الوقت- بعد تصعيد الخلاف الحدودي الروسي الأوكراني، الذي أثاره رئيس أوكرانيا "فلاديمير زيلينسكي"، بتحريض من الإدارة الديمقراطية للولايات المتحدة، دخلت أوروبا أيضًا المعركة للعب دور أكبر وأكثر نشاطًا في العلاقات الأمريكية الدولية في حقبة ما بعد ترامب.
في عهد ترامب، كان يُنظر إلى أوروبا على أنها عبء، وطلب ترامب رسميًا من الأوروبيين دفع تكاليف الحضور في العلاقات الدولية والدعم الأمريكي، وهو الأمر الذي لم يرق لبروكسل، إلى الحد الذي أصبح فيه الأوروبيون يميلون أكثر فأكثر إلى التفكير في تشکيل جيش مستقل.
ولكن مع صعود بايدن وعودة أدبيات التعددية إلى دبلوماسية واشنطن الدولية، دخلت أوروبا الساحة من أجل استرعاء انتباه سيدها من جديد.
وفي أعقاب مبادرة موسكو لمواجهة إجراءات كييف الهجومية بمهاجمة الأراضي التي ضمتها روسيا، حاولت بروكسل زيادة وزن أوكرانيا في هذه المواجهة، من خلال الانحياز إلى جانب واشنطن.
هذا في حين أن قيادة القوات المسلحة الأوكرانية قد أعلنت في أواخر مارس، أن روسيا قد زادت عدد القوات على حدودها مع أوكرانيا، وأن تحرك موسكو هذا يشكل تهديدًا لأمنها.
وفي نفس الأيام أيضًا، أطلقت القوات الحكومية الأوكرانية طلقات استفزازية على قوات جمهورية دونيتسك المعلنة من طرف واحد في منطقة دونباس.
بدورها وصفت موسكو إجراءاتها لحماية جغرافيتها الإقليمية بالتدابير الاحترازية، والتي يبدو أنها قوضت الخطة المشتركة لأوكرانيا والغرب، الأمر الذي يعکسه النهج المتسرع للغرب حيال هذا الملف.
من ناحية أخرى، حاول الناتو لعب دور نشط في هذا الصراع. إذ تشعر الدول الأعضاء في الناتو بالقلق من فشل اتفاق وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا.
وقال المتحدث باسم الحلف في مقابلة مع صحيفة "دي فيلت"، إن "الناتو يدعم سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها". وأضاف إن الدول الأعضاء في الحلف تراقب الوضع عن كثب.
ويقال إن تصرفات روسيا وزيادة وجودها العسكري على الحدود الأوكرانية يمكن أن يلعب دوراً مزعزعاً للاستقرار، وتحبط عملياً الجهود المبذولة للحد من التوترات في أوكرانيا. وحتی في إجراء أکبر، أثير موضوع عضوية أوكرانيا في الناتو، الأمر الذي قوبل برد فعل قوي من روسيا.
کذلك، حذرت وزارة الخارجية الروسية من عواقب تهديد أوكرانيا بالانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، مؤكدةً أن هذه الخطوة ستدمر أوكرانيا.
منذ عام 2010، عندما أصبحت منطقة المحيطين الهندي والهادئ محور الاهتمام الأمريكي، وفقًا لوثيقة السياسة الخارجية الأمريكية، بات تعزيز حلفاء أمريكا على جدول الأعمال لمواجهة القوى الاقتصادية والسياسية الناشئة في العالم.
لكن الأزمة المالية الأوروبية ووباء كورونا، وكذلك حقبة ترامب، جعلت حليف أمريكا الأوروبي أقل قدرةً على التصرف بشكل أكثر فاعليةً، وحتی إذا تم اتخاذ موقف من قبله، فهو للحفاظ على الهيبة فحسب.
إن طبيعة الحوادث والاصطفافات الميدانية، فضلاً عن الاتصالات المشبوهة والمتتالية بين المسؤولين العسكريين الأمريكيين والمسؤولين الأوكرانيين، تشير إلى أن النزاع الحدودي بين روسيا وأوكرانيا بات وشيكًا.
تسعى الولايات المتحدة وأوروبا إلى تحقيق هدفين رئيسيين في هذا الصدد. الهدف الأول هو قياس وزن ومستوى رد فعل إحدى القوى الناشئة من أجل اتخاذ مزيد من الخطوات ضد الدول الأخرى، بناءً علی الرد الروسي، وكذلك الاستعداد لمواجهة شاملة مع الصين.
والهدف الثاني وربما الأهم للولايات المتحدة في خلق هذه الأجواء، هو الإعلان عن التغيير في الحكم والنهج لدی الولايات المتحدة.
تحتاج الولايات المتحدة إلى أن توضح للعالم أن حقبة العزلة والانطوائية، فضلاً عن عدم دعمها لشركائها، وهو ما كان يحدث في عهد ترامب، قد انتهت وأن الولايات المتحدة المهيمنة لا تزال تتربع على عرش السلطة في العالم.
والنقطة المهمة في كلا الهدفين، هي أوروبا التي يجب أن تلعب دوراً نشطاً مع حليفتها التقليدية وشريكتها واشنطن. حيث استخدمت الولايات المتحدة دوماً هذا التحالف لتبرير تكلفة إجراءاتها الأحادية الجانب ضد الدول الأخرى، وتقليل العبء القانوني لأفعالها.
أوروبا بدورها ليست في وضع جيد هذه الأيام، وتحتاج إلى الرأي الإيجابي للولايات المتحدة تجاهها. كانت اتفاقية بريكست بمثابة ضربة قوية للاتحاد الأوروبي، وأوروبا التي تواجه جائحة كورونا وأزمات أخری مثل الطاقة، ومن أجل الوقوف علی أقدامها، بحاجة إلى إعلان متجدد وفوري للأخوة مع أمريكا المغيِّرة لنهجها.
ويُعتبر النزاع الحدودي بين أوكرانيا وروسيا أفضل فرصة لحدوث هذا الأمر، ولتعويض فشل أوروبا القديم تجاه روسيا عندما ضمَّت شبه جزيرة القرم إليها.
كان لفشل أوروبا مقابل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عواقب كثيرة بالنسبة لها، ما أدى إلى التشكيك في النظام السياسي للاتحاد الأوروبي، والقول إنها لم تستطع الدفاع عن وحدة أراضي حليفتها وشريكتها، أوكرانيا.
ولهذا السبب، نری أن المواقف والتصريحات الأوروبية بشأن النزاع الحدودي بين أوكرانيا وروسيا، تؤكد علی دعم وحدة أراضي أوكرانيا بشکل رئيسي.
ولكن كما ذكرنا، من المحتمل حدوث نزاع حدودي بين روسيا وأوكرانيا، لكن هذه المواجهة لن تؤدي إلی مشاركة الولايات المتحدة أو أوروبا، ولا مشاركة الناتو، وأوكرانيا هي الخاسرة الوحيدة في المصيدة التي نصبتها لها أمريکا بايدن.
