الوقت- بعد مرور أكثر من شهر على الاجتياح واسع النطاق للكيان الصهيوني لجنوب لبنان، سلطت بوصلة الحرب الضوء على احتمالات فشل الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، حتى أن المراقبين يعتقدون أن نتنياهو يريد استخدام البطاقة الانتخابية الأمريكية لتحقيق أهداف الحرب.
وحسب معلومات حزب الله فإن جيش الاحتلال تكبد أكثر من 95 قتيلاً و900 جريح، بينهم ضباط وجنود، منذ بداية الاجتياح البري لجنوب لبنان، كما تم تدمير العشرات من الدبابات وناقلات الجند التابعة للجيش الإسرائيلي خلال هذه الفترة، وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت نقلا عن مصادرها أن نحو 37 جنديا إسرائيليا قتلوا في معارك أكتوبر على الجبهة الشمالية، مؤكدة أن الشهر الماضي كان الشهر الأكثر دموية منذ الـ7 من أكتوبر 2023.
ويدعي جيش الاحتلال أنه نجح في تدمير نحو 70% من القدرات العسكرية لحزب الله ويعتبر أيضا إزاحة قيادات وكبار قادة هذه الحركة أعظم إنجاز له، لكن هذه ليست القصة كاملة وتقارير وسائل الإعلام العبرية يروي فيها مسؤولون إسرائيليون وخبراء في الوضع المتغير للمناطق المحتلة مسار التطورات بطريقة مختلفة.
حيفا مدينة الصواريخ
ورغم أن حزب الله في بداية حرب غزة، وفي إطار قواعد إدارة الصراع مع الكيان الصهيوني، استهدف فقط المناطق العسكرية ضمن دائرة نصف قطرها 40 كيلومترا، إلا أنه بعد اغتيال القادة، تخلى عن بعض الاعتبارات وعمد إلى تعميق هجماته إلى العديد من المناطق الصهيونية، بما في ذلك تل أبيب وحيفا باعتبارها الشريان الاقتصادي لهذا الكيان.
حيفا هذه الأيام أشبه بمدينة أشباح في ظل هجمات حزب الله المستمرة، حيث قال مسؤولون صهاينة يوم السبت إن مدينة حيفا أصبحت "مدينة صواريخ" بسبب الهجمات الصاروخية واسعة النطاق التي يشنها حزب الله.
ونقلت وسائل إعلام عبرية عن السلطات المحلية في حيفا تأكيدها أن حزب الله نفذ تهديداته بأن "ما حدث في كريات شمونة سيحدث في حيفا أيضا"، وأضاف هؤلاء المسؤولون: إن حزب الله قصف حيفا وأرسل سكانها إلى الملاجئ.
وقال مسؤولون إسرائيليون إن الشركات على شواطئ حيفا مغلقة، وإن الإسرائيليين يبحثون عن وظائف بديلة، مع هجرة الكثير منهم إلى الخارج.
وقال يونا ياهاف، رئيس بلدية حيفا: "الناس يشعرون بخيبة الأمل، كل شيء سخيف، انخفضت حركة السيارات ولم تعد الأعمال كما كانت من قبل، الناس خائفون من الخروج، الفنادق الصغيرة في هذه المدينة أيضًا على وشك الإغلاق"، وقال: "لقد اشتدت مسألة الهجرة العكسية من حيفا، الحرب لا تنتهي بشكل جيد ولا نعرف إلى أين ستقودنا الحرب.
ولا يقتصر هذا الوضع الفوضوي على حيفا فحسب، بل يمكن رؤيته أيضًا في مناطق استراتيجية أخرى في الأراضي المحتلة، وبعد العملية ضد الصهيونية قرب قاعدة جيلوت شمال تل أبيب، أفادت القناة 12 الصهيونية بأن وقوع هذه العملية في هذه المنطقة لم يكن عرضيا، وأنها كانت مستهدفة سابقا من قبل حزب الله وإيران، لقد أصبحت بلدة غاليليو الآن رمزاً لحماس وحزب الله وإيران، وجميعهم يستهدفونها.
وفي الجليل وغيرها من المدن الحدودية مع لبنان، الوضع مماثل، وتضطرب الحياة اليومية لسكان هذه المناطق مع دق أجراس الإنذار في كل لحظة.
اللغط حول لا شيء
نتنياهو بدأ الحرب في لبنان بضجة كبيرة لتحقيق أهدافه في فترة قصيرة، لكنه زرع الريح في هذه المعركة وها هو يحصد العاصفة.
وعن إنجازات حرب جنوب لبنان، يرى رضوان قاسم، الباحث في العلاقات الدولية والخبير الاستراتيجي، أنه رغم التفوق الجوي، إلا أن جيش الاحتلال لم يتمكن من تحقيق أي إنجاز عسكري على الأرض.
وقال قاسم لـ"الخليج أونلاين": "الجيش الإسرائيلي اعتقد أنه يستطيع القيام ببعض الأعمال العسكرية ليقدمها كإنجاز لإسرائيل والعالم، ويظل جنوب لبنان تحت سيطرته وقوة لا يستطيع أحد الوقوف في وجهها"، لكن عملية التطورات في الجبهة الشمالية أثبتت عكس ذلك".
وحسب هذا الخبير، باستثناء اغتيال عدد من كبار قادة حزب الله وتدمير مئات المباني والبنى التحتية في لبنان، لم تحقق "إسرائيل" الكثير.
وأكد قاسم في هذا الصدد: "إسرائيل لم تغير شيئا على أرض الواقع، ولم تضعف المقاومة عسكريا، ولم تستطع حتى إخراجها من ساحة القتال، وأظهر انتخاب الشيخ نعيم قاسم أمينا عاما لحزب الله أن حزب الله، خلافا لادعاء نتنياهو، قادر على إعادة تنظيم نفسه وتوجيه ضربات موجعة للعدو المحتل، وهو ما كان بعيدا عن توقعات حكومة نتنياهو.
ومع عدم كفاءة نظام القبة الحديدية في صد أسلحة فصائل المقاومة، تتطلع "إسرائيل" إلى تعزيز بنيتها التحتية الدفاعية من أجل تحسين المستوى الأمني للمستوطنين.
ذكرت صحيفة يديعوت أحرانوت في تقرير إخباري نقلا عن وزارة الحرب في الكيان الصهيوني، أنها وقعت عقدا كبيرا لتطوير أنظمة دفاع بالليزر واعتراض الصواريخ، وأعلن الجنرال السابق إيال زمير، المدير العام لوزارة الحرب الإسرائيلية، في حديث مع وسائل الإعلام أن هذا النظام سيدخل الخدمة خلال عام، ويسمى هذا النظام، الذي وقع زامير عقد تطويره، بنظام "ماجين أور"، وهو أول نظام تتبع بالليزر يتم تطويره في الكيان الصهيوني.
الورقة الرابحة في يد حزب الله
ورغم أن سلطات تل أبيب تدعي أنها وجهت ضربات قوية للبنية التحتية لسلاح حزب الله وتنظيماته السياسية، إلا أن موجة العمليات الواسعة لهذه الحركة تشير إلى أن المقاومة لم تضعف، بل يوما بعد يوم، مع كشف النقاب عن أسلحة جديدة، فإن الأراضي المحتلة أصبحت أكثر غرقا في الرعب.
وكانت حكومة نتنياهو تعتزم صد حزب الله إلى مؤخرة نهر الليطاني بهجمات جوية وبرية، مستشهدة ببنود القرار 1701، لكنها حتى الآن لم تحقق أي شيء في هذا الصدد، كما فشلت عدة عمليات تسلل للدخول إلى الأراضي اللبنانية.
وكان الهدف الرئيسي لنتنياهو من الدخول في الصراع مع حزب الله هو إعادة اللاجئين إلى الحدود الشمالية، وهو ما فشل أيضاً في هذا الصدد، والآن مع اشتداد الصراعات، ارتفع أيضاً عدد اللاجئين، وأكثر من مليون مستوطن يخافون من صواريخ حزب الله كل يوم ويقضون في الملاجئ وقد سئموا هذا الوضع.
وحتى خلال العام الماضي، لم يتمكن جيش الاحتلال من إجبار حزب الله على الانسحاب من دعم أهل غزة، وبعد مرور أكثر من عام، تقف المقاومة اللبنانية بثبات إلى جانب شعب غزة المظلوم، وفي كل بياناتها، تصدر عملياتها باسم الدفاع عن غزة ولبنان.
الإعلام الصهيوني، الذي يفهم الواقع الميداني في الجبهة الشمالية، يعترف بالقوة العسكرية لحزب الله، وكتبت صحيفة معاريف في هذا الشأن أن الورقة الرابحة أصبحت الآن في يد حزب الله، لدرجة أن هجوم حزب الله بطائرات دون طيار دفع نتنياهو إلى الفرار.
وترى المراكز الأمنية والدوائر الصهيونية أن استمرار حرب الاستنزاف مع حزب الله يعني تكبد خسائر فادحة لم تشهدها "إسرائيل" في كل حروبها منذ احتلالها لفلسطين.
ويؤكد الخبراء الصهاينة أن استمرار هذه الحرب مع حزب الله في ظل الإمكانات التي أظهرها هذا الحزب وتنفيذه لهجمات ستؤدي إلى تدمير كل الإنجازات التكتيكية لـ"إسرائيل" في الحرب وغرقها في المستنقع اللبناني تكون مكلفة للغاية.
انتقد يوسي يهوشه، الكاتب والخبير العسكري في صحيفة يديعوت أحرانوت، بشدة الأداء الضعيف للجيش والحكومة الصهيونية في الجبهة الشمالية والغرق في مستنقع حرب الاستنزاف، في مقال بعنوان "إما وقف إطلاق النار أو حرب الاستنزاف"، ونقلاً عن ضابط كبير في الجيش، كتب: "لقد بدأ الجيش الإسرائيلي غزواً برياً في لبنان من أجل إعادة الأمن إلى المستوطنات الشمالية، ولكن هل حدث هذا حقاً؟" والآن لا يستطيع 50 ألف جندي إسرائيلي احتلال ولو قرية واحدة في لبنان".
وكتبت يديعوت أحرانوت أن "حزب الله يستخدم أيضًا أسلوب الإخفاء، لأن الجيش الإسرائيلي في كثير من الأحيان لا يحدد مصادر النيران التي تفاجئ القوات الإسرائيلية، كما أن قوات حزب الله تفاجئ الجيش الإسرائيلي باستمرار"، ويعود فشل الجيش الإسرائيلي في التقدم إلى لبنان إلى صعوبة رسم خريطة دقيقة لتمركز قوات حزب الله.
وفي مقابلة مع يديعوت أحرونوت، قال العقيد في الجيش الإسرائيلي جاك نيريا: "إن قوات حزب الله تسمح أولاً لجنود الجيش الإسرائيلي بالتقدم من أجل جرهم إلى الكمائن التي أعدوها ثم نصبوا كميناً للقوات الإسرائيلية، ولهذا السبب فإن خسائر إسرائيل في لبنان ستكون أكبر من كل حروبها".
بشكل عام يمكن القول إنه بعد شهر يتصاعد الصراع بين حزب الله وجيش الاحتلال، وتستمر صواريخ المقاومة في ضرب عمق الأراضي المحتلة، وهذا يسبب أزمة داخل "إسرائيل"، لأنه تم إفراغ العديد من المستوطنات وتتعرض حكومته للضغوط لإنهاء الحرب في غزة ولبنان.