الوقت- ظاهرة جديدة حلّت على الساحة المصرية منذ ثورة يناير عام 2011، حيث تعاقب على رئاسة جهاز المخابرات العامة خمسة أشخاص في أقل من أربعة أعوام، ما يعزز مقولة بعض الناشطين أن "القاعدة الجديدة التي تم إرساؤها بعد الثورة في مصر هي عدم استمرار أي رئيس لجهاز المخابرات في منصبه أكثر من عام واحد ".
استغرب الجميع إعلان إقالة محمد فريد تهامي أثناء تواجده في زيارة عمل خارج البلاد وتحديدًا في السعودية، والأكثر غرابة أن صحيفة “الوطن” أعلنت مسبقًا صباح السبت أن الرئيس السيسي أصدر بيانًا الأحد بإقالة رئيس المخابرات العامة وتعيين اللواء خالد فوزي بديلًا عنه .
أسباب إقالة رئيس المخابرات أثناء وجوده خارج البلاد ؟
تضارب التقارير الاعلامية حول أسباب اقالة السيسي لرئيس المخابرات المصرية فريد التهامي الذي كان أستاذًا للأول في المخابرات الحربية، وما إذا كان القرار يعني "إقالة" لأن التهامي بدأ رحلت عمل للسعودية الأسبوع الماضي، التقى فيها بولي العهد الأمير سلمان ووزير الدفاع ومدير المخابرات، أم أنه مجرد "إنهاء خدمته" لأسباب صحية لأنه"يعاني من ظروف صحية صعبة منذ شهرين و يتلقَّى حالياً العلاج في الخارج بعد خضوعه لجراحة تركيب مفصل في الفخذ، لكن وسائل الاعلام والمحللين السياسيين طرحوا عدّة أسباب تقف وراء "اقالة" تهامي، أبرزها :
كبش فداء التسريبات
أكدت العديد من وسائل الاعلام المصرية نقلاً عن مصادرة مطلعة أن الإطاحة برئيس المخابرات العامة اللواء محمد التهامي وإعفاءه من منصبه تغيير مفاجئ في توقيته وأيضًا في طبيعة الشخصية، وله علاقة بالتسريبات التي كانت بمثابة الضربة الموجعة، وهذا مؤشر على وجود صراع قوي بين أجنحة السلطة؛ لأن الإطاحة جاءت دون أي مقدمات أو أسباب واضحة ”.
وسائل اعلام موالية لجماعة "الاخوان المسلمين" اعتبرت أيضاً ان قرار "الاقالة المفاجئة" لرئيس جهاز المخابرات، جاء بسبب "التسريبات الاخيرة"، التي خرجت من مكتب السيسي، عندما كان وزيراً للدفاع، بشان "تزوير" وثائق تتعلق بمكان وجود الرئيس الاسبق، محمد مرسي، بعد ايام على عزله .
يذكر أن الإعلامي المصري عمرو أديب تنبأ بإقالة رئيس جهاز المخابرات منذ أسبوعين تقريبا، حيث قال في برنامجه "القاهرة اليوم" الذي يذاع على قناة اليوم الفضائية: "إن الضابط الذي قام بتسجيل هذه التسريبات "مشي" ولن يقوم بالتسجيل مرة أخرى وهذه آخر حاجة يعملها ".
المصالحة المصرية القطرية
في المقابل أشارت صحيفة "يديعوت أحرنوت الى أن سبب إقالة رئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء محمد فريد التهامي "نقطة الاتصال بين مصر و"إسرائيل حسب وصف الصحيفة"متعلقًا بصفقة المصالحة القطرية المصرية، حيث لم يستبعد محللون أن يكون إقصاؤه نابعًا من مطالبة قطرية مقابل فتح صفحة جديدة مع مصر، وأن هذا نوقش خلال زيارة التهامي للسعودية ولكنه اعترض على مطالب قطر فنصحت السعودية مصر بتغييره، لأن التهامي من أشد المعادين للإخوان المسلمين وامتداداتها في المنطقة .
وقد التقى "السيسي"السبت، " محمد بن عبد الرحمان" آل ثاني، المبعوث الخاص لأمير دولة قطر "تميم بن حمد" آل ثاني في خطوة جديدة لإعادة الدفء للعلاقات المصرية القطرية .
نصيحة هيكل
فيما رجح آخرون إن الإقالة ربما جزء من نصيحة الكاتب محمد حسنين هيكل، للسيسي بالقيام بثورة داخل نظامه”، هذه النصيحة التي تستهدف التخلص من رموز ارتبطت أسماؤهم بعمليات قتل جماعية وطالبت منظمة هيومان رايتس بمحاكمتهم ومنهم فريد التهامي .
وقال هيكل إن "السيسي لا يزل يعمل بنظام مبارك والإخوان، ويحتاج لبناء نظام خاص به "
الفساد
من جهته اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور سيف عبد الفتاح، أن إقالة اللواء محمد فريد التهامي رئيس المخابرات العامة المصرية، وتعيين اللواء خالد فوزي رئيس جهاز الأمن القومي، بسبب فساد "المقال" في جهاز الرقابة الإدارية، موضحاً أن “التهامي وجهت له تهم فساد في عهد الرئيس السابق محمد مرسي ”.
من هو رئيس المخابرات الجديد؟
اللواء خالد فوزي رئيس جهاز المخابرات العامة الجديد تخرج في نهاية سبعينيات القرن الماضي، من سلاح المشاة، ثم التحق بجهاز المخابرات العامة برتبة نقيب، وتدرج في مناصب الجهاز، حتى صار مديرًا لهيئة الأمن القومي خلفًا للواء مصطفى عبد النبي، وقد عمل مستشارًا لرئيس الجهاز المقال منذ 3 أشهر، وكان مشرفًا على قضايا التجسس التي أعقبت ثورة 25 يناير، من أبرزها قضية إيلان جرابيل “الجاسوس الإسرائيلي” بميدان التحرير .
مهام اللواء فوزي :
أستاذ العلوم الاستراتيجية اللواء نبيل فؤاد أكد إن الصقر الجديد ـ في إشارة إلى المدير العشرين للمخابرات المصرية ـ تنتظره ملفات مهمة، مؤكدا أن اختياره يأتي لكفاءته الشديدة وقدرته على العمل في تلك المرحلة الخطرة، حيث عمل رئيسا لهيئة الأمن القومي بعد ثورة يناير، فيما أشارت بعض وسائل الإعلام لكونه يقف خلف العديد من قضايا التخابر التي تم ضبطها عقب ثورة يناير .
وأوضح فؤاد أن السيسي كلّف فوزي بـ4 ملفات مهمة: أولاً الاهتمام بالتنسيق مع السعودية بشأن العلاقات مع قطر في ظل الاتجاه الجديد للتقارب بين القاهرة والدوحة، وأنه سيزور الرياض قريباً لاستكمال مهمة بدأها التهامي في هذا السياق. أما الملف الثاني فهو مساعدة الأمن وجهات التحقيق على رصد العناصر التي تغادر مصر بقصد الانضمام إلى جهات تضر بأمنها، أو تعاديها، أو للانضمام إلى جماعات إرهابية أو تكفيرية في سورية وليبيا .
والملف الثالث هو القضية الفلسطينية، علماً ان فوزي كان الذراع اليمنى للتهامي خلال المفاوضات التي أسفرت عن الهدنة بين حركة "حماس" والكيان الصهيوني في قطاع غزة في عدوان الصيف الماضي. أما الملف الرابع، فكلّف به السيسي اللواء طارق عبد الغني الذي تولى منصب نائب رئيس المخابرات، وهو الخاص بالتعامل مع القبائل والتيارات السياسية في ليبيا، واستكمال المساعي المصرية لعقد مؤتمرات دورية للقبائل لحثها على الالتفاف حول حكومة عبد الله الثني والدفاع عنها في وجه الميليشيات التي تعتبرها القاهرة "متطرفة ".
خمسة رؤساء للمخابرات المصرية خلال أربع سنوات
اللواء خالد فوزي هو الرئيس العشرون للمخابرات المصرية، والخامس خلال أربع سنوات فقط ، فقد كان اللواء عمر سليمان قد ترك رئاسة المخابرات المصرية إبان ثورة يناير بعد تعيينه نائبا لمبارك، وتم تعيين مراد موافي خلفا له، وبعد عام واحد أقال مرسي اللواء موافي في آب/ أغسطس 2012 ليعين محمد رأفت شحاتة بدلا عنه .
وبقي شحاتة في منصبه عاما واحدا فقط، قبل أن يتم الإطاحة به بعد الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013، ليتولى المنصب فريد التهامي، الذي لم يكن أسعد حظا من سابقيه، فأحيل بدوره للتقاعد بعد عام تقريبا من رئاسته للمخابرات، ليجلس اللواء خالد فوزي على الكرسي ذاته الذي لم يستقر عليه أحد أكثر من عام واحد.
