الوقت- عندما قامت الإمارات والبحرين بتطبيع علاقاتهما مع الکيان الصهيوني في سبتمبر 2020، ادعى المسؤولون الأمريكيون والصهاينة أن دولًا عربيةً أخرى كانت أيضًا على استعداد للتطبيع وستوقع على هذا الاتفاق قريبًا، لكن منذ ذلك الحين لا توجد دولة أخرى على استعداد لتقديم تنازلات للصهاينة.
مع عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة كرئيس لوزراء الكيان الصهيوني، ازداد أمل الصهاينة في التحالف مع بعض الدول العربية. لكن تطورات الأشهر القليلة الماضية، وخاصةً تجربة المونديال في قطر، كشفت أن مشروع التطبيع يبتعد عن مساره يومًا بعد يوم.
لذلك، فإن آمال تل أبيب بهذا المشروع للخروج من العزلة الاقليمية ستخيب، وحتى لو وافق السعوديون على هذا المشروع، فإن الصراع العبري العربي لن ينتهي، وستستمر هذه المواجهة حتى يُطرد المحتلون من فلسطين.
من أجل النظر في عملية تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني، تحدث موقع "الوقت" مع الخبير في الشؤون الدولية السيد حسن هاني زاده.
الوقت: منذ إبرام اتفاقية التطبيع عام 2020 بين الإمارات والبحرين مع الکيان الصهيوني، ظهر نوع من الانقسام والازدواجية في نظرة الدول العربية تجاه اتفاقية التطبيع. حيث كان البعض مثل السعودية أكثر رغبةً، واتخذ الكثيرون مثل عمان تدابير ضدها. ما هو سبب هذه الازدواجية؟
السيد حسن هاني زاده: تعتمد العلاقات بين العرب والکيان الصهيوني على الظروف الداخلية والإقليمية والدولية لهذه الدول. خلال العقد الماضي، اضطرت الأنظمة العربية إلى إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني تحت ضغط أمريكا والغرب.
هناك عاملان أديا إلى تطبيع العلاقة بين بعض الأنظمة العربية والکيان الإسرائيلي. أولاً، كان نشر إيران فوبيا الشديد من قبل أمريكا والغرب، هو الذي جعل هذه الأنظمة تميل إلى الکيان الصهيوني لمواجهة ما تعتبره أمريكا والغرب خطر إيران على أنظمة التسوية العربية. والعامل الثاني هو الحاجة الماسة لبعض الدول العربية الفقيرة، بما في ذلك المغرب والسودان، لأن هذه الدول في أمس الحاجة إلى المساعدات المالية الأمريكية، ولا يمكن تنفيذ هذه المساعدة دون التطبيع مع الکيان الصهيوني.
ومع ذلك، فإن الدول العربية ليست مستعدةً أبدًا لقبول الکيان الإسرائيلي، وما حدث مؤخرًا في مونديال 2022 في قطر، يظهر أن الشعوب العربية تعتبر الکيان الإسرائيلي العدو الرئيسي للشعوب الإسلامية.
کما أن فشل خطة تشكيل جبهة عبرية-عربية ضد إيران ومحور المقاومة، سبب آخر لضعف العلاقات العربية الإسرائيلية. ورغم أن بنيامين نتنياهو لا يزال يحاول استغلال كل فرصة للتقرب من العرب، إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل.
حكومة نتنياهو المتطرفة، المكونة من أشخاص ينتمون لحزب "الصهيونية الدينية"، مكروهة من قبل العالم والبلدان العربية أكثر من الحكومات الأخرى. ولذلك، فإن الأحداث الأخيرة في فلسطين المحتلة وتشكيل انتفاضة جديدة واسعة النطاق في الضفة الغربية وغزة، دليل آخر على فشل نتنياهو في الاقتراب من العرب.
الوقت: ما هي أهداف الكيان الصهيوني من متابعة ملف التطبيع؟
السيد حسن هاني زاده: يعتبر الکيان الصهيوني تطبيع العلاقات مع الأنظمة العربية الرجعية في إطار السياسة المشتركة للولايات المتحدة وهذا الکيان تماشياً مع عزلة إيران، وهذه السياسة محكوم عليها بالفشل. والسبب في ذلك أنه في السودان والمغرب والبحرين، الذين أقاموا علاقات مع الکيان الصهيوني، نظمت الشعوب والأحزاب الإسلامية مظاهرات كبيرة وطالبت بقطع العلاقات مع الکيان الإسرائيلي.
وتعتقد هذه الشعوب أن الجمهورية الإسلامية، كدولة إسلامية، لم تحاول أبدًا التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، ويجب على الحكومات ألا تقيم علاقات مع الکيان الصهيوني بهذه الذريعة. من ناحية أخرى، إيران هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي كانت دائمًا مدافعًا حقيقيًا عن القضية الفلسطينية منذ بداية انتصار الثورة الإسلامية، وتحملت ضغوطاً طائلةً في هذا الصدد.
الوقت: ما هو تأثير القانون الذي تم تمريره في عمان على عملية التطبيع؟ وهل من الممكن أن تستمر مثل هذه الخطة في دول عربية أخرى؟
السيد حسن هاني زاده: تعتبر سلطنة عمان من الدول المؤثرة في مجلس التعاون، وبرلمان هذا البلد هو البرلمان الرابع بعد العراق والجزائر وتونس، والذي اعتبر إقامة العلاقات مع الکيان الصهيوني جريمةً. وهذه خطوة ذكية للغاية، حيث حافظت سلطنة عمان على استقلالها السياسي على الرغم من علاقتها الواسعة مع الولايات المتحدة والغرب.
في الوقت نفسه، أغلق البرلمان العماني الطريق أمام نفوذ الکيان الصهيوني في الخليج الفارسي بهذا القرار، لأن الإمارات والبحرين انتهكتا القوانين المشتركة لمجلس التعاون بإقامة علاقات مع الکيان الصهيوني.
الوقت: يحاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان استكمال عملية التطبيع، وفي الأيام الأخيرة بدأت مفاوضات سرية بين الرياض وتل أبيب. لكن أغلب السعوديين ضد هذه القضية، فكيف سيحل ابن سلمان هذا التناقض؟
السيد حسن هاني زاده: منذ عام 2018، وتحت ضغط الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أقام محمد بن سلمان سراً العلاقة مع الکيان الصهيوني. ويقال إن بنيامين نتنياهو سافر سراً إلى الرياض وأجرى محادثةً مع محمد بن سلمان. كما سافر ولي عهد السعودية إلى تل أبيب مرتين، وبحث مع مسؤولي هذا الکيان آفاق العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
والآن، دخل ولي العهد السعودي في مفاوضات مع إيران بأسلوب تكتيكي لتحقيق التوازن الإقليمي، وبدأت هذه المحادثات في أبريل من العام الماضي، وعُقدت خمس جولات من المفاوضات في المجالات الأمنية. كان من المفترض أن تنتقل المفاوضات من المرحلة الأمنية إلى المرحلة السياسية، لكن الأحداث الأخيرة في إيران وتدخل وسائل الإعلام التابعة لنظام آل سعود في أحداث إيران، أديا إلى توقف عملية التفاوض بين الوفدين الإيراني والسعودي في بغداد.
إذا أثمرت المفاوضات بين وفدي البلدين، التي من المفترض أن تستأنف، وعادت العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، فإن ولي عهد السعودية سيعلن بالتأكيد علاقته بالکيان الإسرائيلي. والسبب في ذلك أن محمد بن سلمان يعتزم خلق نوع من التوازن فيما يتعلق بعلاقاته مع طهران وتل أبيب، من أجل تجنب انتقاد الشعوب الإسلامية لتطبيع العلاقات المحتملة مع الکيان الصهيوني.
الوقت: أظهرت أحداث مونديال قطر أنه على الرغم من مساعي الحكام العرب للتوجه إلى معسكر الكيان الصهيوني، فإن الرأي العام في العالم الإسلامي يعارض بشدة هذه القضية. مع الاحتجاجات الواسعة للرأي العام في العالم الإسلامي، ما هي آفاق مشروع التطبيع؟
السيد حسن هاني زاده: لقد أظهرت أحداث مونديال قطر والحركة الثورية للمنتخب المغاربي لكرة القدم، وعدم ترحيب الشعوب العربية للفريق الإعلامي للکيان الصهيوني، أن هذا الکيان في عزلة شديدة بين الشعوب الإسلامية والعربية. كما اعترفت وسائل إعلام الکيان الصهيوني صراحةً، بأن الشعوب الإسلامية ما زالت تعتبر إسرائيل العدو الرئيسي للأمتين العربية والإسلامية، وهذا الأمر سيبطئ عملية التطبيع.
الوقت: كيف سيؤثر صعود اليمين المتطرف في الکيان الصهيوني، على عملية التطبيع والتطورات الداخلية في الأراضي المحتلة والتوتر مع الفلسطينيين؟
السيد حسن هاني زاده: إن تعيين شخصيات متطرفة في حكومة بنيامين نتنياهو، وخاصةً وجود إيتمار بن غفير، زعيم حزب الصهيونية الدينية، الذي يريد إقصاء جميع الفلسطينيين عن الأراضي المحتلة، سيؤدي إلى مزيد من العزلة لهذا الکيان. وجاء تشكيل انتفاضة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، رد فعل من الشعب الفلسطيني على تشكيل حكومة متطرفة.
الوقت: كيف تقيمون آفاق التطبيع؟
السيد حسن هاني زاده: آفاق تطبيع العلاقات بين العرب والکيان الصهيوني قاتمة، وستضطر الأنظمة العربية إلى إعادة النظر في علاقاتها مع تل أبيب بضغط من شعوبها. كما أن العلاقات بين الأردن ومصر مع هذا الکيان باردة حالياً.
