الوقت - الحادث الذي وقع يوم الخميس الماضي في سفارة جمهورية أذربيجان في طهران، والذي أدى إلى مقتل أحد موظفي السفارة، إضافة إلى التغطية الإخبارية المنحازة لبعض وسائل الإعلام الإقليمية والناطقة بالفارسية في لندن، والتي سعت للاصطياد في المياه العکرة، ترافق مع ردود فعل غامضة وغير ودية من سلطات باكو، فضلاً عن دخول متسرع من قبل بعض الجهات الفاعلة الإقليمية والغربية الأخرى.
هذه القضية، رغم أبعادها وزواياها الواضحة، وهوية المهاجم ودوافعه الشخصية، وإصدار أمر تحقيق أكثر شمولاً من قبل الرئيس الإيراني، حتی لا يترك مجالاً للشك، ولكنها لم تمنع سلطات باكو من وصف هذه الحادثة بالإرهابية.
لذلك، وللتعرف أكثر على دوافع الأطراف الأجنبية في اللعبة السياسية والإعلامية المحيطة بحادثة السفارة، تحدث "الوقت" مع السيد حسن هاني زاده، الخبير في الشؤون الدولية.
الوقت: على الرغم من أنه في الهجوم على السفارة الأذربيجانية في طهران، كان الدافع الرئيسي للمهاجم هو العداء الشخصي والعائلي، لكن سلطات باكو اتخذت موقفًا متشددًا منذ البداية، وتحدثت عن قطع العلاقات الدبلوماسية دون التحقيق في تفاصيل الحادث، وبطريقة ما وجهوا أصابع الاتهام لقوات الأمن الإيرانية کإرهابيين. ما سبب هذه السياسات المنحازة للأذربيجانيين؟ لماذا اتخذوا هذه المواقف دون وثائق؟
السيد حسن هاني زاده: على الرغم من أن الهجوم الأخير الذي شنه شخص مسلح على سفارة جمهورية أذربيجان في طهران كان عملاً شخصيًا، وتم إلقاء القبض على الشخص المسلح وهو قيد الاستجواب حالياً، ولکن رد الفعل المتسارع للسلطات الأذربيجانية يظهر أن هذا البلد يحاول خلق التوتر مع إيران، من خلال استغلال الفرصة التي حصلت وقطع العلاقات مع طهران في نهاية المطاف.
وتشير المكالمة الهاتفية بين الرئيس ووزير خارجية إيران مع نظرائهما الأذربيجانيين إلى رد الفعل المعقول والعقلاني للجمهورية الإسلامية، لكن وسائل الإعلام الأذربيجانية والتركية والدولية جعلت من هذا الحادث علامةً على تدمير العلاقات الإيرانية الأذربيجانية.
يبدو أن هذه الحادثة تشبه حادثة جامعة المستنصرية في العراق، حيث ألقى مسلح قنبلةً على جامعة المستنصرية ببغداد مطلع عام 1980 وقتل عدة طلاب عراقيين، وأصيب طارق عزيز عضو مجلس القيادة ونائب رئيس الوزراء حينها.
زعمت السلطات العراقية حينها أن منفذ التفجير إيراني قتل على يد حراس طارق عزيز. في الوقت نفسه، قطع صدام من جانب واحد علاقاته مع إيران وأقسم أنه سينتقم من إيران لضحايا جامعة المستنصرية.
الآن، مع الحادث الأخير في السفارة الأذربيجانية، يلعب إلهام علييف، رئيس هذا البلد، بتصريحات متسرعة وغير ودية الدور نفسه الذي لعبه صدام حسين في أوائل عام 1980، وقبل ثلاثة أشهر من الهجوم الشامل على إيران. وبينما اقترحت الجمهورية الإسلامية تشكيل لجنة أمنية مشتركة للتحقيق في أبعاد هذا الحادث، يبدو أن حكومة باكو لا تريد التعاون مع إيران بشأن الحادث الذي وقع في سفارة أذربيجان.
ويبدو أن مثل هذه السياسات، التي أثرت على العلاقات بين إيران وأذربيجان منذ فترة طويلة، تتجه نحو زيادة التوترات السياسية بين طهران وباكو، وقد تؤدي إلى قطع العلاقات بين البلدين.
الوقت: بالنظر إلى وجود بعض الخلافات في وجهات النظر والمصالح بين إيران وأذربيجان في الأشهر الأخيرة حول التغيرات الجيوسياسية في كاراباخ، ما هو تأثير هذا الإجراء على العلاقات السياسية بين البلدين؟ وماذا ستكون عواقب تحريض باكو على تصعيد التوترات مع إيران على هذا البلد؟
السيد حسن هاني زاده: موقف إلهام علييف من إيران خلال العقد الماضي يستند إلى ضغوط خارجية، لأن افتتاح السفارة الأذربيجانية في تل أبيب يظهر أن علييف يحاول استخدام القدرة العسكرية للکيان الصهيوني والدعم العسكري لتركيا لمواجهة الجمهورية الإسلامية.
في السنوات الأخيرة، حاولت حكومة أذربيجان قطع اتصال الجمهورية الإسلامية مع دول آسيا الوسطى وأوراسيا من خلال التغيير الجيوسياسي في المنطقة، وخاصةً في الحدود المشتركة لإيران وأذربيجان وأرمينيا.
يسعى إلهام علييف بقوة إلى الاقتراب من الکيان الإسرائيلي، لأنه خلال النزاعات الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا، كان الدور اللوجستي للکيان الصهيوني في هذا الصراع واضحًا تمامًا. وللأسف، فإن رئيس أذربيجان، بغض النظر عن الهيكل الاجتماعي لهذا البلد وحقيقة أن أكثر من 70 في المئة من سكان البلاد لديهم معتقدات شيعية، يعتزم الحد من نفوذ إيران في منطقة آسيا الوسطى.
الوقت: كيف تقيمون تصرفات الأطراف الخارجية التي اتخذت موقفاً تدخلياً فيما يتعلق بالحادثة؟
السيد حسن هاني زاده: لا شك أن جهات خارجية مثل أمريكا والکيان الصهيوني وتركيا والسعودية فاعلة في تحريض إلهام علييف على مواجهة إيران، وتغيير الحدود الجغرافية وتقليص نفوذ إيران الروحي في المنطقة، وهذا خطأ استراتيجي من قبل رئيس أذربيجان.
لقد حذرت إيران مرات عديدة من محاولة حكومة باكو تغيير الحدود البرية، لكن استمرار الصراع بين أذربيجان وأرمينيا على منطقة كاراباخ الاستراتيجية أظهر أن باكو لا تزال تتبع سياستها التوسعية.
تخطط حكومة باكو للسيطرة على ممر ناختشفان إلى جمهورية أذربيجان، من خلال السيطرة الكاملة على المنطقة المعروفة باسم ممر "زانج زور"، وتغيير خريطة الحدود المشتركة التي يبلغ طولها 38 كم بين إيران وأرمينيا. وإذا حصلت باكو على سيطرة كاملة على ممر زانج زور، فسيتم قطع طريق إيران البري إلى دول آسيا الوسطى، وهذا يمكن أن يخلق مشاكل عبور لإيران.
الوقت: كان موقف تركيا الحاد من هذا الحادث لافتًا أيضًا، والذي كان نوعًا من الاتهام لإيران ودعمًا كاملاً لباكو. ما هو دور تركيا في هذه الأثناء والتي تؤجج تصعيد التوترات بدلاً من تخفيفها؟
السيد حسن هاني زاده: فيما يتعلق بحادثة الهجوم المسلح على السفارة الأذربيجانية في طهران، على الرغم من أن إيران تحاول جاهدةً منع استغلال الأعداء للحادثة، لكن للأسف حكومة باكو تخطط لاستخدام هذه القضية للضغط على إيران وتقليص مستوى العلاقات مع طهران.
تهدف جمهورية أذربيجان إلى خلق نزاع حدودي مع الجمهورية الإسلامية بمساعدة أمريكا والغرب والکيان الصهيوني وتركيا والسعودية، وإلی جانب إغلاق الحدود المشتركة لإيران وأرمينيا، منع عبور البضائع الإيرانية إلى دول آسيا الوسطى وأوراسيا، ثم السيطرة على موارد بحر قزوين.
تحاول باكو جاهدةً تضخيم حادثة السفارة الأذربيجانية في طهران لإحداث توتر في المنطقة. وحسب توجهات العثمانية الجديدة، فإن تركيا تقف أيضًا إلى جانب أذربيجان، وبدلاً من محاولة تخفيف التوترات تحاول إحداث توتر سياسي وعسكري بين طهران وباكو. لذلك، من المحتمل أن يكون الهجوم الإرهابي على سفارة باكو في طهران، سيناريو مخطط له مسبقًا لتعکير العلاقات بين البلدين.
الوقت: كانت مواقف الولايات المتحدة والکيان الصهيوني من هذه الحادثة منحازةً وتدخليةً، ودعمت الحكومة الأذربيجانية. كيف تستفيد هذه الأطراف وخاصةً الصهاينة من تعطل العلاقات بين طهران وباكو؟
السيد حسن هاني زاده: السيناريو الذي حددته مجموعة الدول المعادية لإيران، بما في ذلك أمريكا والکيان الصهيوني وتركيا والسعودية، كان دائمًا هو أن الحدود حول إيران تکون غير مستقرة، وعلاقات هذا البلد مع جيرانه لا تصل إلى نقطة مستقرة ومطمئنة.
والأحداث الأخيرة في البصرة بالعراق، وإقامة مباريات كرة القدم تحت اسم مزور غير الخليج الفارسي، وتصرفات بعض السلطات العراقية في استخدام اسم مزيف للخليج الفارسي، هي جزء من هذا السيناريو.
والأحداث الأخيرة في إيران، والتغطية الإعلامية المكثفة لوسائل الإعلام الغربية والسعودية والتركية ضد إيران، والعقوبات الشديدة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على إيران، وقيام برلمان الاتحاد الأوروبي بإدراج الحرس الثوري الإيراني في قائمة المنظمات الإرهابية، تعتبر جزءًا من هذا السيناريو أيضًا.
إن الفائدة التي تجنيها هذه الدول من تصعيد الخلافات بين طهران وباكو، هي توريط إيران مع أذربيجان حتى تحصل باكو على الدعم العسكري والسياسي المباشر من الولايات المتحدة وتركيا والکيان الإسرائيلي ضد إيران.
الوقت: إلى أي مدى لعب نوع نشاط السلطات الإيرانية بعد الحادث دورًا في تحييد الأجواء الإعلامية المناهضة لإيران؟
السيد حسن هاني زاده: على الجمهورية الإسلامية أن تشكل على الفور لجنةً مشتركةً بمشاركة السلطات الأذربيجانية، وعبر المحاكمة العلنية لمنفذ الهجوم على السفارة وتقديم المعلومات السريعة والدقيقة حول الحادث، تمنع مخططات الأعداء من وراء الكواليس لإحداث صراع بين إيران وأذربيجان وإعطاء ذريعة لهذا البلد.
