الوقت- من أهم الأحداث التي وقعت خلال الحرب المفروضة على ايران والتي استمرت 12 يومًا من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، والتي لم تُدرس وتُحلل بشكل كافٍ، الهجوم الصاروخي الذي شنته القوات المسلحة الإيرانية على قاعدة عسكرية أمريكية مهمة تُسمى العديد في قطر، والذي من المؤكد أن تصميمه وطريقة تنفيذه ونتائجه ستُتاح بشكل أفضل للعامة والخبراء مع مرور الوقت، إضافةً إلى ذلك، فإن عملية العمليات النفسية التي بدأت بإنكار القوة الصاروخية الإيرانية والسخرية منها وإذلالها في هذا الهجوم، ثم استمرت بالرقابة على نتائجه، يمكن أن تُشكل نموذجًا مناسبًا لفهم أفضل لكيفية مواجهة وسائل الإعلام والشخصيات المتحالفة مع الأعداء للقوة الدفاعية لإيران الإسلامية وإرادتها لحماية حدودها ومصالحها، ما هي خصائص قاعدة الجيش الأمريكي في قطر؟
العديد هي قاعدة تقع في قطر، بدأ بناؤها سرًا في تسعينيات القرن الماضي، استقبلت القاعدة أولى القوات الأمريكية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عقب العمليات الأمريكية في الدول المحيطة بإيران، ومع ذلك، فإن مرافق العديد الشاسعة هي في الواقع أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في غرب آسيا، وتسمح للجيش الأمريكي ببسط نفوذه في جميع أنحاء المنطقة، ولذلك، لطالما كانت العديد هدفًا ثمينًا للولايات المتحدة، عسكريًا ورمزيًا.
تكتسب العديد أهمية استراتيجية للجيش والحكومة الأمريكية من ناحيتين: أولًا، تسمح للولايات المتحدة بمواصلة فرض نفوذها من خلال دعم عملياتها الجوية في المنطقة، وثانيًا، تغطي القاعدة عمليات الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية في البحرين، ما يعزز قوة ردع البحرية الأمريكية وبسط نفوذها في الخليج الفارسي وبحر عمان وشمال المحيط الهندي، لهذا السبب، يُطلق على هذا المركز اسم مقر القوات الجوية الأمريكية، وهو أكبر رصيد استراتيجي للجيش الأمريكي في منطقة غرب آسيا.
وفي بعض المراحل، كما هو الحال أثناء احتلال بعض جيران إيران، تمركز في هذه القاعدة حوالي 8000 عسكري أمريكي، إلى جانب مئات مما تُسمى بقوات التحالف، منذ عام 2009، أصبحت قاعدة العديد رسميًا مقرًا للقيادة المركزية الأمريكية، المسؤولة عن قيادة العمليات الإرهابية الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بالإضافة إلى ذلك، تشمل المرافق المهمة لهذه القاعدة عشرات المخابئ المدرعة، وأنظمة صواريخ باتريوت، ومدرجين رئيسيين للطائرات والمقاتلات الاستراتيجية الأمريكية، وتستضيف ترسانة من الطائرات الأمريكية المتطورة، بما في ذلك قاذفات بي-52 ومقاتلات إف-15 وإف-22. تفاصيل ونتائج الهجوم الصاروخي الإيراني على أهم قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة.
وردًا على العمل العدواني الأمريكي ضد المواقع والمنشآت النووية في ايران، دمرت القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الساعات الأخيرة من يوم 2 يوليو 1404 هـ، القاعدة الجوية الأمريكية في العديد، قطر، نفذت وحدات مختارة من القوة الجوية الفضائية التابعة للحرس الثوري، المعروفة باسم "أبو عبد الله الحسين (ع)، بنجاح عملية "بشرة فتح"، مستهدفةً قاعدة العديد القطرية بهجوم صاروخي قوي، ووفقًا لبيان المجلس الأعلى للأمن القومي، فإن عدد الصواريخ المستخدمة في هذه العملية يعادل عدد القنابل التي استخدمتها الولايات المتحدة في الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية.
وقد أعلنت بعض وسائل الإعلام الغربية، في الساعات الأولى التي تلت هذه العملية، أن عدد الصواريخ التي أطلقها الحرس الثوري بلغ 6 صواريخ، إلا أن الجيش القطري أعلن في بيانه أن إيران شنت هجومين، بإجمالي 19 صاروخًا، على القاعدة الجوية الأمريكية في قطر.
وأكد الجيش القطري في بيانه أنه "لم تحدث أي خسائر مالية نتيجة هذه العملية"، ولكن مع الكشف عن صور الأقمار الصناعية في الأيام التالية، اتضح أن تفاصيل هذا الإعلان أُعدّت تحت ضغط من الجيش الأمريكي، وإلا لما كان المسؤولون العسكريون القطريون موجودين في قاعدة العديد ولم تُتح لهم فرصة لتفقد الأضرار، إلا أن الخطأ الأبرز في هذه الأثناء جاء، كالعادة، من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعلن بسعادة في رسالة على منصة "تروث سوشيال" للتواصل الاجتماعي أنه "من بين الصواريخ الإيرانية الـ 14 التي أُطلقت على قاعدة العديد الجوية في قطر، أُسقط 13 صاروخًا، وأُطلق صاروخ واحد (عمدًا) لأنه كان يتحرك في اتجاه غير مُهدد"، لم يُحدث أي ضرر يُذكر"، استخدم هذه التفسيرات لإيصال رسالة مفادها بأن إيران أبلغت الولايات المتحدة مسبقًا بالهجوم وأن إطلاق الصواريخ لم يكن له أي تأثير.
ولقد أتاح هذا الادعاء والطريقة التي عبّر بها الرئيس الأمريكي عنه فرصةً لوسائل الإعلام والشخصيات التي كانت مهتمة بإذلال وإضعاف معنويات طهران وقدراته الصاروخية، أن تنتج وتنشر مرة أخرى كميةً كبيرةً من الرسائل والصور والمحتوى الفكاهي والنقدي وحتى التحليلي لجعل الجمهور يعتقد أنه من غير الممكن الرد على العدوان العسكري الأمريكي على أراضي ايران ومواجهته، ومع ذلك، لم تدم هذه العملية طويلًا، واضطرت وسائل الإعلام الغربية المتخصصة إلى الكشف على الأقل عن آثار إحدى الضربات الصاروخية العديدة التي شنتها طهران على معدات ومباني القيادة العسكرية الأمريكية في المنطقة.
ما هو النظام المهم الذي دُمّر في الهجوم الإيراني؟
كان النظام الذي استهدفه بدقة ودُمّرَ بالكامل بالصواريخ الإيرانية هو قبة الاتصالات الجيوديسية (رادوم) التابعة للجيش الأمريكي، والتي كانت أول نظام تحديث للاتصالات الأرضية الأمريكية في المنطقة. يُعدّ هذا النظام أول نظام اتصالات أقمار صناعية آمن تابع لسلاح الجو الأمريكي، وهو المسؤول عن توفير نقل آمن للفيديو والصوت والبيانات بين قيادة القيادة المركزية الأمريكية والقيادات الأمريكية حول العالم. يعمل هذا النظام في نطاقات X وKu وKa، وهو متصل بأقمار WGS الصناعية، التي تُوفّر للأمريكيين نطاقًا تردديًا كافيًا لنقل أي نوع من المعلومات، سواءً كانت صوتية أو مرئية. على سبيل المثال، عندما عرض الأمريكيون اغتيال الشهيد سليماني على دونالد ترامب في الولايات المتحدة، نُقلت هذه المعلومات إلى الولايات المتحدة عبر هذا النظام. من جهة أخرى، فإن هذا النظام، الذي بُني في قاعدة العديد بتكلفة حوالي 15 مليون دولار عام 2016، ويتمتع بميزات جيدة تُوفر للأمريكيين أمنًا سيبرانيًا عاليًا في مجال التشفير ونقل المعلومات، يلعب دورًا مهماً في نقل معلومات الرادار وتوجيه عمليات النظام الصهيوني، وخاصة في مجال الدفاع الجوي والدفاع الصاروخي، وفي العمليات الصاروخية الأخيرة للحرس الثوري الإيراني ضد النظام الصهيوني، وفّر معلومات حيوية للنظام لمواجهة الصواريخ الإيرانية.
هذا النظام قادر على نقل جميع أنواع المعلومات التي تحصل عليها أنظمة التجميع الأمريكية المختلفة في المنطقة إلى أي قيادة حول العالم عبر اتصالات أقمار صناعية آمنة، كما يستقبل المعلومات التي تحتاجها قوات القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة، والتي تجمعها صفوف أمريكية أخرى، عبر اتصالات الأقمار الصناعية ويرسلها إلى قوات القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة للعمليات.
الأمريكيون، الذين زعموا في البداية أن إيران استهدفت قاعدة فارغة، وأنه حتى لو أصابت الصواريخ الإيرانية القاعدة، لما تسببت في أي ضرر، إلا أنهم بتدمير نظام الاتصالات المهم هذا، تكبدوا خسائر لا تقل عن 15 مليون دولار، في حين تم تفعيل أنظمة الدفاع العسكرية الأمريكية، مثل باتريوت، وأنظمة الدفاع العسكرية القطرية، في وقت واحد ضد الصواريخ الإيرانية. إضافةً إلى ذلك، تشير بعض مقاطع الفيديو والصور المنشورة ومقابلة مع علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى، إلى أن 6 صواريخ أصابت القاعدة الأمريكية، ولم تنشر وسائل الإعلام الغربية والجيش الأمريكي نتائجها الكاملة بعد.
ومن النقاط المهمة فيما يتعلق بهذا الهجوم أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قررت استخدام الصواريخ الباليستية بدلاً من الطائرات المسيرة الانتحارية الأرخص ثمناً أو حتى الصواريخ قصيرة المدى التي يسهل الوصول إليها وإطلاقها أثناء الحرب ضد النظام الصهيوني، في حين أن الصواريخ الإيرانية قصيرة المدى كان لديها المدى اللازم لاستهداف قاعدة العديد.
ردًا على هذه القضية، يُمكن الإشارة إلى لفت انتباه المسؤولين الأمريكيين والصهاينة إلى أقصى ردّ من حيث القوة، والاحتياطيات الكبيرة من الصواريخ الباليستية، وإحداث دمار مناسب، كأسباب لاستخدام الصواريخ الباليستية. في الوقت نفسه، نقلت الدقة غير المسبوقة للصاروخ الباليستي الإيراني في تحديد هدف محدد الرسائل التقنية والسياسية اللازمة للولايات المتحدة لاقتراح وقف إطلاق النار بسرعة.
آخر نتيجة للهجوم الإيراني: أمريكا تغادر العديد!
في الأيام الأخيرة، أعلن المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (JINSA) ومقره واشنطن، والمعروف سابقًا باسم المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، أن الجيش الأمريكي يدرس بدائل فورية لوضع قاعدته العسكرية الرئيسية بعيدًا عن مرمى الصواريخ الباليستية الإيرانية، تأسس المركز، وهو مركز أبحاث رائد لليهود الأمريكيين وحتى لإسرائيل، عام ١٩٧٦، ووسّع نطاق عمله على مدار الخمسين عامًا الماضية ليس فقط ليشمل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، ولكن أيضًا لتصميم استراتيجيات سياسة الأمن القومي الأمريكية الشاملة.
وفقًا لتحليل حديث أجراه المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، فإن هشاشة قاعدة العديد في قطر، والتي كانت تُعتبر سابقًا مصدر قلق نظريًا ورسميًا، أصبحت جليةً تمامًا بعد الهجوم الصاروخي الإيراني، وفقًا للتقرير الذي كتبه جنرال أمريكي متقاعد. وفي إشارة إلى تحذير سابق للجنرال فرانك ماكنزي، القائد السابق للجيش الأمريكي في غرب آسيا، والذي صرّح فيه بأن الصواريخ الإيرانية قد تصل إلى القاعدة في "خمس دقائق أو أقل" وتغمر الدفاعات الأمريكية، أكد المعهد أن هذا النقص في العمق الاستراتيجي يُعرّض القوات الأمريكية والأنظمة الحيوية للقاعدة للخطر.
ووفقًا لكاتبي هذا التحليل في المعهد اليهودي للأمن القومي، فرغم أن أعداء أمريكا غير قادرين على إسقاط طائرة إف-35 المقاتلة المتطورة في الظروف العادية، إلا أنه عندما تكون الطائرة متمركزة على المدرج، ستكون جميع قدراتها التقنية عديمة الفائدة، ويمكن استهدافها بسهولة.
كما أكد المعهد أنه "إذا قررت إيران شن هجوم شامل على القاعدة الأمريكية، فقد يتسبب ذلك في أضرار كارثية"، كما أكد المعهد اليهودي للأمن القومي أن "العديد من القواعد الأمريكية الرئيسية في الشرق الأوسط تقع على مقربة من إيران، وهي عرضة للصراع مع طهران"، وحث القادة والقادة الأمريكيين على إعطاء الأولوية لـ"إسرائيل" كبديل عن قاعدة العديد في قطر، ومع ذلك، ووفقًا للمعهد اليهودي، يبدو أن القادة العسكريين الأمريكيين يتطلعون إلى تحويل قاعدة في غرب المملكة العربية السعودية إلى مركز لوجستي رئيسي للحد من تعرض قواعدهم العسكرية للصواريخ الإيرانية.
ووفقًا لموقع المشرق، تُظهر صور الأقمار الصناعية المنشورة أن الولايات المتحدة تعمل على توسيع قاعدة دعم في منطقة ينبع بالسعودية، تُسمى هذه القاعدة الأمريكية L.S.A. أُسست قاعدة جينكينز الجوية عام ٢٠٢٢، وهي قيد التوسيع حاليًا.
تُظهر صور الأقمار الصناعية بناء مخابئ ومواقع جديدة ومستودعات ذخيرة ومرافق لوجستية أخرى، وتشمل زيادة الإمدادات والدعم للقاعدة، بالإضافة إلى بناء مساكن لمئات الجنود، تقع القاعدة بالقرب من البحر الأحمر، ويُزعم أنها بعيدة عن مرمى الصواريخ الإيرانية الحالية، على عكس قواعد الأمير سلطان والظفرة والعديد التي تقع بجوار ميناء ينبع السعودي، الذي تستخدمه البحرية الأمريكية للتزود بالوقود والتحميل لعملياتها في البحر الأحمر.
إن نفس الأدلة والنتائج التي اضطر الجيش الأمريكي إلى قبولها على المدى القصير تظهر أن الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة العديد، بالإضافة إلى كونه نجاحًا عسكريًا وتقنيًا، أرسل رسالة سياسية واستراتيجية كبيرة للولايات المتحدة وحلفائها، ما أجبرهم على دراسة مدى صواريخ ايران في أسرع وقت ممكن، لأنه على الرغم من كل الدعاية والتكاليف، فإنه من غير الممكن اعتراضها ومواجهتها، وأكثر من 10 طلقات فقط من القوة الجوية للحرس الثوري الإيراني مصحوبة بضربات دقيقة وناجحة، ناهيك عن أن هذه الطلقات تتحول إلى مئات وتشمل جميع أنواع صواريخ كروز وطائرات مسيرة انتحارية بعيدة المدى.
