الوقت- إن عودة انتفاضة الفلسطينيين في أجزاء مختلفة من الأراضي المحتلة والضفة الغربية وغزة يكتسب زخماً في المجتمع الدولي منذ عدة أيام. حيث أصدر الكيان الصهيوني أمراً بالإجلاء القسري للعائلات الفلسطينية في منطقة الشيخ جراح والهجوم على المسجد الأقصى في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، تلاه ذلك اندلاع حرب غزة والاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى والقتل الوحشي للأطفال الفلسطينيين.
وعلى الرغم من أننا نشهد هذه الأيام رد فعل فصائل المقاومة ضد الكيان الصهيوني، إلا أن النقطة التي تجب مراعاتها هي أن "إسرائيل" زادت من هجماتها في وقت تواجه فيه العديد من الأزمات الأمنية والسياسية، والتي يرى الخبراء أن هذه التصرفات من قبل الكيان تهدف الى التستر على الأزمات الداخلية.
وفي هذا الصدد تم اجراء مقابلة مع "رمضان بورسا"، الخبير في شؤون الشرق الأوسط والصحفي التركي، من أجل التحقيق في أسباب التطورات الأخيرة في الأراضي المحتلة.
ما هي اسباب واهداف الكيان الصهيوني من تكثيف الضغط في القدس وطرد السكان الفلسطينيين من حي الشيخ جراح والاعتداء على المسجد الاقصى وحصاره في هذا الوقت؟
بورسا: تنوي "إسرائيل" تقسيم المكان المقدس إلى قسمين من حيث الزمان والمكان بين المسلمين واليهود من خلال الهجمات المتتالية على المسجد الأقصى. بحيث يكون هذا المكان مكانا للعبادة لكل من اليهود والمسلمين، ويمكن للمسلمين فقط في أيام معينة أن يتعبدوا في هذا المسجد. ولهذا السبب ينظم الكيان الصهيوني اعتداءات على الشعب الفلسطيني في المسجد الأقصى في أيام معينة.
هدف الكيان الصهيوني هو تعويد الجمهور على هذه الهجمات. طبعا هذا العمل هو الخطوة الأولى للصهاينة. في الخطوة الثانية، تنوي إسرائيل توفير المسجد الأقصى بالكامل لليهود. الى ذلك يشهد سكان الشيخ جراح منذ بعض الوقت اعتداءات يهودية على منازلهم. كما يدعم كيان الاحتلال هذه الهجمات. لأن الكيان الإسرائيلي يريد تطهير كامل المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى من وجود السكان الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن الفلسطينيين لا يبيعون منازلهم لليهود، إلا أن الفلسطينيين محرومون من الناحية الاقتصادية.
وفي هذا الصدد، تعمل حكومة الإمارات بشكل وثيق مع إسرائيل. وبحجة تأسيس شركات مختلفة، تحاول حكومة الإمارات شراء مناطق سكنية فلسطينية لبيعها لجماعات يهودية بعد احتلالها لهذه المناطق. وحي الشيخ جراح هو أقرب حي إسلامي للمسجد الأقصى، وتعتزم إسرائيل تطهير حي المسلمين في المرحلة الأولى من أجل التهويد.
تواجه إسرائيل حاليا أزمة سياسية وأمنية في الداخل، ويعتقد كثيرون أن العدوان الأخير للكيان الصهيوني يهدف إلى التعتيم على أزمة إسرائيل الداخلية، ما رأيك؟
بورسا: هناك أسباب مختلفة لهذه الصراعات. لطالما كانت إسرائيل تستعد لحرب واسعة النطاق. كانت جبهة المقاومة الفلسطينية على علم بذلك وكانت تستعد لهجمات محتملة. ليست المقاومة الفلسطينية وحدها، بل حزب الله اللبناني ايضا قد جهز نفسه لأي هجوم من قبل الكيان الصهيوني. حيث انه قبل الهجوم الإسرائيلي، خطط الكيان لإطلاق مناورة عسكرية واسعة النطاق، لكن تم تأجيلها مع بدء الحرب.
هناك أزمة سياسية خطيرة داخل إسرائيل. فمحاكمة بنيامين نتنياهو لا تزال جارية ومن المرجح أن يسجن بتهمة الفساد الاقتصادي. لذلك شن نتنياهو مثل هذه الهجمات على الشعب الفلسطيني بهدف كسب المصداقية بين المتطرفين اليهود والفوز في الانتخابات.
لكن رد جبهة المقاومة على الهجمات الإسرائيلية هزم نتنياهو. ونتيجة لذلك يواجه الكيان الصهيوني المحتل أزمة سياسية وأمنية، وستؤدي هذه الحرب إلى تعميق الأزمة الإسرائيلية لأن هناك العديد من المنعطفات في تاريخ القضية الفلسطينية. الاحتلال البريطاني لفلسطين عام 1917، ونقل اليهود إلى الأرض الفلسطينية في الحرب العالمية الثانية، وخاصة بعد أحداث ألمانيا، حرب الأيام الستة العربية الإسرائيلية عام 1967، واحتلال القدس، وحرب يوم الغفران عام 1973، والانتفاضتان الأولى والثانية، والحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، وحرب الفرقان عام 2008 هي علامات بارزة في القضية الفلسطينية.
وخلال هذه الحروب، كان الفلسطينيون الذين يعيشون في أراضي 1948 يتحركون من وقت لآخر، لكن خلال هذه العملية التاريخية لم يظهروا أبدا مقاومتهم التي أظهروها اليوم. اليوم، ثار الفلسطينيون الذين يحملون جوازات سفر إسرائيلية في جميع المدن المحتلة تقريبا، بما في ذلك اللد وعكا ويافا وحيفا وأماكن أخرى. وفي أعقاب تصاعد النزاع، خرجت مدينتا اللد وعكا من السيطرة الإسرائيلية، وأعلنت حالة الطوارئ في هاتين المدينتين. وخرجت مظاهرات واسعة في حيفا ويافا. لذلك نحن نشهد مقاومة الشعب الفلسطيني ليس فقط في غزة ولكن أيضا في الأراضي المحتلة. حيث نزل سكان الأراضي المحتلة عام 1948 إلى الشوارع مطالبين بدعم المقاومة. قال رون ريفلين، الرئيس الإسرائيلي ، "أحث الجميع على بذل كل ما في وسعهم لوقف هذا الوضع الرهيب الذي نواجهه. نحن في خضم حرب أهلية بلا سبب، أوقفوا هذا الجنون، توقفوا من فضلكم نحن حكومة واحدة".
في الأيام المقبلة، حتى لو تم وقف إطلاق النار، سيعاني كيان الاحتلال من ضربة نفسية كبيرة، ويبدو أنه لن يتعافى لفترة طويلة بعد هذه الضربة النفسية.
يعتقد البعض أن تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني من شأنه أن يساعد على تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني، لكننا في الواقع نرى أن هذا لم يحدث وأن الكيان الصهيوني يواصل جرائمه واعتداءاته في فلسطين. ما رأيك بهذا؟
بورسا: إن مساعي الدول الخليجية وبعض الدول العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في إطار "اتفاق إبراهام" الموقع بمبادرة من الولايات المتحدة خيانة للقضية الفلسطينية. المقاومة الفلسطينية وحماس والجهاد الإسلامي وغيرها من حركات المقاومة الفلسطينية ترى في هذا خيانة للقضية الفلسطينية.
وثمة قضية أخرى هي أن التطبيع مع الكيان الصهيوني لا يسهم فقط في عدم دعم القضية الفلسطينية، بل يشرعن جرائم الكيان الصهيوني واحتلاله لفلسطين. وبالتالي فإن عملية التطبيع هي أكبر ضربة للقضية الفلسطينية منذ عام 1917 ويجب إنهاؤها في أسرع وقت ممكن. دخلت قضية فلسطين اليوم حقبة جديدة. لذلك نحن بحاجة إلى العمل بوحدة وتضامن من أجل استقلال ودعم المسجد الأقصى والقدس.