الوقت- في موقف تستخدم فيه أمريكا وشركاؤها الغربيون الإرهاب الاقتصادي كأداة مهمة لإضعاف منافسيهم أو إخضاعهم للركوع، فإن الحكومات المستهدفة لا تقف مكتوفة الأيدي وتحاول تحييد هجوم هذا الشكل من الحرب غير المتكافئة باستخدام إجراءاتها التفاعلية والمتبادلة من أجل تحمل أقل قدر من الضرر في هذه الحرب. وفي هذا الصدد، يعد العثور على شركاء تجاريين واقتصاديين جدد وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الشركاء المقربين من بين أهم هذه السياسات التفاعلية التي دفعت طهران وموسكو نحو التعاون الاستراتيجي أكثر من الماضي.
وفي هذا الصدد، كتبت فورين بوليسي: "إيران وروسيا أصبحتا أقرب من أي وقت مضى. لقد شكلوا جبهة قوية ضد القوى الغربية لعقود من الزمان، على الرغم من أن العلاقة تميزت تاريخيًا بعدم الثقة والحذر في بعض الأحيان. فقد غيتر الحرب في أوكرانيا كل شيء، مما أجبر موسكو على قبول إيران كأحد شركائها الأجانب من أجل الحصول على المعدات التي تحتاجها من طهران وإيجاد طريقة لإنقاذ اقتصادها المحظور".
كما زعمت ناشونال إنترست أن شراء إيران لطائرة سوخوي 35 أخطر مما تعتقد، وكتبت: إن "شراء إيران لطائرة سوخوي 35 ليس صفقة دفاعية بسيطة فحسب، بل هو أيضًا علامة على عمق التعاون الاستراتيجي بين طهران وموسكو". بينما تميل بعض التقييمات الغربية إلى التقليل من أهمية الشراء والادعاء بأنها لن تغير بشكل خطير ميزان القوة الجوية في الخليج الفارسي، إلا أنه من المؤكد أن توفر طائرة Sukhoi-35 الروسية دفعة غير مسبوقة لسيطرة طهران على المجال الجوي الإيراني.
كما كتبت مجلة فوربس العسكرية: "بعد تسليم 24 طائرة روسية الصنع من طراز سوخوي 35، تخطط إيران لبناء بقية احتياجاتها (ربما تصل إلى 60 طائرة) داخل إيران بالتعاون مع روسيا. وشراء هذا العدد من المقاتلات والحصول على التكنولوجيا التي تصنعها إيران هو انتصار كبير لإيران".
من ناحية أخرى، فإن هذه التفاعلات الاستراتيجية ليست فقط في المجال الدفاعي والعسكري، وبعد توقيع اتفاقية المنطقة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية وإطلاق الممر الشمالي الجنوبي، الذي أدخل العلاقات التجارية بين إيران وروسيا إلى مرحلة جديدة من التفاعلات، وهذه المرة مشروع آخر على جدول أعمال البلدين وإضافة إلى الخطط السابقة، يمكن تطوير العملية التجارية بين الجانبين بسرعة عالية. وتسعى جمهورية إيران الإسلامية وروسيا، اللتان تتجهان بشكل متزايد نحو تحالف استراتيجي في السنوات الأخيرة، إلى إنشاء طريق جديد للسكك الحديدية بهدف تجاوز العقوبات الغربية المفروضة على صادراتهما.
مشروع تجاري.. 25 مليار دولار بين إيران وروسيا.. وثيقة فشل العقوبات الغربية
في هذا الصدد، كتبت بلومبرج: "روسيا وإيران تبنيان طريقًا تجاريًا عابرًا للقارات بمليارات الدولارات من الاستثمارات الجديدة التي تمتد من الحافة الشرقية لأوروبا إلى المحيط الهندي، وهو ممر يصل طوله الى3000 كم (1860 ميلاً) وهو بعيد عن متناول أي تدخل خارجي. وينفق البلدان مليارات الدولارات لتسريع نقل البضائع على طول الأنهار والسكك الحديدية المتصلة ببحر قزوين.
كما ذكرت وكالة الأنباء الأمريكية هذه أنه في ظل ضغوط العقوبات الشديدة، تتجه روسيا وإيران تجاه بعضهما البعض، وفي الوقت نفسه، ستتجه كلاهما أيضًا نحو الشرق. وحسب معطيات وكالة بلومبرج للأنباء، فإن هذا الطريق يبدأ من بحر آزوف (الجزء الشمالي من البحر الأسود)، بما في ذلك ميناء ماريوبول الرئيسي في أوكرانيا ومصب نهر الدون، وبعبور نهر آزوف سوف يعبر من بحر قزوين، ويمتد إلى الخليج الفارسي وينتهي أخيرًا في المحيط الهندي.
ويُظهر مسار السكك الحديدية المائي هذا الذي يعبر الأنهار والسكك الحديدية في البلدين كيف يحاول البلدان استخدام كل قدراتهما ضد أعدائهما ضد ضغوط الغرب. وتُظهر بيانات تتبع السفن التي جمعتها بلومبرج أن عشرات السفن الروسية والإيرانية، بما في ذلك تلك الخاضعة للعقوبات، تسير في هذا الطريق. ويقال إنه سيتم استثمار حوالي 25 مليار دولار لزيادة حجم التجارة في هذا السكة الحديدية والممر المائي.
والطريق الجديد هو استمرار للممر بين الشمال والجنوب، وأجزاء من هذا الطريق التجاري تتداخل مع الممر السابق، وبالتالي فإن العديد من البنى التحتية جاهزة، وبالتالي لن يواجه البلدان صعوبة كبيرة في بناء هذا الممر. وفي الأشهر الأخيرة، كانت هناك اجتماعات عديدة بين المسؤولين الإيرانيين والروسيين في عاصمتي البلدين، ويظهر الاتجاه التجاري بين الحليفين اتجاهاً متنامياً. وبتوقيع عقود جديدة وإطلاق ممرات سكك حديدية وممرات مائية، من المتوقع أن يصل مستوى التجارة بين البلدين إلى أكثر من 5 مليارات دولار في المستقبل القريب.
وحتى وفقًا للاتفاقيات الموقعة مؤخرًا في طهران من قبل سلطات البلدين، فقد تم النظر في سقف 40 مليار دولار للتفاعلات الثنائية في المستقبل. ولقد وضعت الحكومة الثالثة عشرة استراتيجية التطلع إلى الشرق في مقدمة سياستها الخارجية، وبذلت جهودًا مضاعفة في تطوير العلاقات مع الدول الآسيوية، وخاصة روسيا وأوراسيا، ووقعت العديد من العقود مع دول المنطقة في السنة الماضية.
قلق أمريكا من المشروع الاستراتيجي الجديد بين طهران وموسكو
في مثل هذا الموقف، أعلنت الولايات المتحدة، التي تخشى أي اتفاق بين إيران وروسيا وتعتبره تهديدًا لنفسها، عن هذا المشروع الجديد في العالم ضد سياساتها وتحاول منع تحقيق هذه الخطط. وقال مسؤولون أمريكيون إنهم يراقبون عن كثب الممر لأنهم يزعمون أنه يمكن استخدامه أيضًا لنقل أسلحة إيرانية إلى روسيا ضد أوكرانيا. وقال روبرت مالي، ممثل الولايات المتحدة لشؤون إيران: "لقد اتخذوا قرارًا ضارًا للغاية ومتهورًا ومن المهم لفت الانتباه إليها لتظهر للعالم أنهم لا يستطيعون إخفاء أي شيء عنا".
وقال جيمس أوبراين، كبير مسؤولي العقوبات الأمريكية، بعد الإعلان عن العقوبات الجديدة الأسبوع الماضي التي تستهدف المديرين التنفيذيين في السكك الحديدية الروسية: "هذا مجال نراقبه بعناية شديدة، سواء هذه القضية أو العلاقة بين إيران وروسيا بشكل عام". واضاف "نشعر بالقلق ازاء اي محاولة لمساعدة روسيا في الالتفاف على العقوبات". اللافت للنظر أن تطورات الأشهر القليلة الماضية أظهرت أنه كلما زادت الضغوط الغربية على روسيا وإيران، زادت إرادة البلدين في التعامل مع الضغوط الغربية.
من كان يظن؟!
وفي هذا الصدد كتب موقع راديو فاردا: "من كان يظن قبل ستة أشهر أن إيران ستصبح موردا للعديد من احتياجات روسيا؟" ويكتب هذا الموقع الأمريكي أثناء استعراضه لتحليلات الإعلام الروسي: "هناك مجالات عديدة للتعاون بين روسيا وإيران بداية من إصلاح الطائرات وحل أزمة النقل الجوي إلى بناء خطوط السكك الحديدية وإنتاج التوربينات وغيرها".
