الوقت- بينما يتركز اهتمام العالم على الحروب الدائرة في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وأفريقيا، فإن بنية النظام العالمي تتفكك بهدوء. وتمارس الدول النامية بقيادة روسيا والصين المزيد من النفوذ في الشؤون الاقتصادية للعالم، وبدأت في خلق بدائل للمؤسسات التي يقودها الغرب، ويعتبر تحالف "البريكس" لاعبا مهما في هذا التطور.
وفي هذا الصدد، تبدأ قمة البريكس، الثلاثاء، في مدينة كازان الروسية وتستمر لمدة ثلاثة أيام، ويحضر في قمة البريكس، وهي دورتها الـ16، ممثلو 32 دولة، منها 24 دولة ستشارك على مستوى قادتها، كما سيحضر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان
وأنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، وتشانغ مينغ، الأمين العام لمنظمة شنغهاي للتعاون، والأمناء العامون لمجتمع كومنولث الدول المستقلة، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والحكومة المتحدة لروسيا وبيلاروسيا، وكانت ديلما روسيف، رئيسة بنك التنمية الجديد لمجموعة البريكس، من بين الشخصيات البارزة الأخرى المدعوة للاجتماع وفي الوقت نفسه، سافر حوالي 2000 صحفي من 59 دولة إلى روسيا لتغطية هذا الحدث لإظهار المكانة العالية والاهتمام العالمي بنتائج هذه القمة.
وسيناقش المشاركون في اجتماع كازان القضايا الرئيسية على الساحة الاقتصادية والسياسية العالمية، بما في ذلك التعاون في مجال الأمن، وإصلاح النظام المالي الدولي، وتطوير التعاون بين البنوك، وتوسيع استخدام العملات الوطنية في التبادلات.
كما سيناقش قادة أعضاء البريكس أيضًا حل النزاعات الإقليمية، ومن الممكن أن يتم أيضًا ذكر قضية الصراعات في أوكرانيا ولبنان وغزة، على الرغم من عدم التخطيط لعقد اجتماع خاص لهذه القضايا.
وقال المتحدث باسم الكرملين: إن قمة البريكس ستتضمن العديد من الاجتماعات الثنائية ومتعددة الأطراف، وسيعقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثات منفصلة مع جميع نظرائه. وأشار يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي، إلى أن 15 دولة حاليا تعتبر مرشحة للمشاركة في مجموعة البريكس. وأضاف: إن "قادة البريكس سيحددون بوضوح مجموعة الدول التي يمكن اعتبارها دولا شريكة في المرحلة الأولى"، وأضاف: "حاليًا، يتم اعتبار 15 دولة مناسبة للمشاركة في مجموعة البريكس بناءً على معايير مختلفة، بما في ذلك تأثيرها على القضايا الإقليمية والدولية"، وتابع هذا المسؤول في الكرملين إن قبول جميع الدول المتقدمة في الوقت نفسه لن يكون منطقيا، لأنه في هذه الحالة، ستصبح البريكس بنية غامضة وغير فعالة.
وتتولى روسيا الرئاسة الدورية لمجموعة البريكس هذا العام، وقررت استغلال وقتها كرئيس للتركيز على بناء "نظام عالمي عادل" والتوجه نحو العملات المحلية وأنظمة الدفع في اجتماع كازان.
وينعقد اجتماع البريكس بقيادة روسيا في الوقت الذي يواصل فيه الكرملين عامه الثالث من الحرب في أوكرانيا، ويعتقد المحللون أن بوتين يحاول استغلال هذه الفرصة لإظهار أن روسيا ليست معزولة تحت الضغط الغربي. وخلال وجودها الذي دام 16 عاما، أصبحت مجموعة البريكس قوة سياسية واقتصادية كبرى، تعتمد على رغبتها في خلق توازن ضد النفوذ الغربي في المؤسسات العالمية، ويأمل مؤسسوها في زيادة نفوذهم في النظام العالمي الجديد.
التركيز على التخلص من الدولرة من خلال "دفعات البريكس"
وبما أن البريكس هي منصة اقتصادية لتحسين ثقلها ومكانتها في البورصات العالمية، فمن أجل تحقيق هذا الهدف، تكون جهود البنية التحتية على رأس الخطط، ووفقا لمسؤولين في موسكو، على هامش قمة البريكس، سيتم الكشف عن نظام الدفع الجديد لبريكس، ويعد هذا الحدث أحد العلامات الحاسمة لجهود مجموعة البريكس للقضاء على الدولار، والذي سيتم تعزيزه بوسائل أخرى.
من ناحية أخرى، طلبت روسيا من شركائها إنشاء بديل لصندوق النقد الدولي للتعامل مع الضغوط السياسية للدول الغربية، وهو ما نوقش مؤخرا في اجتماع رؤساء البنوك المركزية لدول البريكس، والذي سيتمكن من اختبار نظام الدفع الجديد في اجتماع الغد للعمل به ومؤخرًا، بدأ بنك البريكس أيضًا نشاطه حتى تتمكن الدول الأعضاء في هذه الكتلة الاقتصادية من إجراء التبادلات التجارية مع بعضها البعض بسهولة.
ومنذ تأسيسها، سعت هذه الكتلة إلى تنسيق السياسات الاقتصادية والدبلوماسية لأعضائها، وإنشاء مؤسسات مالية جديدة وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي. حيث إن هيمنة الدولار كعملة احتياطية في تجارة السلع مثل النفط تمنح واشنطن نفوذا كبيرا على النظام المالي العالمي، والذي استخدمته على مدى العقود القليلة الماضية للضغط على الحكومات المنافسة، وتعد دول مثل روسيا وإيران وفنزويلا، التي تأثرت بالعقوبات الأمريكية وضوابط التصدير، من بين الدول الرائدة في تعزيز التبادل بالعملات الوطنية والمحلية وطرق أخرى مثل مقاصة العملات.
وتعمل بريكس بي على تسهيل المعاملات السلسة بين الدول الأعضاء في مجموعة البريكس، بما في ذلك البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وتستخدم تقنية blockchain والعقود الذكية لتمكين اتخاذ القرارات الشفافة واللامركزية، ويمكن لهذه المنصة أن تدعم العملات الرقمية أو العملات المستقرة المرتبطة بالعملات الوطنية للدول الأعضاء، وتسمح هذه الطريقة للبريكس بي بتقليل اعتمادها على الأنظمة التقليدية وتقليل تكاليف المعاملات.
ويعتقد الخبراء أنه إذا استخدمت دول البريكس عملة البريكس في التجارة فيما بينها، فسيكون لذلك بالتأكيد تأثير على انخفاض الطلب على الدولار الأمريكي في السنوات القادمة، مما لا شك فيه، في حالة التنفيذ الفعلي والتفعيل والتوسع العملي فإن استخدام المؤسسات المالية والنقدية وأنظمة الدفع بين الأعضاء يمكن أن يلعب دوراً مهماً وفعالاً في زيادة الدولرة.
البريكس آخذة في التوسع
بسبب الانتقادات المتزايدة من البلدان النامية ودول الجنوب العالمي للهيكل غير العادل للنظام الدولي الحالي، يعتزم قادة روسيا والصين إنشاء بديل للهياكل الأمنية والمالية تحت قيادة الغرب، والنظر في تطوير البريكس خطوة مهمة لتحقيق هذا الهدف. وفي العامين الأخيرين، أعلنت العديد من الدول استعدادها للانضمام إلى مجموعة البريكس، ومن الممكن أن يؤدي وصول أعضاء جدد إلى رفع مكانة هذه الكتلة الاقتصادية في مواجهة المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة.
إن الانضمام إلى هذه المجموعة من الاقتصادات الناشئة له فوائد اقتصادية واضحة لدول الجنوب العالمي. وتمثل الدول العشر التي تشكل الآن مجموعة البريكس 45% من سكان العالم، و28% من الناتج الاقتصادي العالمي، و47% من النفط الخام في العالم، وجاء في تقرير صادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية أن "التجارة في السلع بين اقتصادات البريكس تجاوزت بشكل كبير التجارة بين دول مجموعة السبع، ما أدى إلى زيادة التجارة البينية بين دول البريكس".
وتأمل الدول النامية أن تؤدي عضوية البريكس إلى زيادة التجارة والاستثمار في هذه الدول. وبالنظر إلى أن الاقتصادات الناشئة مثل ماليزيا والمصدرين الرئيسيين للنفط والغاز، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، ترغب أيضًا في الانضمام إلى هذه المجموعة، وبالتالي، مع انضمام أعضاء جدد، سيكون أكثر من نصف سكان العالم في معسكر البريكس، وهي قضية إلى جانب زيادة الناتج الإجمالي لهذه الكتلة الاقتصادية ستشكل تهديدا خطيرا لهياكل بريتون وودز.
ومن خلال زيادة التعاون التجاري والاقتصادي بين الدول الأعضاء، فإن الهدف الرئيسي لمجموعة البريكس هو بالطبع إضافة العديد من منتجي النفط والغاز الرائدين، الذين سيكونون بالتالي قادرين على قياس نبض الطاقة في العالم، ووفقا للخبراء، فإن النتيجة الأكثر أهمية لتوسع البريكس بالنسبة للاقتصاد العالمي هي استخدام العملات المحلية لإجراء التجارة الثنائية والحد من استخدام الدولار. وبوسعنا أن نرى هذا التحول في سياق الجهود الأوسع التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لتحدي النظام المالي الذي يهيمن عليه الغرب.
وعلى الرغم من أن البلدان النامية تمثل حصة كبيرة من سكان العالم، إلا أنها تلعب دوراً ضئيلاً في تحديد سياسات السلطات المالية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي لا تزال تتمتع بقوة مالية كبيرة لتخصيص رأس المال، ووفقا للخبراء، من المرجح أن تشهد "بريكس بلس" في العقد المقبل استثمارات كبيرة في البنية التحتية من شأنها تحسين بيئة الأعمال وربط ممرات العبور.
ومن شأن تطوير مشاريع النقل والاتصالات الرقمية والطاقة وغيرها من المشاريع أن يخلق الطلب على الشركات العالمية ويوفر الفرص للمستثمرين في مجموعة البريكس، بما في ذلك الصين. وفي عالم أكثر تعددا للأقطاب، تستطيع الشركات بناء سلاسل توريد قادرة على البناء على قوة اقتصادات مجموعة البريكس بلس، ما يجعلها أكثر قدرة على الصمود في مواجهة الصدمات الجيوسياسية والتجارية.
التعامل مع الأحادية
تنعقد قمة البريكس في لحظة مهمة حيث يشهد العالم تحولا مهما في نموذج توزيع القوة العالمية، وهو ما ستكون له عواقب بعيدة المدى على السلام والأمن الدوليين، كما تعد التعددية القطبية هي الاتجاه الأول الذي يجب مراعاته فيما يتعلق بالأهمية المتزايدة لمجموعة البريكس. ومن وجهة نظر قادة الجنوب العالمي، توفر التعددية القطبية الوسيلة الأكثر أمانًا للحد من الهيمنة التي تشكل تهديدًا للأعراف الدولية والأمن العالمي، إذا لم يتم كبحها.
إن العالم المستقر والمسالم متعدد الأقطاب يتطلب نظاماً متعدد الأطراف يتسم بالكفاءة ويصلح لمواجهة التحديات الفريدة في القرن الحادي والعشرين، ولكن من المؤسف أننا نشهد اتجاهاً آخر من المؤسسات متعددة الأطراف المختلة التي تتمحور حول منظومة الأمم المتحدة، وإن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي كان من بقايا هيكل السلطة بعد الحرب العالمية الثانية، لم يعد يعكس ديناميكيات العالم المعاصر، ويتم تجاهل طلبات الإصلاح في هذا المجلس إلى حد كبير، لأن القوى العظمى تستخدم حق النقض (الفيتو) لفرض عقوبات على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
إن البريكس هي بديل للهيمنة الجيوسياسية للغرب وصوت قوي لدول الجنوب العالمي. لقد شهد العالم زيادة مثيرة للقلق في الصراعات في السنوات الأخيرة، وقد أظهرت المؤسسات المالية التي أنشئت منذ عقود مضت أنها غير قادرة على التعامل مع الاتجاه الحالي بشكل مناسب، ويتطلب النظام الجديد متعدد الأقطاب إصلاح النظام متعدد الأطراف حتى يتمكن من التعامل مع أصعب تحديات اليوم، من الحرب وتغير المناخ إلى الأوبئة والتكنولوجيات المعطلة مثل الذكاء الاصطناعي.