الوقت – تم احتجاز إنريكي مورا، نائب مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي وخبير حلف شمال الأطلسي في مجال حرب الشبكات، في مطار فرانكفورت بعد عودته من إيران.
تم نشر هذا الخبر الغريب لأول مرة من قبل هذا الدبلوماسي الأوروبي على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي.
كتب مورا أنه اعتقل من قبل الشرطة الألمانية لساعات وأن وثائقه، بما في ذلك جهاز الكمبيوتر المحمول والهاتف المحمول، قد تمت مصادرتها!
بعد هذا الحادث، أعلن مسؤول أمني ألماني أن هناك سوء فهم، وأن دبلوماسيًا أوروبيًا احتجز بالخطأ بسبب تأخيرات في الرحلات ومشاكل في النظام في المطار.
وكتبت صحيفة بوليتيكو الأمريكية في استكمال هذا السيناريو، أن مورا اضطر لتغيير تذكرة سفره عدة مرات بسبب تغيير خططه في طهران؛ وقد يكون هذا الأمر أدى إلى إرسال تنبيهات تلقائية إلى شرطة الحدود.
وأصبحت قضية اعتقال مسؤول سياسي أوروبي في ألمانيا مثيرةً للاهتمام، عندما أعلن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، أنه ينتظر تلقي معلومات جديدة من إنريكي مورا حول الملف النووي ومحادثاته مع إيران. وقبل سفره إلى طهران، أعلن مورا أنه سيتوجه إلى إيران لفتح عقدة المحادثات.
يبدو أن اعتقال أحد كبار المسؤولين السياسيين في الاتحاد الأوروبي، يتجاوز الخطأ المنهجي عند بوابة المراقبة في المطار. لأنه تم استجواب مورا في مركز الشرطة بعد احتجازه قرابة 40 دقيقة، وتم مصادرة هاتفه الخلوي وجهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به أيضًا.
بالنظر إلى الحصانة الدبلوماسية وقوانين العبور في أوروبا، فضلاً عن تقديم وثائق الهوية مثل جوازات السفر وأوراق المهمة عند بوابة الدخول، فإن هذا الإجراء يجعل القصة غريبةً بحيث تتجاوز حدوث خطأ بسيط.
كان اعتقال عميل الناتو السابق في حرب البلقان خطوةً معدةً مسبقًا، للوصول إلى ملاحظاته ومعلوماته عند عودته إلى أوروبا.
في قضية اعتقال إنريكي مورا في أوروبا، يمكن رؤية بصمات جهازي الموساد ووكالة المخابرات المركزية سيئتي السمعة بوضوح. وخاصةً أن ألمانيا لطالما عُرفت بأنها البوابة الاستخباراتية والأمنية لوكالات التجسس.
إن نفوذ عملاء الموساد ووكالة المخابرات المركزية في هذا البلد الأوروبي، هو بحيث أن الشرطة الفيدرالية الألمانية وجهاز الأمن الألماني ليس لهما سيطرة على أداء العناصر الأجنبية، ويعملان فقط على مستوى التحكم والرقابة. وهذا جعل معظم الدول الأوروبية ملاذات آمنة لأجهزة المخابرات الأمريكية والصهيونية.
على سبيل المثال، الدنمارك هي قاعدة للعديد من الجماعات الإرهابية المسلحة التي تعادي إيران؛ وعلى الرغم من التحذيرات الدبلوماسية العديدة لكوبنهاغن، فإن الدنماركيين ليس لديهم أي سلطة عملية للتعامل مع هذه العصابات الإجرامية، لأنهم يخضعون للمظلة الأمنية للموساد ووكالة المخابرات المركزية.
هناك عدة نقاط مهمة يجب أخذها في الاعتبار فيما يتعلق باعتقال إنريكي مورا والحصول علی معلوماته في مطار ألمانيا:
1. قبل زيارته لطهران، كان إنريكي مورا قد صرح بأنه يسعى "لكسر الجمود" في محادثات فيينا، معربًا عن أمله في التوصل إلى اتفاق بين الغرب وإيران. وقد أظهر اعتقال المبعوث الأوروبي في فرانكفورت، أن هناك اختلافًا جوهريًا في الرأي بين أوروبا والولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي.
وبينما قال جوزيف بوريل، رئيس مورا في بروكسل، إنه متفائل بشأن آفاق المباحثات، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض جينيفر ساكي إن رفع جميع العقوبات يشمل شروطاً غير نووية، ولن تتسامح الولايات المتحدة مع ذلك، وهو التصريح الذي يختلف جذرياً عما أعلنه نظيرها الأوروبي.
يأتي وصف الأمريكيين رفع جميع العقوبات واستفادة إيران من الاتفاق النووي بأنه موضوع غير نووي، في حين أن طهران لم تطالب الغرب بأي شيء يتجاوز عودة جميع الأطراف إلى اتفاق 2015!
2. إنريكي مورا متخصص الناتو في مجال حرب الشبكات أثناء العدوان الأمريكي في منطقة البلقان، وإحدی أهم الرسائل الأمنية التي يتم تدريسها حالياً عن الحرب في يوغوسلافيا كتبها هذا الدبلوماسي الأوروبي.
إن معاملة واشنطن الغريبة لمورا هي علامة على وجهها الحقيقي. عندما لا يظهر الأمريكيون حسن النية تجاه وكيلهم السابق ويشوهون مصداقيته أمام الجميع مثل منديل يمكن التخلص منه، فكيف سيلتزمون باتفاق يفتقر إلی ضمانات؟
3. أظهر اعتقال الدبلوماسي الأسباني المخضرم من قبل الأمريكيين في ألمانيا، أن أوروبا ليس لديها سلطة عملية للوفاء بالتزاماتها، والدليل على ذلك هو تمديد المادة 1245 من قانون الدفاع الوطني للسنة المالية 2012، بهدف حظر بايدن للنفط الإيراني.
بعد تمديد الحظر النفطي على إيران، أعلن الرئيس الأمريكي أن انسحاب إيران من سوق الطاقة لن يؤثر على الأسعار العالمية، وهذا التحرك من قبل واشنطن يشير إلى استمرار سياسات ترامب من قبل الجانب الأمريكي.
إن الجولة الجديدة من العقوبات الشکلية ستکلف الجانب الأوروبي غالياً بدلاً من التأثير على إيران، حيث كشفت واشنطن، من خلال اعتقال مورا، عن دورها المعرقل في التوصل إلى اتفاق.
4. أرادت أوروبا أن تتخذ مبادرةً فرديةً وأحاديةً لإنجاح محادثات فيينا لمصلحتها، لكن العملية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة في اعتقال دبلوماسي أوروبي ماهر، أحبطت هذه الخطوة الأوروبية.
إن تمديد الحظر النفطي وإصدار قائمة جديدة من العقوبات ضد المواطنين الإيرانيين، أکثر ما يهمّ طهران فإنه يحمل رسالةً للأوروبيين مفادها بأن أي اتفاق من دون إذن أمريكي باطل! ويعتقد بعض المعلقين السياسيين أن الخلاف بين أوروبا والولايات المتحدة سيظهر بسرعة.
5. اعتقال إنريكي مورا في ألمانيا علامة مهمة على هزيمة الجانب الغربي، ونجاح الفريق المفاوض الإيراني في مفاوضات فيينا. فالجانب الإيراني غير مستعد لتقديم تنازلات للأمريكيين، والتفاهم دون رفع العقوبات والاستفادة من الاتفاق لا معنى له.
يقال إن أوروبا تعتبر مطالب طهران منطقيةً وجزءاً من تطبيق الاتفاق النووي، لکن اعتقال مسؤول أوروبي وتنفيذ جزء آخر من العقوبات وتمديده، هو تبلور "المنطق الأمريكي" في المفاوضات، وممارسة الغطرسة علی جميع الأطراف. لکن إيران ردَّت بشكل جيد علی هذه الأطماع في المنطقة وخلف طاولة المفاوضات.
من ناحية أخرى، فإن زيارة إنريكي مورا إلى طهران، إضافة إلى إظهار الوجه الحقيقي لمنطق الدبلوماسية الأمريكية، هي تجربة مهمة لوزارة الخارجية الإيرانية.
إن الموفدين الغربيين، مثل مورا، إما يتم استجوابهم من قبل الأمريكيين، أو يتجسسون ضد إيران مثل عملاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويضعون معلومات المواقع الإيرانية على مكتب الموساد ووكالة المخابرات المركزية. کما أن استقبال الأوروبيين في هذه المرحلة الحاسمة من المفاوضات، لا يؤدي إلا إلى زيادة أعذار الجانب الغربي.
تعامل طهران مع الحكومات الغربية تابع لموقف مؤسس الجمهورية الاسلامية الإمام الخميني في قضية روبرت ماكفرلين، مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد رونالد ريغان. فطهران لا تصدِّق المقترحات الملونة لأعدائها، ولا توقِّع تفاهمًا لا يخدم مصالحها.
نتيجة الاتفاق النووي تتوقف على قرار الجانب الأمريكي، وهي العودة إلى عام 2015 من دون أعذار دبلوماسية و مجاملات! وطهران ليست في عجلة من أمرها لتحقيق أهدافها، بل هذه واشنطن التي تساوي كل ثانية بالنسبة لها ألف ساعة، لسحب آخر جندي لها من المنطقة.
