الوقت- لا يزال الوضع في سوريا من أكثر القضايا إلحاحاً ليس بالنسبة لغرب آسيا فحسب، بل للعالم أجمع، نظراً لعواقبه الواسعة، ويؤثر استقرار هذا البلد بشكل مباشر على توازن القوى في المنطقة، كما تشعر المناطق الطرفية الأخرى من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى شمال أفريقيا وشبه القارة الهندية بالقلق من تأثرها بتدهور الوضع الأمني والجولة الجديدة من الصراعات المسلحة في هذا البلد ومن أهم هذه المناطق آسيا الوسطى.
أولا وقبل كل شيء، يعكس تكوين الجماعات المتمردة الوجود القوي للمسلحين من آسيا الوسطى، على الرغم من أن العديد من الأجانب المنتمين إلى الجماعات المسلحة المتمردة يحاولون بعناية إخفاء هويتهم الوطنية الحقيقية بسبب سعيهم لتقديم صورة قومية (سورية) عن أفعالهم وإزالتهم من قائمة الجماعات الإرهابية في معظم دول العالم.
وتشير التقارير إلى أن من بينهم الأويغور والطاجيك والأوزبك، وحسب بعض المصادر، هنالك أيضا مواطنون من قيرغيزستان، بينما تشير تقارير إعلامية إلى أن عدد المسلحين النشطين في سوريا وصل الآن إلى 60 ألف شخص، منهم ما بين 3000 إلى 5000 يقدر أنهم من دول آسيا الوسطى.
وتشير التقارير إلى أنه قبل التطورات الأخيرة، كان هناك نحو 2000 مسلح من قرغيزستان وحدها في سوريا، بعضهم عاد إلى بلاده، بينما قُتل آخرون أو بقوا في سوريا، والمقاتلون الأكثر تنظيماً وخبرة بين هذه الجماعات هم الأويغور التابعون لحزب تركستان الشرقية الإسلامي، الذي يتمركز في المنطقة الشرقية من الصين ويتكون بشكل رئيسي من الأويغور، وقد اكتسب العديد منهم خبرة قتالية في أفغانستان.
وحول هذا السياق، كشف الخبير والمحلل السياسي التركي إنجين أوزر في حديث مع موقع قزوين بوست، أنه بعد اتفاق وقف إطلاق النار عام 2020 بين قوات الحكومة السورية والمتمردين بناءً على اتفاق مناطق السيطرة على التوتر، بدأت هيئة تحرير الشام بتجنيد مجموعة جديدة من "المقاتلين الأجانب" لتعزيز صفوفه. وتنحدر هذه القوات أساساً من مناطق مثل الشيشان وألبانيا وأوزبكستان وتركيا وغيرها من الجماعات المرتبطة بالسلفية، ووفقاً لهذا الخبير التركي، تم تنظيم هؤلاء المتمردين في ثلاث وحدات متخصصة ولعبوا دوراً مهماً في تقدم القوات المسلحة في حلب وحماة.
إن الزيادة في عدد المسلحين من آسيا الوسطى في سوريا وعلاقاتهم الدولية جعلت من سوريا أرضاً خصبة للأيديولوجيات المتطرفة في المنطقة، والتي غالبًا ما تعود إلى دول مثل طاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان، وخاصة أن المناطق التي تعاني من مشاكل اقتصادية كانت دائما منطلقا مناسبا لتأصيل الأيديولوجيات المتطرفة وأحد أهداف الجماعات التكفيرية للتجنيد عبر الوعود المالية المغرية، بالإضافة إلى ذلك، في السنوات الماضية، ومع عودة سجناء "داعش" وعائلاتهم من سوريا إلى أوطانهم في دول آسيا الوسطى، كانت عملية إعادة إدماج هؤلاء الأشخاص من خلال برامج التدريب التي تدعمها الأمم المتحدة بطيئة وصعبة للغاية.
لكن هناك لاعبًا مؤثرًا مهمًا آخر في المنطقة لديه مخاوف جدية بشأن تحول سوريا الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة إلى مرتع للجماعات التكفيرية والمتطرفة من آسيا الوسطى، وهي روسيا، وفي عام 2024، هددت مجموعات مثل فرع تنظيم "داعش" في خراسان (ISKP) الأمن القومي للبلاد بشكل متكرر، وأبرزها الهجوم الإرهابي على مركز التسوق كروكوس سيتي في ضواحي موسكو.
وأدى هذا الهجوم الإرهابي، الذي وقع في مارس 2024، إلى مقتل 145 شخصًا وإصابة أكثر من 500 آخرين، وكان معظم منفذيه من آسيا الوسطى، ومعظمهم من الطاجيك والأوزبك، وبالنظر إلى أن العديد من الأشخاص من آسيا الوسطى يهاجرون إلى روسيا للعمل، فإن انتشار الأيديولوجيات المتطرفة والمعادية لروسيا يمكن أن يزيد بشكل كبير من التهديدات الأمنية ضد روسيا.
كما تم نقل بعض هؤلاء الأشخاص إلى أوكرانيا للمشاركة في الحرب عبر أجهزة استخباراتية وأمنية، وفي هذه الحرب اكتسبوا خبرة في العمل بالطائرات من دون طيار، ومن ثم يقومون بنقل هذه الخبرة إلى "إخوانهم في آسيا الوسطى"، ومن الأمثلة الواضحة على هذه القضية نشر أخبار عن تدريب قوات تحرير الشام على يد أوكرانيين خلال الأشهر الماضية وتشكيل "لواء الصقور" ضمن هذه المجموعة.
ويشتبه محللون روس في أن القوى الغربية المرتبطة بهيئة تحرير الشام قد تسعى إلى تسليح هؤلاء المسلحين ضد روسيا، وتشمل السيناريوهات المحتملة تصعيد الصراعات في أوكرانيا، أو فتح جبهة جديدة في آسيا الوسطى أو القوقاز، أو تمكين التكفيريين الأوزبكيين والطاجيكيين من التسلل إلى روسيا كقوة بشرية وإنشاء خلايا نائمة لشن هجمات مستقبلية.
هناك قلق كبير آخر لدول آسيا الوسطى وروسيا فيما يتعلق بالتطورات الجديدة في سوريا، ويتعلق بدور تركيا، التي، بالإضافة إلى دعم أنشطة المتمردين المسلحين في سوريا، هي أيضًا لاعب مؤثر في التطورات في آسيا الوسطى وتركيا.
وقد استخدم العديد من المتطرفين في آسيا الوسطى تركيا كبوابة إلى سوريا في السنوات الماضية، ونتيجة لذلك، أثارت تصرفات تركيا في شمال سوريا انتقادات من جهات فاعلة أخرى في المنطقة لأن هذا الصراع الجيوسياسي لا يتعلق بسوريا فحسب، بل يتعلق بمخاطر التطرف وانعدام الأمن المنتشر في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك القوقاز وآسيا الوسطى.