الوقت- لم يكن يحلم الغرب بما فيه أوروبا وأمريكا بفرصة مثل الفرصة التي حصلوا عليها بعد انفجار مرفأ بيروت، والذي لم يُعرف حتى كتابة هذه السطور ان كان بفعل فاعل أم حصل نتيجة اهمال الجهات المعنية، وبكل الأحوال ما حصل قد حصل ولبنان اليوم على مفترق طرق يُبشر بنظام سياسي جديد للبلاد غير معلوم الملامح، ضبابية ما يمكن أن يتفق عليه اللبنانيون يساهم في زيادة اشتعال حرب المحاور ولعبة عض الأصابع، خاصة وأن الداخل اللبناني لا يجتمع على قلب واحد لحماية لبنان من التدخلات الخارجية وبناء نظام داخلي مستقل يكون وطنياً بامتياز ويشمل أكبر تمثيل سياسي وشعبي للخروج من أزمته.
ما يقوم به البعض اليوم هو استغلال وجع الناس للتخلص من أطراف معينة خدمة للمشروع الغربي، فبعد سقوط الحكومة اللبنانية بدأ المتظاهرون يوجهون أنظارهم نحو اسقاط البرلمان وكذلك التخلص من رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، واتهامهم بالتقصير نظرا لمعرفتهم المسبقة بوجود نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، ولم ينكر ميشال عون هذا الأمر، ولكن وبما ان لبنان دولة مؤسسات كان من الطبيعي أن يعطي الرئيس عون توجيهاته للجهات المختصة، وقالت الرئاسة اللبنانية في هذا السياق إن الرئيس ميشال عون، علم بوجود "كمية كبيرة" من نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت في 20 تموز، أي قبل أسبوعين من الانفجار الذي خلف 171 قتيلاً وأكثر من 6 آلاف جريح، مؤكدة أنه أبلغ المجلس الأعلى للدفاع، على الفور.
وجاء في البيان الرئاسي اللبناني، المنشور، مساء اليوم الأربعاء، بأنه "ردا على ما تناقلته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي حول تبلغ فخامة العماد ميشال عون، تقرير المديرية العامة لأمن الدولة بتاريخ 20/7/2020، عن وجود كمية كبيرة من نترات الأمونيوم في أحد عنابر مرفأ بيروت، تؤكد المديرية أنها، وفور تبلغ فخامة الرئيس التقرير المذكور، قام المستشار العسكري والأمني لفخامته بإعلام الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع في رئاسة مجلس الوزراء بهذا التقرير لإجراء اللازم".
وأوضح البيان أن الأمين العام للمجلس قد تبلغ بدوره نص التقرير وفقا للأصول على ما أفاد في بيانه التوضيحي تاريخ 8/8/2020 وأحاله الى المراجع المختصة.
وشدد البيان على أن رئاسة الجمهورية اللبنانية حريصة كل الحرص، وهذا شأنها، على أن يأخذ التحقيق القضائي العدلي مداه الكامل، وفق النصوص المرعية، مستعينا بكل الخبرات التي يراها لتبيان الحقيقة الكاملة عن الانفجار وظروفه والمسؤولين عنه على المستويات كافة.
الضغط على ميشال عون هو أمر ليس مستغرباً في ظل غضب أمريكا والغرب من تمكن عون وحلفائه في المقاومة من حماية لبنان من الانجرار الى حرب اهلية ولا يزال هذا التحالف يمتص جميع الاستفزازات ويضبط الشارع منعا لحصول أي خلل في لبنان تستغله "إسرائيل" او اي حكومة غربية، والان جاءت الفرصة لممارسة اكبر ضغط على المقاومة وعون لإبعادهم من الساحة السياسية وتركها تعيش فراغاً وفشلاً سياسياً واقتصادياً بحجة المطالبة بنظام سياسي جديد على مقاس الغرب وتطلعاته، وقبل ذلك لا بدّ من جرّ لبنان الى الفوضى وتعويمها لإجبار لبنان على المطالبة بمساعدة دولية وتدخل الدول الكبرى لرسم نظام سياسي جديد للبنان لا يناسب تطلعات اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم، وهنا لابد من الحذر من المطالبة بدخول واشنطن على خط الأزمة وارسال محققين دوليين للتحقيق بما حصل في بيروت، لأن محققي الادارة الامريكية سينقذون اسرائيل في حال كانت متورطة وهذا الأمر سيعقد المسألة أكثر وأكثر ويأخذ لبنان الى المجهول، لأنه من غير المنطقي عزل جميع اركان الدولة في ليلة وضحاها دون ايجاد البديل لإدارة البلاد وعدم رضوخها لأي دولة اجنبية لتملي عليها شروطها.
بخصوص ما يجري في لبنان تحدّث الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله ليلة امس وتحدث بأن الحزب لن يسمح بجر لبنان نحو الحرب الاهلية وكذلك سقوط الدولة ورفض "الحكومة الحيادية"، وأشار سماحته الى شكل الحكومة التي يجب ان يتم تشكيلها، وأعلن بأن "حزب الله" لن يقبل إلا بحكومة تضم أوسع تمثيل سياسي وشعبي، مؤلفة من سياسيين واختصاصيين، أولوياتها التحقيق والمحاسبة في انفجار المرفأ، وإجراء إصلاحات، ومعالجة الوضع الاقتصادي والمعيشي.
السيد نصرالله تحدث ايضاً عن محاولة البعض اسقاط الدولة ووجّه الاتهام إلى "قوى سياسية لبنانية، لمصالح شخصية وخدمةً لمشاريع خارجية، أنّها عملت على وضع لبنان على حافّة الحرب الأهلية"، العنوان الأول لإسقاط الدولة، "هو العهد وفخامة الرئيس ميشال عون"، واصفاً إيّاه بأنّه "ليس الشخص الذي تستطيعون إسقاطه بهذه الطريقة. في حرب تموز، هُدّد بأنّ بيته سيُقصف ولم يُعدّل موقفه، الآن نتيجة بعض الشتائم يستقيل من الرئاسة؟". العنوان الثاني، هو المجلس النيابي، "فشُغل على تقديم استقالات جماعية. هناك كُتل موافقة على انتخابات نيابية مُبكرة، ولكن ليس الاستقالة. كُتل تُريد الاستقالة". العنوان الثالث كان إسقاط الحكومة، معتبراً أنه "كان صعباً على أي حكومة أن تصمد بوجه هذا الانفجار"، وما جرى كان بمثابة "أخذ البلد إلى حرب أهلية وإعادة ما كان يُعدّ عندما اختُطف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري". انطلاقاً من هنا، حدّد نصر الله السقف بـ"منع سقوط الدولة ومؤسساتها واندلاع حرب أهلية. من تجدونه يهدم السقف، اتهموه بوطنيته". في هذا الإطار أيضاً، أتى التعليق على التظاهرات الأسبوع الماضي. ميّز نصر الله بين الناس التي تتظاهر وتأخذ موقفاً سلبياً من الحُكم "وهذا حقّها"، وبين الممارسات التحريضية التي "مُمكن أن تدفع إلى صدام مشبوه وتقف خلفها سفارات". كشف عن مُحاولات لاستفزاز جمهور المقاومة، شاكراً "صبركم وبصيرتكم. تواصلنا لضبط الساحة، لأنّ من الواضح وجود من يُريد جرّها إلى القتال في الشارع، ولن نكون وقوداً لهؤلاء". ولكن هذا لا يعني طمس الغضب، بل توجّه إلى "جمهوره" بالقول: "حافظوا على غضبكم لأنّنا قد نحتاج إليه لمنع جرّ لبنان إلى حربٍ أهلية".
في الختام؛ لن ينقذ لبنان اي أحد سوى لبنان وشعب لبنان نفسه، لأن لبنان اختبر في السابق أن تضع له دول أجنبية شروطاً لقيادة البلاد وكانت النتيجة هذه التي ترونها، لذلك لابد من ان تتضافر جهود اللبنانيين ويضعوا الخلافات جانبا لحماية بلادهم من الانجرار نحو المجهول في القادم من الأيام، وهذا سيحدده وعي اللبنانيين فقط.
