد إلى أن قدرات حزب الله شهدت نقلة نوعية كبيرة على الصعيد العسكري، إذ زادت ترسانته من الأسلحة من نحو 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل حرب 2006 إلى ما يقدر بـ150 ألف صاروخ حسب بعض التقديرات، ومنها تقدير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، وكذلك الإعلام الاسرائيلي ومسؤوليه، وقد زاد عدد مقاوميه من بضعة آلاف عام 2006 إلى أكثر من عشرين الفاً إبان الحرب حسب التقديرات نفسها، بات العدو يضع سيناريو يُرجّحه للحرب المقبلة في لبنان، وهو ثلاثمئة قتيل إسرائيليّ خلال تسعة أيام، وليس هذا فحسب بل تتوّقع تل أبيب أنْ يُطلق ما معدّله 1500 صاروخ يوميًا من لبنان، كما عسكريون صهاينة في وقت سابق.
ويشار إلى أن قوة المقاومة اللبنانية العسكرية تستند على كمية ونوعية الصواريخ التي يمتلكها حزب الله، وتستخدم استراتيجية الحزب عادةً القذائف والصواريخ كأسلحة هجومية، إضافة إلى وحدات المشاة الخفيفة والدروع المضادة للدروع، فضلاً عن الطائرات المسيّرة، وتظهر الدراسة الجديدة مدى تأثير حزب الله على الكيان، الذي لا يزال هاجسه كما كان في السابق، أيْ نفس الهاجس، الذي يقُضّ مضاجع الإسرائيليين، قيادةً ومستوطنين.
ومن الجدير بالذكر أن حزب الله يمتلك كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للطائرات والقذائف المضادة للسفن، فضلًا عن آلاف من القذائف المضادة للدبابات التي يتمتع عناصره بمهارات في استخدامها، وتشمل نقاط القوة التكتيكية لحزب الله التغطية والإخفاء، والنيران المباشرة، وإعداد المواقع القتالية، فيما ترجح تقديرات العدو أن لدى المقاومة اللبنانية 45000 صاروخ قصيرة المدى تصل إلى 40 كم، من دون قذائف الهاون التي يمتلكها التنظيم إلى جانب 80000 صاروخ متوسط وطويل المدى يتميز بدقته، وفقاً لتقارير إعلاميّة.
ردعٌ إسرائيليّ متراجع
يتساءل الإسرائيليلون حاليّاً عن كيفية دفع معادلة الردع لدى حزب الله الاحتلال الإسرائيلي إلى الوراء، مع تأكيد مسؤولين صهاينة أن قوة الردع الإسرائيلية تضررت، وحسب التقرير الصادر عن مركز أبحاث الأمن الداخلي الصهيوني، يعتبر حزب الله اليوم رأس الحربة الرئيسي للمقاومة التي تشكل تهديداً استراتيجياً ضد إسرائيل، وقد سجل حزب الله خلال العامين الماضيين عدة إنجازات، منها منع تحليق الطائرات الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية، وتوسيع نطاق المقاومة في الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، والصراع مع جيش العدو الإسرائيلي على الجبهة الشمالية.
واستكمالا لهذا التقرير أكد الباحثون الصهاينة أن الشعور بالأمن الذي يشعر به نصر الله بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و"إسرائيل" (فلسطين المحتلة) يعتبر إنجازا لحزب الله، وهو ما تحقق بعد تهديدات الحزب ضد "إسرائيل"، والآن مثل غيره من أعضاء محور المقاومة، يعتبر حزب الله أزمة الكيان الداخلية انعكاسًا واضحًا لضعف قضية "إسرائيل" في جميع المجالات، وحسب تقديرات حزب الله، تلحق ضرراً جسيماً بالقوة العسكرية للكيان.
وبالتالي، لم يعد الحديث عن التآكل الخطير للموقف الاستراتيجي للكيان الصهيوني مجرد وجهة نظر وصفية أثارها محور المقاومة وأعداء هذا الكيان العنصري، ولكن تم التعبير عن هذه المسألة مرات عديدة في الفترة الأخيرة من قبل كبار المسؤولين الإسرائيليين، وفي آخر قضية اعترافات بهذا الخصوص، حذر فرع المخابرات العسكري التابع للكيان الصهيوني (أمان) رئيس الوزراء ووزير الحرب ورئيس مجلس الأمن الداخلي لهذا النظام من تداعيات الانهيار على موقع الكيان الاستراتيجي.
في النهاية، إن حقيقة أن دائرة المخابرات العسكرية للكيان الصهيوني ترفع صوتها في المرحلة الحالية وتعترف بأن الموقف الاستراتيجي والردع لإسرائيل آخذان في التآكل، يرجع إلى حقيقة أن هذا الكيان يمر بأزمة خطيرة، سببها الرئيسي هو تمزق وتعميق الانقسامات الداخلية للصهاينة، وهي فجوة يدركها أعداء إسرائيل جيدًا، وعليه وبعد الهجوم الصاروخي الذي تم في منتصف شهر رمضان من جنوب لبنان باتجاه المستوطنات الصهيونية في شمال فلسطين المحتلة، نصحت هيئة الأركان العامة للجيش والمخابرات التابعة للعدو الصهيوني (أمان) بذلك لتجنب الدخول في حرب واسعة النطاق، ويجب على الكيان الرد على الهجوم الصاروخي من جنوب لبنان بهجمات محدودة على مواقع حركة حماس في غزة ولبنان مع الابتعاد عن أي معركة ليست في مصلحة الكيان كما ينصح العسكريون الصهاينة.
