الوقت- كلنا نعلم أنّ التوصل إلى ما يسمى "الاتفاق التاريخيّ" لاستئناف العلاقات بين العدو الصهيونيّ والمغرب، تم مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الرباط على الأراضي التي تحتلها في الصحراء الغربيّة، واليوم يطل علينا الأمير المغربيّ، مولاي هشام، ابن عم ملك المغرب، ليدعي أنّ بلاده لم توظف قضية فلسطين للاستيلاء على الإقليم الصحراويّ المتنازع عليه، ضارباً بحديثه عرض الحائط، خاصة وأنّ حكومة المغرب باعتراف جميع الأطراف الصهيونيّة والأمريكيّة والمغربيّة، تنازلت عن أهم قضيّة عربيّة وإسلاميّة.
مساومة مغربيّة
تعليقاً على اعتراف الإدارة الأمريكيّة في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الصحراء الغربيّة، زعم ابن عم الملك المغربيّ أنّ بلاده لا تعتبر أنّ قضية الصحراء الغربيّة ومسألة فلسطين يمكن أن تكونا موضوع مساومة متبادلة، موضحاً أنّ القضيتين هما إرث مؤسف للاستعمار الغربيّ، ولكل منهما خصوصيته وتحدياته الخاصة، وأنّ المهمة الأساسيّة للرباط هي حل كل نزاع بطرق عادلة، بحسب ادعائه.
وبحسب مجلة "نوفيل أوبسرفاتور" الفرنسيّة، فإنّ الأمير المغربيّ، مولاي هشام، المقيم في الولايات المتحدة، يحاول حجب الشمس بغربال، بعد أن قبضت بلاده ثمن خيانتها للقضية الفلسطينيّة، في ملف الصحراء الغربيّة، التي انسحبت منها موريتانيا عام 1979، ليُسيطر المغرب فعلياً على معظم مساحتها، ويقترح منحها حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادته، وهذا ما ترفضه الحركة القوميّة الصحراويّة "بوليساريو" منذ سنوات، والتي تطالب بإجراء استفتاء لتقرير مصير المنطقة بموجب اتفاق وقف إطلاق نار وُقّع عام 1991 برعاية الأمم المتحدة بعد حرب استمرت 16 عاماً.
ومن غير المستغرب أن يتغنى ابن العائلة المالكة للمغرب بسياسة ابن عمه (الملك المغربيّ، محمد السادس)، والذي يسعى بكل ما أوتي من قوة للسيطرة على أراضي الإقليم الصحراويّ منذ زمن بعيد، ولكن بشراسة أكبر بعد أن أقدمت واشنطن على ارتكاب "الذنب التاريخيّ" بحق فلسطين والصحراء الغربيّة، لإرضاء الكيان الصهيونيّ القاتل في عهد دونالد ترامب.
وفي أسلوب سياسيّ رخيص ومفضوح، ادعى مولاي هشام، أنّ سياسة محمد السادس هي استمرار في ما قال أنّه اهتمام المغرب بالمكون اليهوديّ، وهنا يتوجب التذكير بما قاله رئيس المرصد المغربيّ لمناهضة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ، أحمد ويحمان، والذي أشار إلى أنّ التطبيع يتناقض مع النزاع الحقوقيّ والدينيّ والروحيّ والأخلاقيّ، كما أنه تم مع عدو يدنس مقدسات المغاربة ويحتل أولى قبلتهم ومسرى رسولهم يومياً، وأضاف إن الاحتلال يسعى لإقامة الهيكل المزعوم، وصادر ممتلكات وأوقاف الفلسطينيين وهدم حارة المغاربة في القدس، مؤكّداً وجوب أن يتفادى المغرب لغماً من الألغام التي ألقت بها الولايات المتحدة بمعية الكيان الصهيوني، وهو أن يصطدم الشعب بالدولة وأن تصطدم هذه الأخيرة بمواطنيها، في ظل الرفض الشعبيّ المغربيّ لخيانة حكومتهم.
وفي الوقت الذي طبعت فيه الرباط منذ وقت طويل بشكل غير رسميّ عام 1986مع كيان الاحتلال الغاصب، عندما زار رئيس وزراء العدو حينها، المجرم شمعون بيريز، المغرب والتقى بالملك الحسن الثانيّ، وعقب إعلان المغرب اعترافها الرسميّ بعدو العرب والمسلمين الأخطر، مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الصحراء الغربيّة، يرى الأمير المغربيّ أنّ العائلة المالكة حافظت على قنوات اتصال مثمرة مع العدو الإجراميّ، بدءا من الدبلوماسيّة غير الرسميّة الى التعاون الأمنيّ، زاعماً أنّ التطبيع الحالي بمثابة "عملية تدريجيّة" لا تستند إلى مساومة بين فلسطين والصحراء، بعكس ما يقوله العرب والمغاربة.
وفي هذا الشأن، أسهب ابن عم ملك المغرب في الحديث عما أسماها مبادرات النظام الملكي في المغرب لصالح القضية الفلسطينيّة، لكنه تناسى التقارير الإعلاميّة التي كشفت خيانة العائلة الحاكمة في المغرب، حيث تحدث الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الصهيونيّة، شلومو غازيت، قبل أعوام أنّ المغرب مكّنت الكيان الصهيونيّ المجرم من تسجيلات قمة عربية استضافها عام 1965، ممّا هيّأ لها سبل الانتصار في حرب 1967، وأنّ إن الملك المغربي السابق، الحسن الثاني، الذي لم يكن يثق في قادة عدد من الدول العربية، مكّن تل أبيب من الحصول على تسجيلات سريّة لكل ما دار في القمة العربيّة بالمغرب عام 1965، ممّا أتاح للقيادة الصهيونيّة، برئاسة رئيس الوزراء حينها، ليفي أشكول، من الاطلاع على كل ما دار بين الزعماء العرب.
يشار إلى أنّ تلك القمة كانت مهمة للغاية، إذ أتت قبل سنتين من حرب يونيو/ حزيران عام 1967، وشهدت حضور وزراء الدفاع العرب وقادة جيوشهم وأجهزتهم الأمنيّة، حيث زار فريق من استخبارات العدو المغرب قبل موعد القمة بتنسيق مع النظام الحاكم في المغرب، وتسّلم مباشرة بعد نهايتها كل التسجيلات لما دار في القمة، وقد شكّلت هذه العملية واحدة من أهم الدلائل على عمالة النظام المغربيّ، لأنّ الكيان الغاصب استعد من خلال التسجيلات لحربه المرتقبة مع الدول العربيّة.
الصحراء الغربية
أعلن الاتحاد الأوروبي في العام 2016، أنّ "الصحراء الغربيّة" ليست من الأراضي المغربيّة، وفي آذار/ مارس عام 2016 طرد المغرب حوالي 70 عاملاً في منظمة الأمم المتحدة بعد أن صرح "بان كي مون" أن ضم المغرب للصحراء الغربية يعد احتلالاً لدولة ذات سيادة، إضافة إلى أنه لا يوجد أي دولة عضو في الأمم المتحدة (باستثناء أمريكا) تعترف بشكل رسميّ بسيادة المغرب على كل أجزاء الصحراء الغربية منذ العام 2017، وقد تعرض المغرب لانتقادات لاذعة من منظمات حقوق الإنسان الدوليّة بسبب أعمال العنف في الصحراء الغربيّة.
وتعد "الصحراء الغربية" المُتنازع عليها، من أهم نقاط الخلاف بين الجزائر والمغرب، والتي يحدها المغرب من الشمال بينما تحدها الجزائر من الشرق، وموريتانيا من الجنوب، والمحيط الأطلسي من الغرب، وتبلغ مساحتها حوالي 266,000 كيلومتر مربع، وتعد واحدة من المناطق ذات الكثافة السكانيّة القليلة، وعدد سكانها يتجاوز النصف مليون شخص، يعيش 40% منهم في منطقة "العيون" كبرى مدنها.
وقد ظلت تلك الصحراء تحت الاحتلال الإسبانيّ حتى أواخر القرن العشرين، وهي اليوم ضمن قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المحكومة ذاتياً، وفي عام 1975، تخلت إسبانيا عن "الرقابة الإداريّة" للمنطقة ومنحت الرقابة لإدارة مشتركة من قبل المغرب وموريتانيا، لكن المغرب ادعى فيما بعد أن الإقليم تابع له بشكل رسميّ.
