الوقت- حاولت تل أبيب جعل نفسها مركز جذب اليهود في العالم. لكن بعد أن خرجت فضائح نتنياهو الى العلن، وأصبحت مادة النقاش السياسي والإعلامي، بات الوضع في تل أبيب أشبه بقنبلةٍ تنتظر الإنفجار. ولعل الأمر الذي يضعه الكثيرون في خانة التهديد الإجتماعي، يُعتبر بآثاره أعمق من الوضع الإجتماعي بل يتعدى ذلك لتأثيره على الأمن القومي للكيان الإسرائيلي. خصوصاً أن رفض المجتمع الإسرائيلي للطبقة السياسية الحاكمة ووجود فجوة بينهم، تؤثر بشكلٍ كبير على مستقبل الكيان وتزيد من تحدياته الداخلية التي تُهدد وجوده. فماذا قس التظاهرات المطالبة برحيل نتنياهو؟ وما هو أثر ذلك على الداخل الإسرائيلي؟ وكيف تُعبر الطبقة السياسية عن ذاتها فيما يخص الفساد؟ وما هي دلالات ذلك؟
التظاهرات: واقعٌ جديدٌ تعيشه تل أبيب!
تظاهر مئات الإسرائيليين منذ يومين في تل أبيب مطالبين باستقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وقال موقع "ويللا" الإسرائيلي أن المظاهرة انطلقت من أمام مقر الحكومة الإسرائيلية في تل أبيب، وانتهت في ميدان رابين. فيما شارك فيها أنصار حزبي ميرتس والمعسكر الصهيوني المعارضين. وطالب المتظاهرون نتنياهو بتقديم استقالته، واتهموا حكومته بأنها بلغت ذروة الفساد، كما اتهموها بالتحريض والعنصرية وبسن قوانين متطرفة قالوا إنها تجرر الكيان الإسرائيلي إلى حالة من العزلة. وشارك بعض الساسة الإسرائيليين في المظاهرة التي تأتي في ظل ضغوط متزايدة على نتنياهو المشتبه في أنه تلقى أموالا بشكل غير مشروع من رجل أعمال في وقتٍ يخضع لتحقيقات فيي قضايا فساد قد تُنهي حياته السياسية.
فساد نتنياهو وأثر ذلك على الوضع الإسرائيلي الداخلي
في الأيام القليلة الماضية أجرت الشرطة الإسرائيلية جولتين من التحقيقات مع نتنياهو، وتستعد للتحقيق معه مجدداً في قضايا إحداها تتعلق بصفقة غير قانونية مع "أرنون موزس" مالك صحيفة يديعوت أحرونوت. وفيما يخص الوضع السياسي الداخلي نتيجة التحقيقات هذه، أشار مائير كوهين عضو الكنيست في حزب "هناك مستقبل" المعارض، إنها المرة الأولى منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية والتي تخرج فيها دعوات إلى إجراء انتخاباتت مبكرة، حتى من نواب ينتمون لحزب الليكود. مضيفاً أنه في حال ثبت صدق ما يجري تسريبه من محادثات بين نتنياهو وموزس، فستكون أخطر القضايا في تاريخ الكيان الإسرائيلي.
نتنياهو يواجه نهايته السياسية: فسادٌ ومافيا واتهاماتٌ أخرى!
عدة صفاتٍ تناقلها الإعلام الإسرائيلي تدل على حجم الإنحطاط في المستوى السياسي لدى قادة الكيان أو الطبقة السياسية والتي باتت تتناقل الإتهامات والصفات البعيدة عن الإصطلاح السياسي. في حين خرجت العديد من التصريحات التي طالبت بتغيير الطبقة السياسية الأمر الذي يدل على حجم التدني في الخطاب السياسي الإسرائيلي:
- نقل مراسل صحيفة معاريف "أريك بندر" عن أوساط في المعارضة الإسرائيلية، أن حزب الليكود بات يشعر بأن هذه الأيام هي الأسوأ في تاريخ الكيان وهي تشهد نهاية نتنياهو السياسية خصوصاً أن نتنياهو أنهى حياته السياسية حيث تُعتبر الإتهامات الموجه له خطيرة جداً.
-أشار رئيس الإئتلاف الحكومي الحاكم "ديفيد بيتون" أن نتنياهو مُضطر للتنازل عن وزارة الإعلام التي يديرها حالياً بعد الإنتهاء من التحقيقات الجارية معه، خصوصاً بعد أن بات يُشكل خطراً مُحدقاً على ثقة الجمهور الإسرائيلي بالسلطة والإعلام معاً.
-وصفت النائبة عن المعسكر الصهيوني "ستيو شافر" رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه رجل المافيا الأول في الكيان الإسرائيلي وقالت إنه لا يتمسك إلا بالسلطة وليس لديه مشكلة في أن يدوس على كل القيم والمعايير الأخلاقية.
تحليل ودلالات: كيف تواجه تل أبيب تحدٍ يُهدد وجودها؟
عدة مسائل يمكن الإشارة لها تتعلق بأهمية التحدي الذي تواجهه تل أبيب، عبر التالي:
أولاً: إن ما يجري يدل على حجم الفجوة بين الطبقة السياسية والمجتمع الإسرائيلي. في حين تُعتبر التحديات التي يواجهها المجتمع الإسرائيلي إقتصادياً أحد أسباب الرفض الإجتماعي للطبقة الحاكمة والتي تبين لدى المجتمع الإسرائيلي أنها لا تعيش معاناته.
ثانياً: يشعر المستوطنون أنهم باتوا ضحية الإهمال السياسي من قبل الطبقة الحاكمة كما أنهم يدفعون ضريبة التطرف السياسي الذي يقوده نتنياهو. وهو ما يجعلهم في عزلة كبيرة داخلياً وخارجياً.
ثالثاً: كما تعيش الطبقة السياسية في الكيان عزلة دولية في ظل ارتفاع حجم الرفض الغربي والأوروبي لسياساتها تجاه الفلسطينين، باتت هذه الطبقة تعيش تحديات داخلية ليست أقل خطراً على الأمن القومي للكيان.
رابعاً: سينعكس ما يجري في تل أبيب على صورة العالم تجاه الكيان الإسرائيلي خصوصاً اليهود الذي لم يعودوا يجدون في الكيان ملاذاً لهم.
إذن باتت الطبقة السياسية أمام تحدياتٍ بنيوية داخلية، لا تقل خطراً عن التهديدات الخارجية من أعداء "إسرائيل" في محور المقاومة. تحدياتٌ بدأت بالإنتفاضة الإسرائيلية على فضائح الفساد التي يتصف بها نتنياهو. فيما يجري الحديث اليوم عن حجم المخاطر التي ستلحق بالكيان نتيجة ذلك. فهل ستكون نهاية نتنياهو السياسية بداية التحول في الكيان الإسرائيلي نحو الإنهيار الذي يُهدد الوجود؟
