الوقت - قبل اعداد هذا المقال كان السوريون ينتخبون نوابهم بالرغم من الحرب، أمّا في لبنان فلا رئيس جمهورية، والبرلمان اللبناني مدد لنفسه، والحكومة تراكم الأزمات فوق الأزمات، فهل ثمة علاقة بين انتهاء الحرف في سوريا، وبداية الانفراجات في لبنان؟
في مثل هذه الأيام، وقبل واحد وأربعين عاماً، اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، حيث انقسم بلد الأرز بين يمين ذي أكثرية مسيحية ويسار جمع مسيحيين ومسلمين في الحركة الوطنية وتحالف مع التنظيمات الفلسطينية، وسرعان ما خرج الصراع عن دوائره الصغيرة في لبنان لينتج حروباً اقليمية دولية على الأراضي اللبنانية، مئات آلاف القتلى والجرحى سقطوا، رسمت خطوط تماس بين منطقة ومنطقة وبين حي وحي وشارع وشارع، ثم قتل الأبرياء ودمرت البيوت والبنى التحتية، وأفسح المجال لاجتياح اسرائيلي دموي بالأمن والسياسة مباشرة أو عبر لاعبين وبيادق محليين واقليميين، وحين تغيرت الأجواء الاقليمية، انتهت الحرب بقرار دولي اقليمي انصاع اللبنانيون وذهبوا الى طاولة الحوار في السعودية ينهون الحرب، تعلم اللبنانيون ربما أن الحرب لا تؤدي الى شيء، لكنهم لم يتعلموا الانتماء الى وطنهم بدل الطوائف والمذاهب والمزارع والاقطاعيات السياسية والمافيات المالية.
طمرتهم النفايات لم يتحركوا، من تحرك انهالت عليه غضبة المافيات السياسية، طمرهم الفساد والاهمال والاحتقار لم يتحركوا، من تحرك تراجع خشية الانتقام، الا قلة لا تزال تنزل الى الشوارع. كل يوم نشهد في لبنان فضيحة فساد أو دعارة أو تجارة أو انترنت أو شبكات ارهاب نائمة وتفجر بين حين وآخر، ناهيك عن كذبة النأئ بالنفس عن سوريا والذي تبين أنه لا بلد أكثر تورطاً من اللبنانيين في الحرب السورية، هذا يناصر النظام وذاك يقاتل الى جانب المسلحين والمعارضة، واليوم ها هو لبنان يعيش مأساة اغلاق قنواته الاعلامية بقرارات عربية تأتي بذرائع مختلفة، فهل يؤسس اللبنانيون ومن خلفهم محركوهم الاقليميون والدوليون الى حروب جديدة، أما أن هناك أملاً لقيام الدولة الحقيقية التي تعرف كيف تحمي حدودها وناسها وتؤسس لدولة حديثة يكون القانون فيها هو الأساس، فهل هذا الأمل محلي أم أن اللبنانيين كدأبهم منذ الاستقلال ينتظرون أن يرتاح الاقليم ليرتاحوا بناءاً على صفقات اقليمية ودولية؟
الى حد ما، يبدو أن لبنان ينتظر حلاً اقليمياً في سوريا، وذلك لأن هناك ارتباطاً وثيقاً بين سوريا ولبنان على الأصعد السياسية والأمنية والاستراتيجية، فسوريا بنظامها وأغلبية اللبنانيين يريدون أن يكون هناك رئيس جمهورية في لبنان على علاقة طيبة مع سوريا لأن ذلك يصب في مصلحة الطرفين. أما الأسباب التي تمنع الحل في لبنان غير الحرب في سوريا فتقسم الى قسمين خارجية وداخلية وهي على الشكل التالي:
الخارجية:
1- الاشتباك السعودي مع محور المقاومة والممانعة لتسلطتها في المنطقة، فمنذ الانسحاب الأمريكي من العراق شهد الشرق الأوسط تدخلات سعودية كثيرة من العراق الى سوريا ولبنان وليبيا وغيرها من البلدان العربية لفرض سلطتها عليها وهذا الاشتباك الدائر يمنع الحل في لبنان.
2- عدم التفاهم الجدي في سوريا حتى الآن بين الأمريكي والروسي رغم التفاهمات الظاهرة، باستثناء ضرب الارهاب.
3-انصياع فئة من اللبنانيين الى الطائفية السعودية التي تمنع من وصول الجنرال ميشال عون ذي الأكثرية المسيحية والمتحالف مع حزب الله والقوات اللبنانية الى سدة الرئاسة لأنها غاضبة من حزب الله في سوريا.
الداخلية:
1- القصور في الطبقة السياسية الذي يعطل اتخاذ القرارات على طاولة عمل مجلس الوزراء في غياب ممارسة السلطة التشريعية لدورها في المساءلة.
2- الانقسام السياسي والطائفي في البلاد حيث تشهد جلسات مجلس الوزراء توترا بسبب الخلاف الحاد بين القوى السياسية على جملة ملفات حيوية سياسية وأمنية وكيفية تقاسم الحصص ما بينها.
3- الفساد الداخلي في الوزارات والمؤسسات الأمنية من أمن داخلي الى وزارة اتصالات وصحة وزراعة دون حسيب أو رقيب.
4- الانتماء الوطني، فعلى ما يبدو أن جميع الطبقة السياسية قد فقدت الهوية اللبنانية فلا يكفي أن تحمل الهوية اللبنانية بينما تفكيرك رهن للخارج.
اذاً، دائماً ما نقول نحن لبنانيون نعيش مع بعضنا نتبادل القبلات نحب بعضنا ولكن هل نتعلم من الماضي كي لا تتكرر المقتلة التي دامت 15 عاماً وذهب ضحيتها عشرات آلاف القتلى والجرحى، أم أن لبنان الى الهاوية مجدداً؟
#تنذكر_تما_تنعاد
كاتب لبناني