الوقت- كانت زيارة رئيس إقليم كردستان العراق "نيجيرفان بارزاني" إلى بغداد قبل ايام ذات أهمية خاصة، بعد فترة وجيزة من إقرار موازنة العراق لعام 2021 وتحديد حصة الإقليم من موازنة العراق.
في غضون ذلك، يُشار إلى أن نيجيرفان بارزاني التقى بممثلي وقادة مختلف الأحزاب، إضافةً إلى لقاءاته مع كبار المسؤولين الحكوميين وممثلي المنظمات الأجنبية.
التقى بارزاني أولاً مع رئيس الجمهورية برهم أحمد صالح، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وفائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي، وأحمد أبو الغيط رئيس جامعة الدول العربية، ومبعوث الأمم المتحدة. كما التقى بممثلي مختلف الأحزاب والائتلافات السياسية. والسؤال المطروح الآن هو ما هي الأهداف والإنجازات التي حققتها زيارة بارزاني؟
التركيز على حل الخلافات بين أربيل وبغداد
الهدف الأول وربما الأكثر أهميةً لزيارة رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني إلى بغداد هو التركيز على حل النزاع بين أربيل وبغداد، والذي كان قائمًا على مستويات مختلفة منذ عام 2005.
لطالما أثيرت قضايا بين الطرفين في السنوات الأخيرة مثل الميزانية، واستكشاف وبيع النفط من قبل الأكراد، والمناطق المتنازع عليها، وعائدات الإقليم من الحدود والجمارك، وقد جرت مباحثات عديدة في هذا الصدد وتم التوصل إلى اتفاقات، من أهمها الاتفاق الأخير بين أربيل وبغداد، والذي أدرجت بموجبها حصة موازنة إقليم كردستان في موازنة العراق لعام 2021، مقابل تلقي عائدات النفط ونصف الإيرادات الحدودية.
وفي الوضع الحالي أيضاً، يمكن اعتبار زيارة رئيس إقليم كردستان العراق إلى بغداد محاولةً جديدةً من قبل الأكراد لحل خلافاتهم مع بغداد، وربما الاتفاق مع حكومة مصطفى الكاظمي على قضايا جديدة، ولا سيما على الصعيد الأمني.
في الواقع، كان بارزاني، كشخصية معتدلة بين قادة الحزب الديمقراطي، دائمًا ذا نظرة إيجابية لتقوية العلاقات وحل الخلافات بين الجانبين، ولدى مسؤولي بغداد أيضاً نظرة إيجابية للسفر والتفاوض معه.
محاولة الحصول على الدعم في برلمان بغداد
إضافةً إلى محاولة حل الخلاف بين أربيل وبغداد، لعل أهم بُعد خفي في زيارة البارزاني والذي أغفله المراقبون السياسيون، هو محاولة أربيل الحصول علی دعم أعضاء البرلمان العراقي والتأثير على التيارات السياسية.
كان لإقليم كردستان العراق اتفاقات مع مختلف رؤساء الوزراء في بغداد في أوقات مختلفة، لكن البرلمان هو الذي عرقل تنفيذ هذه الاتفاقات.
ويمكن رؤية مثال واضح على ذلك في اتفاقيات مصطفى الكاظمي مع قادة الحزب الديمقراطي في أربيل على مدار الأشهر القليلة الماضية، والتي تعرضت لانتقادات شديدة من قبل أعضاء البرلمان وواجهت عقبات كبيرة في التنفيذ.
يبدو الآن أن الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي باعتباره التيار الرئيس للسلطة في الإقليم، توصل إلى اعتقاد بأنه إضافة إلى الشخصيات والقادة السياسيين الحاضرين في مجلس الوزراء، يجب أن يكون لها تأثير بين الأحزاب وبالتالي داخل البرلمان العراقي أيضاً، وذلك للحفاظ على الاتفاقيات والتفاعل مع الحكومة المركزية.
في اليوم الأول من زيارة بارزاني، التقى بممثلي مختلف الأحزاب، بما في ذلك زعيم ائتلاف العمل "سليم الجبوري"، ورئيس الوزراء السابق "عادل عبد المهدي"، ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى العراقي "همام حمودي"، والأمين العام لحزب الوفاق الوطني "إياد علاوي"، وزعيم تحالف العزم "خميس الخنجر".
كما التقى في اليوم الثاني من زيارته لبغداد بقادة سياسيين عراقيين، منهم عمار الحكيم زعيم تيار "الحكمة" الوطني، و"أسامة النجيفي" زعيم جبهة الإنقاذ والتنمية، و"نوري المالكي" رئيس ائتلاف دولة القانون، و"هادي العامري" زعيم ائتلاف فتح، و"حيدر العبادي" زعيم تحالف النصر، و"نصار الربيعي" رئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري.
تُظهر هذه المجموعة الواسعة من الاجتماعات مع مختلف الأحزاب بوضوح أن البارزانيين قد وضعوا التقارب من أعضاء البرلمان على جدول أعمالهم بشکل رئيسي، لكن هذا التقارب تم بلا شك لأهداف ودوافع محددة.
إيجاد الضمان اللازم لتنفيذ اتفاق أربيل - بغداد الجديد
بالنسبة لتحليل جهود البارزانيين لتعزيز التعاون مع الكتل في البرلمان، فإنها بلا شك تهدف للحصول علی الضمان لتنفيذ الاتفاقية الجديدة بين أربيل وبغداد.
في الواقع، إنهم يعتقدون أنه إذا تم تنفيذ الاتفاق الأخير وأرسلت بغداد الأموال بانتظام إلى الأكراد، فسيتم تسجيل هذا النجاح باسمهم ما سيزيد من وزن الحزب الديمقراطي ومكانته السياسية.
وفي هذا الصدد، نرى أن نيجيرفان بارزاني تحدث صراحةً عن استعداد أربيل لحل المشاكل مع بغداد وفق الدستور، وأكد: "كلنا في العراق كانت لدينا أخطاؤنا، وعلينا أن نفتح صفحةً جديدةً برؤية جديدة مشتركة للمستقبل ولحل المشاكل، ونتعظ من تجارب وأخطاء الماضي".
يمكن اعتبار تصريحات بارزاني هذه بمثابة تأكيد علی الخطأ التاريخي في إجراء استفتاء الاستقلال، ومحاولة الحصول على ضمان تنفيذي لإرسال الميزانية.
