الوقت - منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، تعرضت المنشآت الطبية في القطاع لأضرار جسيمة نتيجة الغارات الجوية والقصف المدفعي المتواصل من قبل القوات الإسرائيلية.
لم تقتصر الهجمات على الأهداف العسكرية فقط، بل طالت المستشفيات والمرافق الصحية التي كانت تشهد أعداداً كبيرة من الجرحى والمصابين نتيجة العدوان المستمر.
كان مستشفى "كمال عدوان" في بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، أحد أبرز المستشفيات التي تعرضت لاستهداف مباشر، ما يسلط الضوء على حجم الانتهاكات التي طالت القطاع الصحي في غزة.
لطالما شكلت المستشفيات في قطاع غزة ملاذاً للمدنيين الذين تعرضوا للضربات الجوية والتفجيرات، لكن خلال هذا العدوان، تحولت هذه المنشآت الطبية إلى أهداف مباشرة للجيش الإسرائيلي، في انتهاك سافر للقانون الدولي الإنساني.
في تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، تم توثيق ما لا يقل عن 125 هجومًا على المنشآت الصحية في غزة، منذ بداية العدوان، ما أدى إلى تدمير أو تعطيل العديد من المستشفيات والمراكز الصحية، بعض هذه الهجمات كانت على المستشفيات الكبرى التي تحتوي على وحدات حديثة للعناية المركزة والحضانات، ما زاد من صعوبة توفير الرعاية الصحية للجرحى، وخاصة الأطفال والنساء.
استهداف مستشفى كمال عدوان
مستشفى "كمال عدوان" الذي يقع في شمال قطاع غزة، هو أحد المستشفيات الرئيسية التي تقدم خدمات طبية لمئات الآلاف من السكان في المنطقة، تعرض هذا المستشفى لعدة هجمات جوية من قبل القوات الإسرائيلية، التي استهدفت مبانيه بشكل متكرر.
في البداية، أصيب جزء من المبنى بقذائف جوية ما أسفر عن تدمير بعض الأقسام الحيوية مثل قسم الطوارئ، فيما أدت الهجمات المتتالية إلى إيقاف العديد من الخدمات الطبية، بالإضافة إلى ذلك، تضرر العديد من المعدات الطبية التي كانت تستخدم في معالجة المصابين، ما جعل تقديم الرعاية الطبية أمراً شبه مستحيل في بعض الأحيان.
في إحصائية جديدة صدرت عن وزارة الصحة في قطاع غزة، تم الإبلاغ عن إصابة 40 فرداً من الطاقم الطبي داخل مستشفى "كمال عدوان"، بينهم 15 طبيباً وممرضاً، علاوة على ذلك، تسببت الهجمات في استشهاد 12 مريضاً كانوا يتلقون العلاج في المستشفى، بينهم أطفال في وحدات العناية المركزة، كما تم إخلاء العديد من المرضى من المستشفى بسبب استمرار القصف، ما وضع حياتهم في خطر مضاعف.
التهديدات المستمرة ضد المنشآت الطبية
الهجمات على مستشفى "كمال عدوان" لم تكن حادثة معزولة، حيث تم استهداف العديد من المستشفيات الأخرى في قطاع غزة، مثل مستشفى "العودة" ومستشفى "الشفاء" في مدينة غزة.
في أغسطس 2024، تم استهداف مستشفى "الشفاء" وهو أكبر مستشفى في قطاع غزة، ما أسفر عن تدمير الأقسام الرئيسية، بما في ذلك قسم الطوارئ، كما دُمرت 80% من المعدات الطبية في المستشفى، بما في ذلك وحدات الإنعاش وغرف العمليات، كما تعرض مستشفى "العودة" لقصف متكرر، ما أدى إلى إصابة 25 مريضًا و5 من أفراد الطاقم الطبي.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تم استهداف أكثر من 30 مستشفى في قطاع غزة، بما في ذلك وحدات العناية المركزة والحضانات، وبالإضافة إلى ذلك، تم تدمير أكثر من 50% من المعدات الطبية في المستشفيات المتضررة، كما تم توثيق حالات إغلاق مستشفيات بسبب نقص الأدوية والإمدادات الطبية، ما دفع الكثير من المرضى إلى البحث عن رعاية صحية في مناطق أخرى، لكن الحصار والقصف المكثف جعل الوصول إلى هذه المستشفيات أمراً شبه مستحيل.
إحصائيات الخسائر البشرية والمادية
إحصائيات وزارة الصحة في غزة تكشف عن حجم المأساة الإنسانية التي خلفها الهجوم الإسرائيلي على المنشآت الطبية، في تقاريرها الأخيرة، أشارت الوزارة إلى أن أكثر من 45,000 شخص قد استشهدوا منذ بداية العدوان، منهم أكثر من 10,000 طفل وامرأة، كما بلغ عدد الجرحى أكثر من 107,000 شخص، منهم أكثر من 35,000 في حالات حرجة، ما يفاقم أزمة القطاع الصحي في غزة.
أما بالنسبة للخسائر في قطاع الصحة، فقد تم تدمير أكثر من 30 مستشفى ومركزًا صحيًا بالكامل أو تعرضوا لأضرار كبيرة، وفي المقابل، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن توقيف 80% من الخدمات الطبية في القطاع بسبب تدمير المعدات والمرافق الأساسية، يضاف إلى ذلك، أن أكثر من 400 سيارة إسعاف تم تدميرها أو تعطيلها في الهجمات، ما يجعل الوصول إلى المصابين أمراً بالغ الصعوبة.
استهداف المنشآت الطبية في غزة يمثل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية التي تحظر استهداف المنشآت الإنسانية، بما في ذلك اتفاقيات جنيف التي تنص على حماية المستشفيات والعاملين في المجال الصحي خلال النزاعات المسلحة.
في هذا السياق، أدانت العديد من المنظمات الحقوقية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، والهلال الأحمر، والأمم المتحدة، هذه الهجمات، وطالبت بتحقيق دولي في جرائم الحرب المرتكبة ضد المدنيين والمرافق الطبية.
على الرغم من الدعوات المتكررة من قبل المجتمع الدولي لوقف استهداف المنشآت الصحية، إلا أن الهجمات على هذه المنشآت استمرت بشكل متسارع، ما يعكس تجاهلًا صارخًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وقد حذرت المنظمات الإنسانية من أن الوضع في غزة أصبح كارثيًا، وأن الحياة في القطاع تتعرض للخطر بشكل يومي نتيجة للاستهداف المستمر للبنية التحتية الصحية.
إن استهداف المنشآت الطبية في غزة يُعد جريمة حرب لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال، الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على المستشفيات والمرافق الصحية في القطاع تؤكد تدهور الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق، مع تهديد حياة آلاف المرضى والجرحى الذين لا يزالون بحاجة ماسة إلى الرعاية الطبية.
يتطلب الوضع الحالي تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف هذه الهجمات، وتقديم الدعم الفوري لإعادة بناء القطاع الصحي في غزة، بما في ذلك توفير الأدوية والمعدات الطبية، لضمان إنقاذ حياة المدنيين الذين يعيشون تحت وطأة العدوان والحصار.