الوقت - هذه الأيام هي أيام لا تُنسى ونقطة تحول تاريخية للبحرية الإيرانية، حيث إنه خلال عملية غير مسبوقة في تاريخ إيران منذ آلاف السنين، تمكن أسطول من البحرية الإيرانية من الإبحار حول العالم بعد أشهر من الإبحار دون توقف وعبور معظم محيطات العالم، والرسو على شواطئ الخليج الفارسي بنجاح كامل في هذه المهمة الخطيرة.
كان هذا النجاح الكبير، الذي فتح صفحةً جديدةً في تاريخ البحرية الإيرانية، مهمًا للغاية لدرجة أن المرشد الأعلى للثورة في إيران، السيد خامنئي، القائد العام للقوات المسلحة، كرَّم في رسالة له الأسطول 86 التابع للجيش الإيراني بسبب الإبحار حول العالم.
وجاء في رسالة قائد الثورة الإسلامية: "أهنئ الرجال الشجعان للأسطول البحري 86 التابع لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية على إبحارهم العظيم والناجح. أيها الأعزاء! مرحباً بكم في ديارکم؛ أتمنی لکم النجاح".
تأتي إشارة المرشد الأعلی للثورة في إيران والقائد العام للقوات المسلحة في رسالته، إلى أهمية النجاح في هذه العملية البحرية، في حين أنه شدد مرارًا وتكرارًا على أهمية اكتساب القوة البحرية والقدرة على الحفاظ على أمن المياه الإقليمية. على سبيل المثال، قال في خطاب ألقاه في عام 2009: "البحرية اليوم قوة استراتيجية في أجزاء كثيرة من العالم وفي بلدنا؛ ويجب أن ينظر إلى البحرية على أنها قوة استراتيجية".
ما هي الطرق التي سلكها الأسطول 86؟
الأسطول 86 للبحرية الإيرانية (الاسم التشغيلي 360)، والذي يتكون من مدمرة "دنا" الإيرانية الصنع بالكامل وسفينة "مكران" اللوجستية، خلال مهمته الأخيرة حول العالم، عبر الأسطول 86 التابع للبحرية الإيرانية 4 محيطات و 4 قارات و 5 مضائق استراتيجية في العالم، ومن خلال السفر 63 ألف كيلومتر في 232 يومًا من الإبحار، رسا على شواطئ ميناء عباس يوم السبت الماضي.
في وجهته الأولى، رسا الأسطول 86 للبحرية الإيرانية لأول مرة في ميناء بومباي بالهند، ورحبت به السلطات العسكرية الهندية في هذا الميناء، وبعد توقف دام ثلاثة أيام عبر المحيط الهندي ومضيق ملقا، وصل إلى جاكرتا بإندونيسيا، حيث قطع 8900 كيلومتر في نوفمبر 2022، وقد رحب به مسؤولو هذا البلد وتوقف في هذا الميناء لمدة 5 أيام.
بعد ذلك، قام الأسطول 86 برحلة مستمرة ومتواصلة من جاكرتا إلى ريو دي جانيرو بالبرازيل، والتي كانت فريدةً من نوعها. كانت النقطة المهمة في هذه الرحلة هي السفر أكثر من 41 ألف كيلومتر في مياه المحيطين الهادئ والأطلسي وعبور مضيق ماكاسار وبحر سيليبس، والخط الزمني وساحل تشيلي ومضيق ماجلان في جنوب القارة الأمريكية، وهي أقرب منطقة للقطب الجنوب، وكان ذلك اختبارًا جيدًا للجسم الفولاذي للسفينة الإيرانية "دنا"(كأحد المرشحين الرئيسيين للمشاركة في برنامج الإرسال إلی القطب الجنوبي) في المياه الباردة.
أخيرًا، بعد اجتياز سواحل أوروغواي والأرجنتين في 7 مارس 2022، وفي الذكرى الـ 120 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والبرازيل، رسا الأسطول 86 في ميناء ريو دي جانيرو. وبعد ذلك، بعد عبور المحيط الأطلسي لمسافة 48 ألف كيلومتر، رسا في 11 أبريل 2023 في ميناء كيب تاون لمدة 5 أيام، وسط ترحيب من سلطات جنوب إفريقيا.
واستكمالاً لرحلته، مر الأسطول عبر مضيق موزمبيق ومياه تنزانيا والصومال وجزيرة سقطري اليمنية، وبعد أن قطع 57 ألف كيلومتر أخرى رسا في ميناء صلالة في عمان.
الأسطول 86 يحطم الرقم القياسي؛ وصول إيران إلى البحار البعيدة
إيران هي إحدى الدول التي لطالما امتلكت قوةً بحريةً قويةً بسبب سواحلها الطويلة وقربها من البحار والمياه المفتوحة، ومن ناحية أخرى، وجودها في منطقة الخليج الفارسي ومضيق هرمز الجيوستراتيجية.
وفي العصر الحديث أيضًا، لم تتضاءل أهمية هذه القضية قليلاً فحسب، بل زادت هذه الأهمية بسبب الصراع والمواجهة مع الوجود العسكري للقوى عبر الإقليمية والتهديدات الناتجة عن ذلك على الأمن القومي الإيراني، فضلاً عن الأهمية المتزايدة لامتلاك القوة البحرية في تعزيز التجارة الخارجية وتحديد المصالح البحرية في المياه المفتوحة.
وفي الوقت نفسه، كانت إحدى المهام الرئيسية للأسطول البحري 86 للجيش الإيراني تعزيز الدبلوماسية البحرية وإقامة تعاون دفاعي بحري مع دول أخرى في العالم، لضمان السلام والاستقرار في المنطقة.
وفي هذا الصدد، قال قائد المنطقة البحرية الأولى للجيش الإيراني الأميرال قادر بناه: "تقوم الدبلوماسية الدفاعية لبلدنا على أساس السلام المستدام وعدم فرض الهيمنة أو قبول الهيمنة، وتسعى البحرية إلى تحقيق هذه الدبلوماسية التي تسبب الردع والسلام المستدام من خلال الوجود في المياه الدولية".
وذكر أن هذا الأسطول أبحر 233 يومًا حتى الآن، وقال: "لقد تم تنفيذ هذه المهمة البحرية بهدف تحقيق توجيهات المرشد الأعلى للثورة، فيما يتعلق بالطبيعة الاستراتيجية للبحرية وضرورة الوجود في المياه الدولية لإظهار عزة واقتدار جمهورية إيران الإسلامية".
وأشار قائد المنطقة الأولى بالبحرية الإيرانية إلى أنها المرة الأولى في تاريخ البحرية الإيرانية التي نجحنا فيها بالمرور حول العالم، وأضاف: إن نجاح هذه المهمة هو نتيجة جهود القوات المتخصصة والمدربة.
وذكر أن مدمرة "دنا" إيرانية بالكامل وهي موجودة بشكل مستمر منذ ثمانية أشهر دون الاعتماد على الآخرين، وقال: لعبت سفينة "مكران" أيضًا دورًا مساندًا في هذا الأسطول، حيث وفرت جميع الاحتياجات والتسهيلات اللازمة، حتى أنه كان لديها مستشفى به طاقم متخصص وبنك دم، وكان لديهم حالة جراحة الزائدة الدودية الناجحة في هذا الأسطول.
وأشار الأميرال قادر بناه إلى أن "أهم بنية تحتية للبحرية الإيرانية هي القوة البشرية، وبفضل الله، لدينا قوة بشرية مسؤولة وقيمة ومتخصصة وماهرة". وتابع: "بناءً على أوامر المرشد الأعلى، فإن الدبلوماسية الدفاعية لبلدنا تقوم على أساس السلام المستقر وعدم الهيمنة، والبحرية تبحث عن تحقيق هذه الدبلوماسية التي تسبب الردع والسلام الدائم من خلال الوجود في المياه الدولية".
وفقًا لتصريحات مسؤولي البحرية الإيرانية، تخطط البحرية الإيرانية لإرسال أسطول إلى منطقة القطب الجنوبي لأول مرة في المستقبل القريب. ويبدو أن هذا الموضوع كان أحد الأهداف الرئيسية لمهمة الأسطول 360 للبحرية الإيرانية في رحلته الطويلة المدى حول العالم.
القطب الجنوبي هو أحد أهم المناطق الإستراتيجية في العالم، والذي يهمّ العديد من البلدان. 52 دولة أعضاء في معاهدة القطب الجنوبي، ولكن الآن يوجد حوالي 30 دولة (بما في ذلك أمريكا وروسيا وتشيلي وفرنسا والأرجنتين والهند وباكستان والبرازيل)، مع 70 مركزًا بحثيًا نشطًا لديها محطات بحثية في هذه المنطقة، وروسيا تتصدر القائمة بعشر محطات.
تم النظر في إنشاء محطة إيران الدائمة في القطب الجنوبي من أجل زيادة العمق الاستراتيجي لإيران في السنوات الماضية، وأُعلن عن خطط لتحقيق ذلك، لكن ليس من الواضح في أي مرحلة هي هذه الخطط الآن.
ونظرًا لإمكانية الوصول المباشر إلى القطب الجنوبي من ساحل مكران(دون وجود أي يابسة في الطريق)، يمكن لإيران المطالبة بالسيادة على جزء من القطب الجنوبي وفقًا للقوانين الدولية.
العد التنازلي لحاملة الطائرات الإيرانية
لا شك أن التخطيط لوجود قوي في المياه المفتوحة والقطب الجنوبي والدفاع عن المصالح البحرية، يتطلب معدات استراتيجية مثل السفن الحربية والسفن اللوجيستية الثقيلة. وفي هذا الصدد، ووفقًا للعقوبات العسكرية في العقود الأربعة الماضية، صممت الصناعات الدفاعية الإيرانية وبنت متطلبات القوات البحرية في مختلف القطاعات السطحية وتحت السطحية والمحمولة جواً.
وفي هذا الشأن، فإن أحد أهم المشاريع الطموحة التي لفتت انتباه صناعة الدفاع الإيرانية في السنوات الأخيرة، هو محاولة بناء حاملة طائرات، والآن هناك أخبار مهمة حول بدء المراحل التشغيلية لمثل هذا المشروع الضخم.
وقال قائد القوات البحرية في الحرس الثوري العميد "علي رضا تنكسيري"، في 15 مايو بين طلبة طريق التقدم في معرض ومنجزات هذه القوة: في المستقبل، سنرى حاملة طائرات لا يوجد مثلها في العالم. وأوضح: حاملة الطائرات هذه لديها القدرة على حمل الطائرات، والقدرة على حمل عدد من قاذفات الصواريخ بداخلها، والتي لا مثيل لها في العالم.
ووفقًا للعميد تنكسيري، تعدّ سفن "الشهيد مهدوي" و"الشهيد رودكي" تجربةً ناجحةً في دخول هذا المجال وبناء السفن لتحسين صلاحيتها للإبحار لمسافات طويلة، وسنرى أجيالًا جديدةً من السفن ذات قدرات أكبر في المستقبل.
كانت سفينة "الشهيد مهدوي" التابعة للبحرية الإيرانية بطول 150 مترًا وعرضها أكثر من 22 مترًا، تشبه مدينة بحرية متنقلة جديدة لإيران، وتم الكشف عنها في نوفمبر 2020.
وبالتزامن مع الكشف عن هذا المشروع، في يناير 2020 كشف الجيش الإيراني النقاب عن السفينة اللوجستية "مكران" المعروفة باسم سفينة ميناء مكران، وقد أظهرت هاتين السفينتين، اللتين كانتا تجربةً جيدةً لتغيير استخدام السفن التجارية وتحسينها عسكريًا، معرفة إيران في هذا القطاع للعالم.
