الوقت- تُمني السعودية وعلى رأسها حكامها من آل سعود النفس بحكم العالم الاسلامي وأن يُصبحوا القطب الأوحد له، إلا أن حال دون ذلك عقبات ومعوقات كثيرة، ناهيك عن الإمكانات المطلوبة لهكذا دور والمفقودة سعوديا، مما لا يسمح بأن تصبح دولة كالسعودية بنظامها الذي هو أشد ما يشبه نظام الجاهلية قطب العالم الاسلامي الأول. فرغم أنهم وببركة البترودولار استطاعوا تحصيل مكانة ما وسط بعض الدول الاسلامية التي وللأسف باعت نفسها بدراهم معدودة لآل سعود إلا أن ذلك لا يجب أن يغر آل سعود ويُنسهم تاريخهم وحجمهم الحقيقي في المعادلة الاسلامية.
وفي هذا السياق يحاول آل سعود طرح أنفسهم كالحضن الراعي والحاضن لكل الدول العربية والاسلامية، محاولين لملمة المشاكل التي تتآكل حلفاءهم وأتباعهم، وتشكيل تحالفات صورية منها العسكرية ومنها السياسية للايحاء بأنهم ضباط الايقاع الحازمين على الساحة الاقليمية. ومؤخرا وفي نفس السياق سعت السعودية إلى تقريب وجهات النظر بين تركيا ومصر، ضاغطة باتجاه مصالحة لا يريدها كلا الطرفين، ولكن الاصرار السعودي استمر دون كلل لعلمهم أن الخلاف التركي المصري مصدر ضعف في الحلف السعودي، كما أنه بات ينال من هيبة السعودية راعية هذه الدول وأمها الحنون. حتى وصل بها الأمر إلى دخول "الملك سلمان" شخصيا على الخط، وهنا يبدأ العرض الأقوى سعوديا، إذ أن "سلمان" من المفترض يعني حسب قول الاعلام السعودي "كلمة السر" التي لا يمكن أن يقف في وجهها لغز، ولكن اليكم ما حصل.
"سلمان بن عبد العزيز" لخمسة أيام في زيارة لمصر، حصل خلالها على كل ما طلب، فعلى حد تهكم بعض الصحافة المصرية لم يحصل فقط على "تيران والصنافير" بل لو طلب تمثال أبو الهول كان "السيسي" سيأمر باعادة نحته ليصبح شبيها بسلمان وإرساله للسعودية. المهم إنتهت الزيارة المطولة فعاد "سلمان" مباشرة من مصر إلى تركيا للمشاركة في قمة منظمة التعاون الاسلامي، هنا كان قد سبقه التهليل والتأكيد على إتمام المصالحة التركية المصرية برعاية كلمة السر "سلمان" إلا أن السيسي أعلن عدم المشاركة، وأرسل نيابة عنه وزير خارجيته "سامح شكري"، الذي أدى ما طلبه منه السيسي على أكمل وجه، فخطب في القمة دون الاشارة إلى "أردوغان"، وتجاهل ذكر اسمه وتحيته مثلما حيا أمين عام المنظمة، وفور انتهائه غادر المنصة خارقا البروتوكول دون أن ينتظر مصافحة الرئيس الجديد الدوري للمنظمة (أي أردوغان) ودون أن يصافح حتى وزير الخارجية التركي الذي كان بجانبه.
وبدوره "أردوغان" لم يكن أكثر لباقة، بل امتنع عن التصفيق لشكري عقب انتهاء كلمته، وفضل الصعود إلى المنصة من الجهة المعاكسة التي نزل منها "شكري"، كل هذه التفاصيل تُشعر المرأ وكأنه أمام مسرحية يلعب الممثلون أدوارهم المرسومة سلفا باتقان متناهي.
أمام هذا العرض سقطت كل التهليلات والتهكنات بالضربة القاضية، وسقطت معها كلمة السر التي لا يقوى أمامها لغز (على حد ما يحاول التسويق له الاعلام السعودي)، وليس من المبالغة القول أن هذا الفشل لم يكن فقط في التقريب بين تركيا ومصر بل وانعكس فشلا أيضا للحلف السعودي المدعوم أمريكيا واسرائيليا من أجل مواجهة جبهة المقاومة، حيث سعت السعودية خلال القمة الاسلامية الأخيرة لتحويل العالم الاسلامي إلى جبهة في وجه حلف المقاومة لاسرائيل.
وعن تاريخ العلاقات المصرية التركية، وبغض النظر عن التوترات الأخيرة بين البلدين بعد ثورة 30 يونيو التي أسقطت حكم الأخوان في مصر تعود التوترات إلى أيام الإمبراطورية العثمانية ولطالما كانت السيطرة على مصر صعبة بالنسبة للعثمانيين وقد تمتعت الأخيرة بالحكم الذاتي خلال فترات طويلة من الحكم العثماني، وقد احتفظت مصر بسلطة كبيرة لدرجة أنها حاولت الاستيلاء على الإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر. وفى عهد الرئيس المصري "جمال عبد الناصر" ارتفع منسوب التوتر بين البلدين بدايتا بسبب الإطاحة بالملك فاروق، والنخبة ذات الأصول العثمانية التركية التي كانت لا تزال تدير البلاد. ومن ثم عقب تأميم قناة السويس نظراً لوقوف تركيا بجانب الغرب وادعائها حقه فى السيطرة على القناة.
إذا فشلت السعودية وكلمة سرها "سلمان" فشلا ذريعا في التقريب بين حليفيها اللدودين، والسبب هو أن كلا البلدين لا يهتمان لأمر السعودية سوى بمقدار الدولارات التي تقدمها، والتي يبدو أنها بدأت تنضب، فليتواضع السعوديون وليعودوا إلى رشدهم فليسوا سوى لاعب صغير في معادلة الكبار مهما بلغت رؤوس أموالهم التي يكتنزونها في بنوك الغرب والشرق.