الوقت - في مقال نُشر مساء الثلاثاء الماضي على موقع "زمان إسرائيل" الإخباري، أوضح إيتالي لاندسبرغ قائلاً: "على الرغم من الظروف الراهنة المشحونة بعمليات اغتيال ناجحة واستعراضات للقوة العسكرية، إلا أن سقوط 200 صاروخ باليستي يجب أن يدفع أي شخص إلى التفكير ملياً في ضرورة الابتعاد عن إيران وتجنب الانتقام، وذلك بهدف الحفاظ على قدراتنا وطيارينا وأهدافنا، لحين حلول لحظة المباغتة والظروف التي نكون فيها مستعدين حقاً".
واستشهد الكاتب بأمثلة ملموسة من التاريخ، مشيراً إلى الإجراءات التي اتُخذت سابقاً خلال فترات رئاسة الوزراء لشخصيات مثل إسحاق شامير واقترح أن تمتنع "إسرائيل" عن اتخاذ أي إجراء في الظروف الحالية، مقدماً عدة أسباب مختلفة لدعم موقفه، وهي كالآتي:
1. الحرب الباليستية بين "إسرائيل" وإيران تُعدّ حربًا غير متكافئة، حيث تمثّل إيران قوةً إقليميةً غنيةً بالموارد البشرية والسلاح والوقود والإمكانات الاقتصادية، بينما تتمتع "إسرائيل" ببنية صغيرة مع قوة عسكرية وإنسانية محدودة، تفتقر إلى العمق الاستراتيجي وتعاني من صعوبة الحفاظ على جيش كبير لفترة طويلة، إذ إن مثل هذه الظروف تؤدي إلى انهيار اقتصادي وفقدان القدرة البشرية.
2. إن الحرب الاستنزافية بالصواريخ بين إيران ومواجهة القوة الجوية الإسرائيلية، تعدّ حربًا بلا جدوى، حيث لا يوجد فيها احتلال للأراضي أو قرارات عسكرية، وإنما تقتصر على الضربات المتبادلة لحفظ هيبة الطرفين، ويرافقها تصريحات نارية في وسائل الإعلام والتعهدات المتبادلة، بالإضافة إلى احتمال تكوين عمليات اغتيال هنا وهناك، في حين أنها، والأهم من ذلك، تؤدي إلى خسائر مستمرة في قدرات الردع الإسرائيلية.
3. إن إيران، سواء من حيث الهيكل السياسي أو الجيش، لن تتأثر بالردع، نظرًا لقيادتها الإسلامية المشبعة بالأيديولوجية الدينية، حيث لا يوجد حدود للفداء من أجل الوطن أو الاقتصاد أو الأيديولوجيا، إذ قدّمت إيران آلاف القتلى في حربها لثمانية سنوات ضد العراق لكنها لم تستسلم، بينما لا تستطيع "إسرائيل" فرض تكاليف مشابهة على إيران.
4. الهدف الأساسي الذي تسعى "إسرائيل" لتحقيقه في حربها الحالية ضد إيران، هو منع هذه الدولة من الوصول إلى القدرات العسكرية النووية، التي يمكن أن تهدّد وجودها، حيث إن الحرب الاستنزافية كما هو جارٍ الآن، مع الضربات المتبادلة، لن تؤثر في تحقيق هذا الهدف الرئيس، إذ ستواصل إيران تقدمها النووي، ولن تكون "إسرائيل" قادرةً على إيقاف ذلك، لأن القدرات المطلوبة لتدمير البرنامج النووي الإيراني، ستتلاشى في خضم النزاع الاستنزافي.
أما القوة الجوية الإسرائيلية، فهي حاليًا مشغولة في حرب متعددة الجبهات، ما يجعل تركيزها على الهجمات ضد إيران، قد يقلّل من قدرتها على استخدام الطائرات المقاتلة، ما يزيد من احتمال إسقاط هذه الطائرات واحتجاز طياريها.
5. من المستحسن أن تركز "إسرائيل" على أهداف أكثر إلحاحًا وأهميةً من الدخول في حرب استنزافية وإعلان العداوة؛ إذ يجب أولاً إضعاف حلفاء إيران الموجودين على حدودها، حيث تشكّل هذه القوات تهديدًا حيويًا لـ "إسرائيل" سواء في الشمال أو الجنوب، وتعتبر أكثر أهميةً من الصواريخ الباليستية، وإن إفشال حزب الله وحماس في الوقت الراهن، يعدّ قضيةً أصحّ وأهم لـ "إسرائيل"، وينبغي التركيز عليها.
6. يجدر بـ "إسرائيل" أن تتبنى سياسةً حكيمةً من خلال التفكير في تفعيل استراتيجيات بديلة، كما فعلت في الماضي عبر اغتيال علماء النووي الإيرانيين.
ويخلص الكاتب إلى استنتاج بالغ الأهمية، حيث يقول: إذا كانت هذه الأسباب غير كافية لمراكز صنع القرار في "إسرائيل"، فينبغي تنبيههم إلى أن أي هجوم إسرائيلي سيؤدي حتماً إلى نشوء خطر إقليمي، ما سيضطرنا للتفكير في استخدام القوة في العراق وسوريا، وربما اليمن أيضاً، في حين ستتعرض السفارات الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم لهجمات محتملة.
ويضيف الكاتب: يشكّل جنود الاحتياط 75% من هيكل الجيش الإسرائيلي، وهم قوات أنهكتها وفككتها سنة كاملة من الحرب، کما أن الانخراط في صراع مع إيران، قد يطيل أمد الحرب في لبنان وغزة لسنوات عديدة، ما سيؤدي إلى استنزاف بنية الاحتياط، وبالتالي تفكك القوة الأساسية للجيش الإسرائيلي.
ويوضح لمن لم يستوعب بعد: هذا الأمر سيؤدي إلى هزيمة عسكرية واقتصادية واجتماعية لـ "إسرائيل"، في حين أن إيران لا تواجه مثل هذه القيود، وإن ضبط النفس هو الدرع الواقي من الهزيمة المحتومة، فالقادة الذين تقاعسوا عن تحمل المسؤولية إزاء نكسة السابع من أكتوبر 2023، يتحتم عليهم، على أقل تقدير، أن يحولوا دون وقوع انتكاسة أخرى تعصف بكياننا.
ويختتم بالقول: ما يثير القلق البالغ أن استمرار هذه الحكومة في سدة الحكم وتشبثها بزمام السلطة، يعدّ في حد ذاته هزيمةً نكراء لنا وتكريساً لسلسلة الإخفاقات المتتالية، فقد برهنت هذه المنظومة، بما لا يدع مجالاً للشك، على عجزها التام وقصورها الفادح في إدارة دفة الأمور في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة، والخيار الأمثل والمسار الحكيم الوحيد المتاح أمام الحكومة الإسرائيلية في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ الدولة، يتمثل في اتخاذ موقف الحياد السلبي والامتناع التام عن أي تحرك أو مبادرة.