الوقت-أزمة طيران، ضرب مصانع وإخلائها، هروب رؤوس أموال واستثمارات أجنبية، تخفيض للتصنيف الائتماني، نفقات عسكرية متزايدة، نفقات إضافية لإسكان مستوطني الشمال، تضخم جامح، ضرائب مرتفعة، نمو منخفض وميزانية تقشف، هذا هو وضع الاقتصاد الإسرائيلي بكل اختصار بعد عام من الحرب على جبهات غزة ولبنان تكبد خلالها الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة أضعفته وأشعلت ضغوطات داخلية كثيرة.
أزمة الطيران
أقرت وسائل إعلام إسرائيلية عن أثر الأزمة المتفاقمة للطيران على الصناعة وفي هذا السياق ذكر موقع "كالكاليست" الإسرائيلي أن "الانخفاض الحاد في عدد شركات الطيران الأجنبية التي تحلّق إلى إسرائيل في أعقاب الحرب أدى إلى انخفاض كبير في عدد الرحلات الجوية للركاب، وأثّر بشدة في النقل الجوي للبضائع نظراً إلى تزايد صعوبة تصدير البضائع إلى الخارج واستيراد المواد الأولية التي تحتاجها بشدة عمليات الإنتاج في المصانع".
كذلك، أصبح النقل الجوي أكثر تكلفة العام الماضي بنحو 200%، ولكن بصرف النظر عن الأسعار المرتفعة، فإن توفّره أصبح أقل ويتراجع، وخصوصاً خلال الشهرين الماضيين، كما جاء في الموقع.
واشتكى أن "شحنات البضائع والمواد الخام إلى الشركات في إسرائيل عالقة في المطارات في العالم منذ أسابيع، ولا يستطيع المصدّرون المحليون الذين من المفترض أن يسلّموا البضائع إلى العملاء في الخارج العثور على رحلات جوية متاحة تسمح لهم بالوفاء بمواعيد التسليم التي التزموا بها".
ونقل موقع "كالكاليست" عن مسؤولين في الصناعة وفي قطاع الشحن في حديثهم عن الفوضى في النقل الجوي قولهم إنها "غير عادية وغير مسبوقة في حجمها، بطريقة تورّط الشركات بالتأخير والتخلّف في عمليات الإنتاج، وفي تسليم المنتجات والأضرار التي لحقت بالمنتجين، والسمعة والقدرة على المنافسة إلى درجة فقدان العملاء والعقود الجديدة والإيرادات".
هروب رؤوس الأموال
من جانب آخر كان لهروب رؤوس الأموال من "إسرائيل" بنسبة 62% الأثر الكبير على الاقتصاد الإسرائيلي وإضعافه خلال الحرب، يذكر، أن مصطلح هروب رؤوس الأموال له آثار بعيدة المدى ويمكن له أن يتسبب وحده في انهيار الاقتصاد وحدوث أزمة.
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة كالكاليست أنّ "هروب رأس المال يحدث بشكل كبير وسريع وغير موثّق في بعض الأحيان"، مدفوعاً بـ"عدم الاستقرار المالي أو عدم اليقين أو زيادة المخاطر السياسية أو الجيوسياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية"، ما يؤدي عادة إلى "فقدان الثقة في "إسرائيل"، ودفع المستثمرين للبحث عن فرص في الخارج".
ضرائب وتضخم لا يمكن كبح جماحه
أكد موقع "غلوبز" الإسرائيلي أن "التكاليف المرتفعة للحرب ومشكلات العرض التي تسبّبت بها وزيادات الضرائب المتوقّعة عام 2025 وزيادات الأجور.. كل هذا يدفع الأسعار إلى الارتفاع في إسرائيل".
ووفقاً للموقع، اضطر "بنك إسرائيل" إلى الاعتراف بهذا، وفي إعلانه الأخير عن أسعار الفائدة توقّع أن يبلغ معدل التضخّم السنوي 3.8% في نهاية هذا العام، وأن أسعار الفائدة لن تنخفض في المستقبل القريب.
وأضاف: "في الوقت الذي تعمل الأسواق المالية في مختلف أنحاء العالم للخروج من فترة التضخّم المرتفع، تتحرّك إسرائيل في الاتجاه المعاكس"، وأشار إلى أن "هناك عاملاً آخر من شأنه أن يغذّي التضخّم، وهو إقبال الجمهور على النقد، فقد ارتفع المجموع النقدي الواسع، وهو رقم صادر عن بنك إسرائيل يشمل كل النقد والاستثمارات قصيرة الأجل التي يحتفظ بها الجمهور، بنسبة تزيد على 13% بين آب/أغسطس 2023 وآب/أغسطس 2024 إلى أكثر من تريليوني شيكل".
ونقل الموقع عن كبير خبراء الاقتصاد في ليدر كابيتال ماركتس جوناثان كاتز أن هذا الاتجاه تسارع في أيلول/سبتمبر، وقال: "العام الماضي، شهدنا نمواً كبيراً في هذا المقياس النقدي بنحو 15%، ولا يُتوقّع أن يتباطأ في أيّ وقت قريب".
وحسب الموقع، يأتي التغيير على جانب الإنفاق أيضاً، فالحرب التي تستمرّ لأكثر من عام لا تشجّع الاستهلاك.. فعندما تتوالى الأخبار السيئة، ويتمّ استدعاء جنود الاحتياط إلى الخدمة ثلاث مرات في العام، وتتعرّض مناطق كبيرة لنيران كثيفة يومياً، يصبح من الصعب الحفاظ على روتين الرحلات الخارجية والتسوّق.
موازنة تقشف
تفرض موازنة 2025 إجراءات تقشفية بهدف خفض العجز المالي من 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي حاليا، وهو أعلى من هدف عام 2024 البالغ 6.6%، إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي عن طريق مقترح بخفض الإنفاق وزيادة الضرائب بما يحقق حوالي 40 مليار شيكل (10.8 مليارات دولار).
ومن ضمن الزيادات الضريبية، سترتفع ضريبة القيمة المضافة عام 2025 إلى 18% من 17%.
وقال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إن ميزانية الجيش عام 2025 لن تكون مفتوحة رغم أن إنفاقه سيبلغ 102 مليار شيكل (27.5 مليار دولار) العام المقبل، وسيبلغ إجمالي الإنفاق في الموازنة 744 مليار شيكل (200 مليار دولار) عام 2025، بما يشمل 161 مليار شيكل لخدمة الديون.
ومن المتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي 0.4% فقط عام 2024 و4.3% عام 2025.
وفي حال موافقة مجلس الوزراء على مشروع الموازنة، سيحال إلى البرلمان للتصويت عليه بشكل مبدئي، ويتوقع سموتريتش موافقة البرلمان بشكل نهائي على الموازنة في يناير/كانون الثاني المقبل، وإذا لم تتم الموافقة على الموازنة بحلول 31 مارس/آذار 2025، يتعين إجراء انتخابات جديدة.
توقعات صندوق النقد الدولي
يشار إلى أن صندوق النقد الدولي خفض قبل أيام توقعه لنمو اقتصاد "إسرائيل" إلى 0.7% خلال السنة الجارية من 1.6% كانت متوقعة أبريل/نيسان الماضي، وذلك تحت ضغط النفقات العسكرية بسبب حربيها على غزة ولبنان.
ويتوقع الصندوق أن تستخدم "إسرائيل" الإنفاق الحكومي الأعلى في الأمد القريب لدعم الاقتصاد وتغطية التكاليف العسكرية للحرب، حسبما أظهر تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن الصندوق.
وذكر الصندوق أن توقعاته تخضع لحالة من عدم اليقين المتزايدة بسبب الحرب، ومن ثم قد تتم مراجعتها، ورجّح الصندوق نمو اقتصاد "إسرائيل" 2.7% السنة المقبلة و3.4% عام 2029، وفق ما جاء في تقرير آفاق النمو العالمي الصادر خلال الشهر الجاري.
الخزانة الأمريكية تتكفل بالنفقات!
كشف معهد واتسون الأمريكي أنّ الولايات المتحدة الأمريكية موّلت "إسرائيل" بنحو 70% من النفقات العسكرية لشنّ حروبها على قطاع غزة ولبنان، وحسب احصاءات فإن التمويل الأمريكي لكيان الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب بلغ أكثر من 22 ملياراً و700 مليون دولار، ويشتمل هذا التمويل على المساعدات العسكرية الأمريكية التي أرسلتها واشنطن إلى "إسرائيل" منذ بدء الحرب وحتى نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي.
كما يشتمل التمويل على تكلفة العمليات العسكرية التي نفّذها الجيش الأمريكي، من بينها إرسال حاملات طائرات إلى المنطقة ونشر منظومات دفاع جوي في كيان الاحتلال الإسرائيلي
وأشارت "ناشيونال انترست" إلى أنّ هناك فئة أخرى من التكاليف لم تحظ بقدر من الاهتمام، وهي المليارات من دولارات الضرائب الأمريكية التي تدعم المجهود الحربي الإسرائيلي والحشد الأمريكي المستمر للقوات والسفن والطائرات في المنطقة.
ويأتي كل هذا بالإضافة إلى تكاليف تُقدّر بمليارات الدولارات لنشر نحو 40 ألف جندي أمريكي في المنطقة، وتمركز الأسطول السابع في البحرين، وصيانة القواعد الجوية الرئيسية في قطر والإمارات.
وأشار التقرير إلى أنّ ما يزيد على 22 مليار دولار أنفقتها الولايات المتحدة على عمليات نقل الأسلحة والعمليات العسكرية منذ بداية الحرب، وهو مبلغ ضئيل نسبياً مقارنةً بإجمالي ميزانية "البنتاغون" التي تتجه إلى الارتفاع نحو تريليون دولار سنوياً، ولكنّه مبلغ ضخم مقارنةً بالاحتياجات العاجلة الأخرى.