الوقت - بعد ثلاثة أسابيع من التهديدات المتصاعدة والتلويح بعملية عسكرية واسعة النطاق تستهدف إيران، وما رافقها من تصريحات متعلقة بتغيير قواعد الاشتباك وموازين القوى الإقليمية، جاءت العملية العدوانية المزعومة لتكشف عن محدودية القدرات الصهيونية، حيث اتَّسمت بمحدودية النطاق والتأثير مقارنةً بالتهديدات المُعلَنة.
وفي خِضَمِّ المعركة الإعلامية الراهنة، وبينما تسعى الآلة الدعائية الصهيونية جاهدةً لتصوير العملية كإنجازٍ استراتيجي، تبقى الحقائق الميدانية شاهدةً على غياب أي دليلٍ مادي يؤكد مزاعم تدمير المنشآت الصاروخية الإيرانية تحت الأرض، أو إحداث انفجارات هائلة، بل على العكس، فإنَّ التوثيق البصري الذي قام به المواطنون، يُظهر بوضوح الفعالية العالية لمنظومات الدفاع الجوي الإيراني في التصدي للعدوان.
وفي سياقٍ متصل، يبرز تساؤلٌ محوري حول مستقبل الأمن الإقليمي ومسار التصعيد في المنطقة عقب هذا العمل العدواني، ولتسليط الضوء على مختلف جوانب هذه القضية الحساسة، أجری موقع "الوقت" حواراً مع الخبير الإعلامي والمحلل السياسي السيد حسن عابديني.
الوقت: كيف تقيّمون طبيعة وحجم العدوان الصهيوني؟
السيد عابديني: دأب الكيان الصهيوني، عبر منابره الإعلامية، على تضخيم قدراته العسكرية بصورة متكررة، ساعياً إلى إيهام العالم بامتلاكه القدرة على توظيف ترسانته العسكرية بيسر ضد أي كيان آخر، ولعل أبرز ما استند إليه لإثبات هذا الزعم، هو عملياته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني في غزة واللبنانيين.
من المعلوم أن قطاع غزة يرزح تحت نير حصار خانق - جواً وبراً وبحراً - منذ عام 2006 حتى يومنا هذا، وعليه، فإنه من غير المنطقي توقع أن يتمكن شريط جغرافي لا تتجاوز مساحته 300 كيلومتر مربع، من مجابهة آلة عسكرية تحظى بدعم حلف شمال الأطلسي، إنها، بلا شك، مواجهة غير متكافئة؛ بيد أن هذا التفاوت الصارخ في موازين القوى، هو ما مكّن أهالي غزة الصامدين من الثبات في وجه الهجمات الصهيونية على مدار العام المنصرم.
أما فيما يخص لبنان، فإن قدرة الكيان الصهيوني على استهداف أي بقعة على امتداد الحدود الشمالية للأراضي المحتلة عبر غاراته الجوية - مستغلاً غياب منظومات الدفاع الجوي في هذا البلد الصغير - لا يمكن اعتباره إنجازاً استراتيجياً لكيانٍ يتخذ من العسكرة ركيزةً أساسيةً له.
وفيما يتعلق بالمواجهة مع إيران، فقد شهدنا تطورين بارزين: أولهما أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد برهنت، من خلال عمليتي "الوعد الصادق 1" و"الوعد الصادق 2" على وجه الخصوص، عن امتلاكها لقدرات ردع متطورة تتيح لها، في إطار منظومتها المتقدمة من الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، استهداف خصومها بدقة متناهية في أي موقع كان، وقد تجلى هذا الأمر بوضوح أمام أنظار المجتمع الدولي بأسره.
أما المستجد الثاني، فقد تجلّى في أحداث فجر ذلك اليوم، حيث برهنت الجمهورية الإسلامية على تفوقها الاستثنائي في ميدان الدفاع الجوي، إذ أظهرت منظوماتها الدفاعية كفاءةً فائقةً تجاوزت بمراتب أداء المنظومات متعددة الطبقات المتمثلة في "القبة الحديدية"، و"السهم"، و"مقلاع داوود"، بل تفوقت حتى على منظومة "ثاد" الأمريكية المتطورة، حيث نجحت في رصد وتحييد الغالبية العظمى من المقذوفات التي أطلقها الكيان الصهيوني.
وبهذا الإنجاز النوعي، أثبتت الجمهورية الإسلامية تفوقها الاستراتيجي في المنظومتين الهجومية والدفاعية على حد سواء، محققةً مستوىً متقدماً من الردع الاستراتيجي، فها هو الكيان الصهيوني، الذي استنفر خلال عملية "الوعد الصادق 2" كامل القدرات العسكرية لدول المنطقة والولايات المتحدة وحلف الناتو في محاولة بائسة لصدّ الصواريخ الإيرانية، يجد نفسه مجدداً في هجوم تلك الليلة عاجزاً عن تحقيق أهدافه المرسومة، رغم حشده - وفق مزاعمه - لقوة جوية ضاربة قوامها 140 طائرة مقاتلة في هجوم ثلاثي المراحل.
وعليه، فإن القدرة الردعية الإيرانية قد تجلت في أبهى صورها أمام المجتمع الدولي، سواء في قدراتها الهجومية المتمثلة في الضربات الصاروخية والمسيّرات المتطورة، أو في منظومتها الدفاعية الجوية فائقة التطور، ويُعدّ هذا التجلي الاستراتيجي أبرز مخرجات عمليات الليلة الماضية، حيث أدرك الكيان الصهيوني، بما لا يدع مجالاً للشك، أن مواجهة دولة عظمى كالجمهورية الإسلامية الإيرانية، بمساحتها الشاسعة التي تناهز المليون وثمانمئة ألف كيلومتر مربع، تختلف جوهرياً عن استهداف رقعة جغرافية محدودة كقطاع غزة.
الوقت: هل ارتقى الهجوم الجوي للكيان الصهيوني إلى مستوى عملية "الوعد الصادق 2"؟
السيد عابديني: لم يرتقِ الهجوم إطلاقاً إلى مستوى عملية "الوعد الصادق"، سواءً على الصعيد الإعلامي أو الميداني، وتتجلى الفوارق الجوهرية بين العمليتين على صعيدين رئيسيين:
أولاً - المشهد الإعلامي: شهد العالم أجمع، في تمام الساعة الثامنة مساءً، نجاحاً باهراً للعملية الإيرانية، حيث تمكنت ما يزيد على 90% من المنظومة الصاروخية، من إصابة أهدافها الاستراتيجية في الأراضي المحتلة بدقة متناهية، وقد رسَّخت هذه المشاهد في الذاكرة العالمية صورةً مغايرةً تماماً لما حاول الكيان الصهيوني تحقيقه في هجومه الخافت عند الساعة 2:15 فجراً.
ثانياً - الأثر الميداني: برز التفاوت الشاسع في النتائج الميدانية، فبينما نجحت الضربات الإيرانية في اختراق المنظومات الدفاعية للمواقع الأشدّ حصانةً في الكيان الصهيوني، مستهدفةً بدقة فائقة القواعد العسكرية الاستراتيجية ومقر جهاز الموساد، جاءت العملية الصهيونية محدودة التأثير، ولم تُسفر عن خسائر ذات شأن.
وبالتالي، يُرجَّح أن الكيان الصهيوني قد راعى في حساباته معادلة الردع الإيراني، مدركاً أن أي استهداف للمنشآت الحيوية الإيرانية سيُقابَل حتماً برد صاعق وفوري، ما جعله يتجنب التصعيد نحو مستويات غير محسوبة العواقب.
الوقت: في صبيحة السبت، تناهى إلى مسامع الغالبية العظمى من الإيرانيين نبأ الاعتداء الصهيوني عبر المنصات الإعلامية، حيث لم يستشعروا وقوعه آنذاك، ولم يطرأ أي تغيير يُذكر على نمط حياتهم المعتاد، ما تفسيركم لمغزى ودلالات هذا المشهد؟
السيد عابديني: لقد بلغت الجمهورية الإسلامية مرتبةً متقدمةً في منظومة الردع الاستراتيجي، بحيث لم تعد تنظر إلى الكيان الصهيوني كقوةٍ تستحق أن تُصنَّف في خانة التهديدات الجدية للشعب الإيراني، ومن هذا المنطلق، كان العمل العدواني الصهيوني من الضآلة بمكان، حتى إن الشعب الإيراني لم يُعِره أدنى اهتمام.
الوقت: كيف تُقيّمون الرد المرتقب من الجمهورية الإسلامية على هذا العمل العدواني الصهيوني؟
السيد عابديني: على الرغم من إخفاق الكيان الصهيوني في تحقيق أي مكاسب من عدوانه، إلا أن مجرد تجرؤه على انتهاك السيادة الإيرانية، سيُستتبع حتماً بردٍ حاسم في التوقيت والموضع الأنسب، وسيجري تحديد طبيعة هذا الرد بكل دقة وعناية. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية تنتهج سياسةً متزنةً لا تتسم بالتباطؤ ولا بالتسرع في مثل هذه المواقف الحساسة.
وعليه، كما نجحت الجمهورية الإسلامية في إلحاق ضربة موجعة بالكيان الصهيوني في عملية "الوعد الصادق 2"، فإن من حقها المشروع الرد المناسب في إطار المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.